08-ديسمبر-2021

الجميع يتطلع لرئاسة الحكومة (فيسبوك)

منذ إعلان نتائج الانتخابات التي جرت في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تستمر الخلافات والنقاشات المحمومة حول "التوافقية" و"الأغلبية" من قبل الفرقاء السياسيين في العراق، فيما لا تزال الصورة ضبابية حول شخص رئيس الوزراء المقبل وكيفيّة اختياره، حيث تسعى قوى "الإطار التنسيقي" والفصائل الخاسرة بالانتخابات للتوافق على تشكيل الحكومة مع التيّار الصدري الفائز، والمستمر بدوره بالمقابل في التأكيد على ضرورة تحقّق الأغلبية لـ"تحمل نتائج المرحلة" كما يدّعي.

يرى الباحث سليم سوزة أن حكومة الأغلبية الوطنية اليوم لا تختلف في جوهرها عن الحكومة التوافقية

ولم يخرج الاجتماع الأخير بين الفرقاء الشيعة إلا بحزمة من التضاربات بما جرت مناقشته والتأكيد عليه، إذ لم يظهر أي بيان خاتمي بشكل مشترك أو موقف موحد للاجتماع الذي شهدته العاصمة العراقية بغداد، والذي ضم عددًا من قيادات ورؤساء كتل سياسية وزعماء ميليشيات لبحث إيجاد مخرج للأزمة الحالية التي خلفتها نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة، فيما كانت التوقعات تشير إلى "طموحات كبيرة سيحسمها اللقاء".

اقرأ/ي أيضًا: اجتماع "القوى الشيعية".. مخرجات متناقضة ومواقف تضرب بعضها

وجدّد الصدر بعد الاجتماع، تأكيد مسعاه لتشكيل حكومة "أغلبية وطنية"، بعد فترة وجيزة من انتهاء اللقاء في تغريدة مقتضبة نشرها على "تويتر"، قال فيها: "لا شرقية ولا غربية"، مذيلًا إياها بوسم: "#حكومة_أغلبية_وطنية"، وهو ما يضرب فكرة "التوافق".

حكومة الأغلبية

لكنّ مراقبين يشكّكون بتشكيل "حكومة أغلبية" في ظل الوضع الحالي، إذ "لا أحد يستطيع تجاوز فكرة المكونات عند تشكيل الحكومة، وما يُقال عن حكومة أغلبية وطنية ليس سوى تجميل لفظي لفكرة التوافق المكوناتي"، وفقًا للكاتب والباحث العراقي، سليم سوزة، الذي يبيّن أنّ "حكومة الأغلبية الوطنية اليوم لا تختلف في جوهرها عن الحكومة التوافقية إلّا في كونها تحالف يجمع الفائزين من المكونات للحكومة ويقصي خاسريهم".

وتحقّق "حكومة الأغلبية" يمكن في شرط واحد فقط بحسب سوزة، ألا وهو "وجود أحزاب وطنية لم تتشكّل على أساس مكوناتي، بل على أساس سياسي بحت، وبالتالي تحالفاتها لتشكيل الحكومة ستكون على أساس برامج سياسية لا مكوناتية"، لافتًا إلى أنّ "في هذه الحالة فقط ستكون حكومتها حكومة أغلبية سياسية لا توافقية مكوناتية".

وبينما أكّد سوزة على أنّه "في النهاية، ستحصر فكرة المكوّنات في تشكيل الحكومة القادمة، وبما أنه لا فائز في الانتخابات استطاع عبور حاجز النصف زائد واحد في مجلس النواب، لن يستطيع أحد فرض مرشحه وسيصار الأمر إلى تسوية سياسية لترشيح شخصية يتوافق عليها الفائزون والخاسرون في آنٍ معًا"، أشار إلى أن "هذا ما يجعل حظوظ الكاظمي قوية في الحصول على ولاية ثانية، لأنه الشخص المستقل الذي يمكنه أن يكون حلاً وسطيًا لفكرتي الأغلبية الوطنية (والتي هي حكومة فائزي المكونات) والتوافقية المكوناتية (حكومة أحزاب الطوائف والأعراق بمجملها) على حدٍ سواء".

أما عن الخيار الأخرى بدلًا عن الكاظمي، وصفه سوزة، بأنه "مجهول، والمجهول قد يعقد الفكرتين السابقتين بالنسبة للأطراف السياسية، لذلك فالقوى السياسية ستجد نفسها مضطرة للقبول بولاية ثانية للكاظمي، ولو على مضض بالنسبة لبعضها".

التنازلات الممكنة

وبما أن الحوارات بين "الإطار التنسيقي" والتيار الصدري، بدأت تأخذ اتجاهات أخرى نحو تشكيل الحكومة، مع استمرار قوى الإطار برفضها لنتائج الانتخابات، يبدو أن هناك إمكانية وجود تنازلات قد تقدمها أطراف لأخرى للمضي نحو فكرة موحدة، كما يلفت سوزة إلى أن "كل الأطراف الآن ستقدم تنازلات بعضها لبعض، راغبة أو مرغمة، طالما لا أحد فاز بأكثر من نصف مقاعد مجلس النواب".

