14-سبتمبر-2020

علي عبد الأمير علاوي (Getty)

دخل نواب مجلس الأمة الكويتي عام 1985 وكانوا فائزين في الانتخابات البرلمانية من مختلف الخلفيات الفكرية التي كانت تتعارض مع رؤية الأسرة الحاكمة (قوميون عرب، بعثيون، إسلاميون)، فكانوا معارضين لحكومة الشيخ سعد العبد الله دون أي سابق إنذار، دخلوا محمَّلين بروح مشحونة بالضدانية تجاه الحكومة ويحاولون ترجمة خلافهم على أرض الواقع وتبيان مدى قوتهم الاعتراضية للحكومة ظاهرًا، وللأسرة باطنًا، فبدأوا بأول خطوة، وهي إسقاط هيبة حكومة سعد العبد الله، وكانت المنطقة مشتعلة بالحرب العراقية الإيرانية التي كانت الكويت مهددة الوجود بسببها، إذ قاموا باستهداف صقور الحكومة وبدأوا بالوزير الأقوى في الحكومة وهو من الأسرة الحاكمة: وزير العدل والأوقاف (سلمان الدعيج الصباح)، فقدَّم ثلاثة نوّاب، حمد الجوعان ومبارك الدويلة وأحمد الربعي، طلبًا لاستجواب وزير العدل، وتم استجوابه في تموز/يوليو 1985، وقبل انعقاد جلسة سحب الثقة منه، قدَّم استقالته، فكانت ضربةً موجعة للحكومة التي بدأت بالضعف أمام مجلس الأمة الذي أظهر معارضة شرسة، إذ قدم بعد ذلك النائبان عبد الله النفيسي وجاسم القطامي استجوابًا لوزير النفط (علي الخليفة الصباح) أيضًا بدافع تسجيل انتصار سياسي لا حرصًا منهم على الدولة، وقُدمت أربعة استجوابات بنفس الوقت، مما اضطر الوزراء لتقديم استقالاتهم تجنبًا للاستجواب وتمَّ إسقاط الحكومة بأكملها. مما دفع بالأمير جابر الصباح إلى حلّ مجلس الأمة خلافًا للدستور وتشكيل سعد العبد الله حكومة جديدة. 

القوى السياسية المعارضة لحكومة الكاظمي ترسم خطًا لاستهداف دعائم حكومته لإحداث التخلخل فيها وإضعافها تمهيدًا للإجهاز عليها

وقد يعيدنا هذا الحراك أيضًا لحكومة حيدر العبادي التي قامت دولة القانون والأحزاب الولائية باستهداف حكومته وإحداث ضعف بالغ الوضوح فيها لإسقاط هيبتها وإضعافها، والعراق كان في حالة حرب تكاد تمحي نصف وجوده، حين قامت بإسقاط وزيرَين، هما هوشيار زيباري وزير المالية الذي قام نفس النائب هيثم الجبوري بتقديم الاستجواب تمهيدًا لإقالته، والثاني وزير الدفاع خالد العبيدي الذي استُجوِب مرتَين من قبل النائبة حنان الفتلاوي المحسوبة على نوري المالكي والنائبة عالية نصيف من كتلة دولة القانون نفسها. وبعد المعارضة التي أبداها المالكي والأحزاب الولائية على حكومة العبادي التي واجهت ضغوطًا شديدة من الكتل السياسية واشتعال الشارع بالاحتجاجات الشعبية المطالبة بإصلاحات حقيقية وجديّة، طالبت المرجعية الدينية في 7 آب/أغسطس 2015 رئيس الوزراء حيدر العبادي بأن يكون أكثر "جرأة وشجاعة" في خطواته الإصلاحية، داعية إيّاه إلى الضرب بيد من حديد لمن "يعبث" بأموال الشعب. 

اقرأ/ي أيضًا: المرجعية: بيان ذو حدين.. وطريقان أمام الحكومة

وقد دخل رجل الدين والسياسي الشيعي مقتدى الصدر في 31 أيار/مايو 2015 على خط الاحتجاجات التي أخرجها "المدنيون" داعمًا الحركة المطالبة بالإصلاح ظاهرًا، لكنّه كان قد دخل لدعم حكومة العبادي ضدّ خصومه التاريخيين المالكي والولائيين، وممهدًا لتكوين أرضية مناسبة للانتخابات القادمة، والتي انتهت بإخراج الوزراء الولائيين باقر جبر صولاغ من النقل وعادل عبد المهدي من النفط واستبدالهم بوزراء (تكنوقراط) كما اسماهم الصدر الذي أجبر البرلمان بالقبول بهم بعد اقتحام أنصاره لمجلس النواب. وعلى إثر هذا الحَراك وإرهاصات المرحلة هذه، خرج رجل الدين والسياسي الشيعي عمار الحكيم من المجلس الأعلى الإسلامي مؤسِسًا لحزب جديد يحمل اسم (تيار الحكمة الوطني) معلنًا خروجه من البوتقة الدينية السياسية إلى الفضاء الوطني تاركًا تَرِكة ثقيلة من الفشل والتخبط والاتهامات بالفساد حملها إلى المجلس الأعلى، وانفرد بقيادة حزبه الجديد منسجمًا مع محور العبادي الصدر، بعد أن خسر المجلس الأعلى وزاراته ومنصب محافظ البصرة بعد هروب المحافظ (ماجد النصراوي)  بسبب تفاقم حجم الفساد عنده.

