18-يوليو-2019

كل الأحزاب المشاركة بنظام المحاصصة لديها قنوات ووسائل إعلام كثيرة (Getty)

ماذا لو التزمت جميع الفضائيات العراقية بميثاق شرف إعلامي تتعهد بموجبه بعدم الترويج والتطبيل، أو محاورة أي مسؤول، أو سياسي، أو وزير، أو حتى برلماني، تحوم حوله شبهات فساد وسرقة للمال العام؟ هذه أسئلة تنطلق دائمًا في الفضاء العراقي، الذي أكله الخراب والفساد والإهمال.

لماذا تجعل الفضائيات الرأي العام يعتقد أن هذا السياسي الفاسد هو المتفضل وصاحب الفضل على الفضائيات لأنها تنشر أخباره ونشاطه وليس العكس

ماذا لو بادرت هذه الفضائيات "كإثبات حُسن نية"، ومن مبدأ احترام عقول مشاهديها وأذواق جمهورها بعدم بثّ أي خبر، أو نشاط سياسي، أو دعائي لأي مسؤول بهذه الحكومة، أو برلماني يُهين، أو يُسيء لقلم صحافي، أو ينتقص من مكانة الإعلامي وعمله؟ ولماذا تجعل الفضائيات الرأي العام يعتقد أن هذا السياسي الفاسد هو المتفضل، وصاحب الفضل على الفضائيات لأنها تنشر أخباره ونشاطه وليس العكس، ولماذا لا نوصل رسالة إلى الجمهور أنه لولا هذا الإعلام لما استطاع هذا السياسي، أو المسؤول الوصول إلى قبة الحكومة، أو البرلمان، ولماذا هذا التنازل عن عرش السلطة الرابعة ولأي سبب كان.

اقرأ/ي أيضًا: بطل التصريحات المثيرة للسخرية "ممنوع من الظهور" بأمر السلطة الرابعة!

وبالتأكيد فهو ليس تحريضًا، ولكن أنصافًا للحقيقة التي درسناها في كليات الإعلام من أن حصانة الصحافي يجب أن لا تقل عن حصانة البرلماني، وإن المقال في صحيفة كان يساهم في تغيير حكومات. كيف سيكون مثلًا، احترام الجمهور لموقف ورأي هذا الإعلامي إذا كان يتحكم به مسؤول حتى في طريقة ارتداءه للملابس، وربما سيتحكم غدًا هذا المسؤول بنوعية الخبر، ومدى صلاحيته عندما ينشرهُ هذا الإعلامي.

ربما يكون للصحافي عُذره في الصبر والتحمل، لأن هذه المهنة هي مصدر رزقه ورزق عائلته، خصوصًا وأن الكثير من المؤسسات قد تتخلى عن هذا الصحافي عند حدوث أي اعتداء، لكن هذا لا يبرر الخنوع والقبول بالذل.

بعض الفضائيات أصبحت (چنابر) وليس دكاكين يُباع ويُشترى فيها أي شيء وكل شيء، وساعات البثّ الطويلة المُملة أصبحت تُعبأ بحوارات وسجالات ومناكفات لسياسيين فيما بينهم تتكرر فيها مهزلة التراشق في الكلام والحديث المُمل، ووجوه تتكرر وتُعاد يوميًا، وعلى جميع الفضائيات، بل وصلت الجُرأة لبعض الفضائيات أنها بدأت تتسابق لإجراء حوارات مع سياسيين فاسدين ولصوص، حتى أحزابهم أعلنت براءتها منهم، ولا ندري هل هذه الحوارات واللقاءات تكون مدفوعة الثمن للقناة، أو مجاملة، أو ربما لأشياء أُخرى لا نعلمها.

أغلب فضائياتنا اليوم في واقع مؤسف ومؤلم، قد يتهمها البعض بوصولها إلى مرحلة مشاركة الفساد مع الفاسدين، ومسميات تُتهم بالفساد، وربما لا تستطيع هذه الفضائيات أن تُنهي أو تمتنع عن إجراء هذه الحوارات واللقاءات لأنها "تعتاش" على هذه السجالات، ولتكون المُحصلة إلصاق تهمة "الفساد" بهذا الإعلام.

الكثير من المؤسسات الصحافية في العراق قد تتخلى عن الصحافي عند حدوث أي اعتداء عليه

المؤكد أن هُناك أيادٍ خفية تُحاول جعل الإعلام أضحوكة، وليست مُبالغة عندما نتحدث عن نظرية مؤامرة تقودها جهات سياسية لجعل الإعلام ضعيفًا مهزوزًا غير مؤثر في المجتمع يُقاد ولا يقود، ويتحكمون فيه كيفما يشاءون، فهل وصلت الرسالة؟

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المعتقل للصحافيين والحرية للميليشيات والعشائر.. "نكتة" بين البصرة وبغداد!

ما الذي ينقص الإعلام العراقي: الحياد أم الموضوعية؟