ويوضح سوزة أنّ "أهم تلك التنازلات هي تنازل القوى الفائزة عن فكرة تحالف الفائزين (التي يسمونها تحالف الأغلبية الوطنية) لتشكيل الحكومة القادمة ومحاولة تعويض القوى الخاسرة بمواقع ومناصب داخل تلك الحكومة لإسكاتها مقابل أن تتراجع القوى الخاسرة عن موقفها الرافض لنتائج الانتخابات وترضى بحكومة توافق تشملها بمواقع حكومية معينة".

وعن احتمالية تفرّد الصدر وترك الحوارات مع الإطار، يعتقد سوزة أنّ "زعيم الكتلة الصدرية لن يذهب إلى تشكيل حكومة فائزين، لأن الأمر ببساطة شديدة غير مرهون به وحده، فهو وإن دعا لذلك علنًا، إلّا أنّ القائمة السنية الفائزة والقائمة الكردية الفائزة غير مستعدة أو متردّدة في التحالف معه وحده دون عقد تفاهمات مع القوى الشيعية الخاسرة"، مضيفًا أنّ "ذلك لأن هاتين القائمتين تخشيان أن يُفهم تحالفهما مع الصدر لوحده كاصطفاف مع طرف شيعي واحد ضد أطراف شيعية أخرى ذات أجنحة وميليشيات مسلحة وهذه مخاطرة كبيرة".

ويؤكّد سوزة أنّ "هاتين القائمتين استحوذت عليهما فكرة المكوناتية لدرجة لا يمكن لهما أن يتصورا أي مقاربة أخرى غيرها، معبرًا عن رفضه بأن "ثمة حكومة فائزين ستتشكل في قادم الأيام، بل سيصار الأمر إلى تسوية سياسية تشبه تسوية عام 2018 التي أنتجت حكومة عادل عبد المهدي". 

وأعلنت مفوضية الانتخابات في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2021 النتائج النهائية للانتخابات التي جرت في العاشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

وبموجب النتائج، فقد فازت الكتلة الصدرية بـ 73 مقعدًا، وتحالف تقدم بـ 37، ودولة القانون بـ33، والحزب الديمقراطي الكردستاني بـ 31 مقعدًا، بينما حاز تحالف كردستان على 17 مقعدًا، وتحالف الفتح 17، والأحزاب الفائزة بمقعد واحد 16، وتحالف عزم 14 مقعدًا، والجيل الجديد 9، وامتداد 9، وإشراقة كانون 6، وتصميم 5، وبابليون 4، والعقد الوطني 4، وقوى الدولة الوطنية 4، وحركة حسم للإصلاح 3، وتحالف جماهيرنا هويتنا 3، وجبهة تركمان العراق الموحد 1، بينما كان عدد مقاعد الأفراد الفائزين 43 مقعدًا.

وأظهرت النتائج صعود قوى جديدة في حين شهدت قوى أخرى مثل كتلة الفتح وهي الجناج السياسي للحشد الشعبي والميليشيات المسلحة، وما يسمى بـ"قوى الدولة" خسارة كبيرة، ما أدّى إلى رفض القوى الخاسرة للنتائج الأولية متهمة المفوضية بـ"التلاعب والتزوير"، مطالبة بـ"إلغاء النتائج وإعادة الانتخابات من جديد".

الكاظمي وحظوظ الولاية الثانية

ويعتقد الأكاديمي والمحلّل السياسي، غالب الدعمي، بـ"صعوبة التكهن بالشخصية التي سترشح لخلافة الكاظمي، كما أن الثابت دائمًا بحث الكتل السياسية عن رئيس حكومة ضعيف، وبهذه الحالة إذا كان المقبل توافقيًا، فسيخضع لرغباتها وسيكون مغلول اليد ولا يستطيع محاسبة أحد"، مشيرًا إلى أنّ "الاجتماع الأخير بين قوى الإطار التنسيقي والصدر، لم يتضح عنه أي تقارب بين الجانبين لكون الأخير دخل للاجتماع وطرح قناعته بمبدأ الأغلبية، بالإضافة لطلب دعمه لتشكيل الحكومة وتحمل نتائجها، في حين واجهه الإطار التنسيقي قبل وبعد اللقاء ببحثه عن حكومة توافقية، لتبقى نقطة خلاف رئيسية  تجعل الجميع يغرد خارج السرب وبعيدًا عن نقطة الالتقاء المهمة لما بعدها".

يرى غالب الدعمي أن الكتل السياسية دائمًا تبحث عن رئيس حكومة ضعيف

ولفت الدعمي إلى أن "الإطار التنسيقي سيضع العراقيل ويخلقها أمام أي حكومة لن يكون طرفًا فيها، ولهذا فمضي الصدر نحو هدف الأغلبية يجعل الحكومة بمواجهة عقبات كبيرة خلال السنتين الأولى ثم تبدأ بالزوار مع بدء السنتين الأخيرتين من الولاية".

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الحكمة: اجتماع الإطار والصدر انتهى بالاتفاق على رئيس وزراء توافقي

دولة القانون: منزل العامري سيجمع الصدر والمالكي على مأدبة غداء