هذا الحراك السياسي الاستهدافي أعادني إليه التحرك الذي تقوم به دولة القانون والأحزاب الولائية بالدفع بالنائب هيثم الجبوري لاستهداف وزير المالية علي عبد الأمير علاوي دون غيره، لأنهم  موقنون بأن وجود شخصية مثله داخل حكومة الكاظمي تمثل قوة سياسية وتأثيرًا واضحَ المعالِم على الحكومة، حيث يعتبر هو قائد صقور حكومة الكاظمي، ولو قلنا هو الرئيس الفعلي للحكومة لا نكون قد بالغنا بالوصف، ولا سيّما أنه شخصية لها جسور ممتدة لجميع الأطراف الأقليمية والداخلية، من حيث أنه أكاديمي واقتصادي وسياسي، وكان يشغل منصب الأستاذ الزائر بجامعة هارڤرد بالولايات المتحدة، فيما تحول فجأة من المجال الأكاديمي والعمل في دنيا الاقتصاد إلى عمق العمل السياسي، حيث تقلد مناصب وزير الدفاع والمالية والتجارة بعد الاحتلال الأمريكي.  

هو ابن اخت أحمد الچلبي وابن عم أياد علاوي، وكان الكاظمي قريبًا منهما جدًا، وله امتدادات لجميع الأطراف السياسية، حيث هو أول من رفع (إعلان الشيعة) في عام 2002 وهو أول من بادر لإعلان دولة الطوائف، وكان مؤيدًا للغزو الأمريكي، و قدم تقريرًا بخصوص العمل العسكري الأمريكي لإسقاط النظام، ولم ينفِ تقديم المعارضة معلومات كاذبة للأمريكان بخصوص أسلحة الدمار الشامل، وكان يقول إن العراق بحاجة ماسة إلى حاكم مثل فيصل الأول مؤسس الدولة الحديثة، وطالب بأن يكون نموذجًا مثل فيصل موجود بين قادتنا، كما هاجم الأحزاب الإسلامية ووصفها بـ(المرتشين وفاقدي الكفاءة) وكل هذه الأمور، ربما تجعله قادرًا على لعب دور حلقة تواصل للجميع في حكومة مصطفى الكاظمي ودعمها. 

ولذا قامت القوى السياسية المعارضة لحكومة الكاظمي برسم خط لاستهداف دعائم حكومته لإحداث التخلخل فيها، وإضعافها تمهيدًا للإجهاز عليها أو لفرض الهيمنة السياسية، حتى ينفذوا ما يمكن أن يخدمهم مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة التي تهددهم بصورة مباشرة، وخاصة بتوقيت إجراءها، وأيضًا للضغط باتجاه حسم شكل الدوائر الانتخابية لصالحهم. لقد كانت هذه الحراكات قائمة من أجل التنافس السياسي، وبسط النفوذ بدعم دولي وإقليمي مبطَّن قد بلغ وضوحه في فترة تشكيل الحكومة عام 2018 حيث انقسمت الكتل الى تحالفين هما البناء الذي ضم (الفتح ودولة القانون واتحاد القوى بزعامة محمد الحلبوسي وأيضًا خميس الخنجر وحركة عطاء وقوى أخرى) وكانت التحالف تدعمه إيران، والإصلاح والإعمار الذي ضم (سائرون والنصر والحكمة والقرار وقوى أخرى) وكان قريبًا من أمريكا أو قريبًا من خصوم إيران كما يبدو ظاهرًا. وكل هذا هو صراع إرادات إقليمية ودولية على حساب الهوية الوطنية، ولم يكترث أي من رموز العملية السياسية هذه لشهداء ثورة تشرين وتضحيات الشباب المنتفض ضدهم، ونحن نقترب من الذكرى الأولى لانتفاضة تشرين ما زلنا نراهم إلى اليوم يتعاملون بمنطق المتاجرة السياسية من أجل الحصول على أكثر المكاسب والنفوذ في ظل بداية غليان جديد في أوساط الشباب العراقي الذي يهدف إلى تطبيق ما أرادوه في ثورتهم الوطنية من حياة كريمة وقرار سيادي عراقي وطني ومحاسبة قتلة المتظاهرين.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

في أحدث ظهور للمرجع الأعلى.. الكاظمي يتلقى حزمة توجيهات من السيستاني

فرنسا والشام الجديد.. استراتيجية الخارج والداخل