19-نوفمبر-2019

تقول أسر الضحايا إن الحادثة قد تكون فعلًا انتقامًا في سياق العنف ضد المتظاهرين (Getty)

لم تعد أنباء القتل اليومية غريبة على العراقيين، كما هو الحال في الديوانية، التي أصبح الموت ضيفها الدائم، ومندوب السلطة إلى أرواح المتظاهرين المطالبين بحياة كريمة منذ أسابيع.

خلال تظاهرات تشرين الأول/ أكتوبر والتي ما تزال مستمرة إلى يومنا هذا وتحولت إلى اعتصامٍ مفتوح، كنا نوثق الانتهاكات التي ترتكبها السلطة وميليشياتها، متمسكين بخيط أمل ضئيل من أن هذه الوثائق سوف تكون سببًا ودليلًا يدين السلطة ورجالها، كما إنها توثق لمرحلة مهمة من تاريخ العراق وتميط اللثام عن وجه النظام القائم الذي يتبجح بالديمقراطية وحرية الرأي، لكنه في واقعه لا يختلف عن أي سلطة ديكتاتورية تحكم شعبها بالحديد والنار.

توثيق الانتهاكات محاولة لوضع أدلة تدين السلطة ورجالها وإماطة اللثام عن عن وجه النظام القائم 

قتل ثمانية متظاهرين في الديوانية في وقت مبكر من الاحتجاجات، كانت إصاباتهم في منطقة الرأس والصدر، فضلًا عن مئات الجرحى أغلبهم بحالات خطيرة، حيث استخدمت القوات الأمنية وقتذاك مختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة وحتى بنادق الصيد فضلًا عن إطلاق القنابل المسيلة للدموع بشكل أفقي ما تسبب بإصابات مميتة.

وخلال الاستعدادات التحشيدية لانطلاق التظاهرات في 25 تشرين الأول/أكتوبر، تجمع أهالي الديوانية ليلًا في ساحة الساعة مقابل مبنى الحكومة المحلية، مرددين شعارات تطالب بإسقاط النظام والقصاص من القتلة واللصوص، كما رفعوا صور الشهداء الذين قتلوا ببشاعة في الأيام السابقة.

اقرأ/ي أيضًا: نظرة إيران إلى احتجاجات تشرين.. عداء لشيعة العراق

في صباح اليوم الثاني تجمع عشرات الآلاف من الأهالي في نفس المكان، لكن عند وقت الغروب ارتفعت حدة الغضب وتم إطلاق القليل من القنابل المسيلة للدموع من قبل قوات الأمن بعد محاولة المتظاهرين اقتحام مبنى مجلس المحافظة، ليتمكنوا أخيرًا من حرقه بالكامل.

بعد ذلك توالت الحرائق وشملت مقر حزب الدعوة، وبقية المقرات الحزبية بالإضافة إلى مقرات بعض الميليشيات المنضوية تحت هيئة الحشد الشعبي، وخلال ذلك قُتل بعض المتظاهرين قرب مقر عصائب أهل الحق في منطقة العروبة، حيث قام حراس المقر بإطلاق الرصاص الحي على أجساد المتظاهرين.

جثث المتفحمة.. وأسئلة!

في ساعات متأخرة من الليل، شاع خبر العثور على 12 جثة متفحمة في مقر منظمة بدر في حي رمضان، والذي أحرقه المتظاهرون.

بعد التوجه إلى الطب العدلي تأكد الخبر، دخلت مع ذوي الضحايا وشاهدت الجثث المتفحمة، كان منظرهم مروعًا، وما هي إلا دقائق حتى بدأت العوائل تتدفق لمعرفة مصير أبنائهم الذين لم يعودوا حتى الآن بعد انسحاب المتظاهرين وانقطاع الاتصال بهم.

كان مشهد الأمهات الباحثات عن أبنائهن بين الجثث المتفحمة مرعبًا أكثر، تعرفت إحداهن على ولدها من بقايا ملابسه وهزت المستشفى بصراخها، لاحقًا تم تحدد هوية اثنين من الضحايا فقط.

ما تزال الحادثة محط تساؤلات الشارع الديواني، الذي يشكك بالرواية الرسمية ويطالب بفتح تحقيق في الحادثة. تقول أسر الضحايا إن من غير المعقول احتراق 12 شخصًا في ظل إمكانية الهرب، حيث كان الطريق إلى الطابق الثالث من المبنى مفتوحًا لم تصله النيران.

كان منظر الجثث المتفحمة مروعًا وأكثر رعبًا منه مشهد أمهات يبحثن بينها عن أبنائهن فيما باتت الحادثة طي النسيان الحكومي رغم الغموض الذي يلفها

لا تستبعد تلك الأسر، أن يكون الحادث فعلًا انتقاميًا، ويعزز ذلك وجود الجثث في مكان واحد ضمن مساحة صغيرة، بحسب الصورة التي التقطت لموقع الحادث.

ولكن على رغم من الغموض الذي يلف الحادثة والشبهات التي تحوم حولها، إلا أنها باتت طي النسيان الحكومي، متجاهلة مطالبات ذوي الضحايا، شأنها شأن حوادث كثيرة قيدت تحت عنوان "القاتل المجهول" المعلوم جيدًا لدى السلطة ورجالها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عن "محللنا" البوليسي الجديد

ساحة التحرير.. روح الفريق قيادة للاحتجاجات!