11-يونيو-2019

طالت حرائق المحاصيل الزراعية نحو 37 ألف دونم خلال شهر واحد (وزارة الزراعة)

ربما كانت ترنيمة، أو نبوءة أو دعوة مظلوم خطها الزمن في ذاكرة العراق والعراقيين، حين رسم لهم مثلث الموت والفجائع الذي لن يغادرهم إلا عندما ترحل ذاكرتهم.

وكلما كانت تطوى صفحة من الألم والأنين كانت تفتح صفحات جديدة ملأى بالحزن والوجع والموت. والغريب أن صفحات الآهات والموت اجتمعت في وقت متقارب من زمننا الرديء هذا، ولم تعد تمهل الذاكرة أو حتى تعطيها وقتًا لالتقاط الأنفاس أو الاستراحة، فترة مظلمة كالحة السواد نعيشها اليوم في عراق يغرق ويحترق ويموت أبناؤه على الطريق، كتاب جميع صفحاته عبارة عن طلاسم لا تقبل الحل ولا تعرف الإجابة لكثير من الأسئلة.

 اليوم خبزنا يحترق في العراق، والبارحة كانت مزارعنا وبيوتنا تغرق، وقبلها شهدنا هلاك الثروة الحيوانية والدواجن، ثم نفوق الأسماك

عذرّا لهذه المقدمة المتشائمة، ولكنها ليست أنين شاعر أو آهات عاشق، ولكنها صرخة ذبيح يحاول أن يفهم الحقيقة قبل أن يموت. ماذا يجري في العراق؟ سؤال لم نعد باستطاعتنا الإجابة عليه، اليوم خبزنا يحترق، والبارحة كانت مزارعنا وبيوتنا تغرق، وقبلها شهدنا هلاك الثروة الحيوانية والدواجن، ثم نفوق الأسماك، وما زال مفعول القتل ساريًا في بلدنا؛ ماذا يحدث في العراق؟ وأين الحكومة مما يحدث؟ إن كانت تدري فهذه الكارثة، أو لا تدري فهي المصيبة الكبرى.

اقرأ/ي أيضًا: "الاكتفاء" نذير "الكوارث".. القمح على خطى الطماطم والسمك!

 اليوم تحترق مزارع الحنطة بفعل مجهول أو غير مجهول، والحكومة يبدو أن لها "أذن من طين وأخرى من عجين"، لأنه لو كانت هناك حكومة قوية وجادة، وليست حكومة "فوتوشوب" لأعلنت حالة الطوارئ في البلاد وسخرت كل الإمكانات لمعرفة أسباب افتعال هذه الحرائق أو حتى على الأقل تأسيس مجلس أعلى لمكافحة الكوارث، بل أن يكون من واجبها حماية الأمن الغذائي للمواطن وإدامة توفير الخبز له، وإن تكون عقوبة الفاعل المتسبب لهذه الأفعال لا تقل عن عقوبة المتهم بجرائم الخيانة العظمى، ثم ما صعوبة أن تقوم الدولة بتوفير طائرات استطلاع لمراقبة حقول ومزارع الفلاحين ورصد تحركات كل مجهول يقوم بالتخريب المتعمد.

إما عن دور البرلمان في معالجة هذه الكوارث، فهو معدوم هزيل لا يرتقي إلى حجم الكارثة التي حلت بالبلاد، بل إن هذا البرلمان في واد ومصائب العراق في واد آخر. إذ كان من المفترض لهذا البرلمان أن يطالب بعقد جلسات طارئة وليس جلسة واحدة واستدعاء كل القادة الأمنيين والمسؤولين لمعرفة الأسباب وتداركها.

إما الإعلام العراقي فما يتداوله من أخبار عن حرق المحاصيل الزراعية لا تعدو كونها أخبارًا خجولة تتداولها بعض وسائل الإعلام على استحياء وكأن هذه الكارثة تحدث في كوكب آخر.

الطامة الكبرى أن لا أحد يتحمل المسؤولية فيما يحدث وهذا ديدن السياسة في العراق، إذ لا أحد يقول أنا المسؤول، وكل هؤلاء الجمع من حكومة وبرلمان ووسائل إعلام تراهم ينشغلون مثلًا بالصراع الإيراني – الأمريكي، دون أن يشعرهم عدم الإحساس بالخجل مما يحدث في بلدهم، فإصلاح الداخل هو جزء من إصلاح الخارج سواء على مستوى العلاقات أو غيرها.

تحترق مزارع الحنطة بفعل مجهول أو غير مجهول، والحكومة يبدو أن لها "أذن من طين وأخرى من عجين" بالإضافة إلى البرلمان الذي كان أصغر من التحديات المهددة لأمن العراق الغذائي

وكمواطن لا أدعي التنجيم او قراءة الطالع، أقول واطمئن ساسة العراق، إن لا حرب ستقوم بين أمريكا وإيران لسبب لا يجهله الكثيرون، هو أن ساسة طرفي النزاع هم من أصحاب الخبرة السياسية والحنكة والدهاء في التعامل مع الأزمات والظروف الصعبة، وأنهم أبعد ما يفكرون فيه تعريض بلدانهم لشبح الحرب، فاتركوهم لشأنهم فهم لا يريدون وساطتكم وقد قالها لكم الإيرانيون بالفم المليان. أما الجانب الأمريكي فهو أصلًا لا يعترف بهذه الوساطة. اتركوا قضية الوساطة والتفتوا إلى شأنكم الداخلي وكفى مراهقة سياسية، التفتوا أيها المسؤولون لشعبكم الذي أنهكه الحرق والغرق، اهتموا بمصيبة هذا الشعب بدل من اهتمامكم بشؤون غيركم. لقد شهدنا الموت والتشريد ومر علينا الحريق والغريق ومن يدري ما هو الأسوأ الذي تحمله الأيام إلينا.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الزراعة والصناعة.. شاهدان يكشفان "جرائم" الاحتلال الأمريكي بالأرقام!

إحصائية وصور مرعبة: حرائق الحنطة تمتد في 12 محافظة.. ونزوح في نينوى!