28-نوفمبر-2021

الحزب ليس عشيرة والعشيرة ليست حزبًا (فيسبوك)

أعادَت تظاهرات السليمانية مشاكل الإقليم الاقتصادية والسياسية إلى السطح، ومع أن التظاهرات بدأت طلّابيَّة خاصَّة بمطلب محدَّد، إلا أنها فتحت النقاش على ملف الهجرة الأخير ثم شح وغلاء الوقود، ثمَّ عائدات النفط الذي ارتفع سعره وعائدات الجمارك وما إلى ذلك. لكن هناك شيء آخر أكثر أهميَّة ذكّرت به هذه التظاهرات، وهو تحكّم العوائل بالأحزاب وعبرها بالسلطة.

لا تستطيع القيادات الخروج من فضيحة توريث أبنائها المناصب القيادية الحزبية ليكون لهم الأفضلية فيما بعد بالاستحواذ على المناصب الحكومية

وهذا السلوك الفاضح والذي لا ينسجم والألفية الثالثة، لا يقتصر على أحزاب الإقليم، بل هو مرضٌ جيني يصيب أغلب الأحزاب لدينا، حيث يتشابك الشأن العائلي/العشائري الخاص بالشأن السياسي العام، ولا تستطيع القيادات الخروج من فضيحة توريث أبنائها المناصب القيادية الحزبية ليكون لهم الأفضلية فيما بعد بالاستحواذ على المناصب الحكومية. والمستهجن ليس تصرف القيادات الموَرِّثة للسلطة، بل قبول الكوادر الحزبية بهذا التوريث ودفاعها المستميت عنه. واتذكر في هذا الصدد دفاع السيد عادل عبد المهدي عن وراثة السيد عمار الحكيم لأعلى منصب في قيادة المجلس الإسلامي الأعلى، إثر وفاة السيد عبد العزيز الحكيم، حيث جوبهت عملية التوريث تلك بحملة انتقادات كبيرة بوقتها. وكان دفاع عبد المهدي يومها يندرج تحت شعار أن لعائلة الحكيم هيمنة على الجماهير التابعة للحزب. وكأن الرجل نسي أن الحزب المقصود هو حزب إسلامي يُفترض به أن يُثقِّف الناس على طاعة الله وحده والولاء له لا طاعة وموالاة أبناء عائلة بعينها والانقياد التام لأفرادها! كان يفترض به هو ومجموعة القيادة أن يثقفوا الناس، بوقت سابق، على الخروج من هذه الأزمة المعرفية الأخلاقيَّة باهظة التكاليف.

اقرأ/ي أيضًا: تضامنات سياسية مٌزَيّفَة

وبالعودة إلى الوراثة في الإقليم، لا أجد نفسي بحاجة إلى الكشف عن الضرر الذي تتسبب به عملية التوريث على الحياة السياسية وجميع مفاصل الشأن العام، فالمعارك التي حدثت بين أجنحة العائلة "المالكة" لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، تحولت إلى مجموعة فضائح أدّت إلى تهشيم الحزب وإضعاف نفوذه وتضييع تاريخه وتشتيت جماهيره. مما يجعلنا نُدْرك بأن التماسك الذي يمتاز به الحزب الديمقراطي الكردستاني، هو تماسك ظاهري فقط ومرتبط بحياة السيّد مسعود بارزاني، وإلا فيوجد تحت رماد الاستقرار كثير من جمرات الاختلاف والعداء العائلي، المتَّقدة وهي تنتظر الفرصة المناسبة لخوض معاركها. وهذه المعارك المُقبلة لا سبيل إلى تداركها إلا بتسليم قيادة الحزب إلى مجلس مُنتخب بشكل حر، ومنحه كامل الصلاحيات، فهل يمكن أن يحصل ذلك؟

أتذكر أنني دُعيت مرَّة من قبل صديق لي إلى مساعدته بكتابة نظام داخلي لحزب كان ينوي تأسيسه، وفعلاً قدَّمت خدماتي وحرصت أن أكتب البنود الخاصة بأموال الحزب لتناسب البناء المؤسساتي، بحيث تكون هذه الأموال تحت إشراف وتصرف أعضاء قيادة الحزب، لا أمينه العام فقط. وهنا حصل الاعتراض واشتد النقاش، وأصبحت استشارتي ثقيلة ومكلفة إلى درجة أنها أهملت. وعندها أوضحت لبقية الأعضاء المؤسسين حقيقة ما هم مقدمين عليه. قلت لهم إن استحواذ الأمين العام على الأموال سَيُحوّل الكيان إلى ملكية خاصة وسيحولكم إلى مجرد أتباع لا قرار لكم. لكنهم وافقوا للأسف وتحقّقت مخاوفي، واضطر بعضهم إلى الانسحاب أخيرًا.

الحزب ليس عشيرة، والعشيرة ليست حزبًا، وأنا لا أعتب على شيخ العشيرة الذي يسعى إلى ابتلاع الحزب، بل أعتب على أعضاء الحزب الذين يقبلون الانضواء تحت العباءة العشائرية. مع كامل الاحترام لعشائرنا ومشايخها الأكارم ممن يؤدون التزاماتهم ويحترمون حدودهم ولا يخلطون بين شأن وآخر.

 

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ليل الديمقراطية الطويل في العراق

الأغلبية الوطنية والأغلبية التوافقية