22-مايو-2019

إن لم تكن المؤسسة الصحفية خاضعة لخيارات المحاصصة فهي معرضة للإفلاس دائمًا (Getty)

بعد سقوط النظام السابق في العراق عام 2003 وظهور حالة من الديمقراطية والحرية في التعبير عن الآراء، خصوصًا بعد أن كان الإعلام الحكومي الموجه هو الملجأ الوحيد للرأي العام في العراق. حيث كان يستخدم هذا الإعلام في توجيه الرؤى والأفكار لخدمة أهداف النظام، وغالبًا ما استخدم النظام ذلك الإعلام لتبرير فشل سياساته، ولذلك بدأت مرحلة جديدة بعد عام 2003 تمثلت في أصدار صحف عديدة وتوجهات ومسميات أكثر، بعضها لأحزاب وأخرى مستقلة، جعلت هناك فضاء واسع لانتشار هذه الصحف، خصوصًا وأن القارئ العراقي كان متعطشًا لهذا النوع من الصحف، بعد أن كانت الصحف في زمن النظام السابق عبارة عن نشرات أو ملصقات تجمّل سياساته.

من الطريف أن الانفجار الإعلامي بعد الغزو الأمريكي دفع أحد أصحاب محلات بيع الحلويات إلى إصدار صحيفة ضمت هيئة تحرير وصحفيين، وآخر صاحب مستشفى أهلي أسس صحيفة أيضًا!

استطاع القارئ العراقي أن يستوعب هذه الفوضى في مسميات الصحف وأنواعها وأصبحت الساحات وأرصفة بعض الشوارع تعج بعناوين كثيرة لصحف بعضها حزبية وأخرى مستقلة وأخرى تابعة لمؤسسات حكومية لنشر نشاطاتها. بل من الطريف أن أحد أصحاب محلات بيع الحلويات "العوامات" قام بإصدار صحيفة ضمت هيئة تحرير وصحفيين، وآخر صاحب مستشفى أهلي أسس صحيفة ظنًا منه أن الإعلانات والتمويل الذي سيحصل عليه سيغنيه عن أجور علاج المرضى وهموم المستشفى.

اقرأ/ي أيضًا: ما الذي ينقص الإعلام العراقي: الحياد أم الموضوعية؟

إما عن تمويل هذه الصحف، فقد اختلف عليه من تمويل داخلي أو خارجي من بعض الدول كإيران وأمريكا ودول الجوار. ولهذا اختفت الكثير من عناوين الصحف بعد عام 2010 بسبب انسحاب الاحتلال الأمريكي من العراق والذي كان يمول عددًا لا بأس به من الصحف، وبداية مرحلة التقشف الحكومي بعد انخفاض أسعار برميل النفط، ولذلك بدأت الكثير من عناوين ومسميات صحف عراقية بالذوبان والاختفاء وبدأت عجلة إصدار الصحف بالتباطؤ تدريجيًا بسبب قلة الدعم المادي لها، فضلًا عن اعتماد القارئ العراقي على المعلومة مباشرة من الفضائيات، لا سيما بعد انتشار "الستلايت" أو شبكة الإنترنت لدى العائلة العراقية، بعد أن كان محرّمًا في زمن النظام السابق، بالإضافة إلى عدم وجود صحافة تصدر مساءً لمواكبة سرعة الحدث، الأمر الذي جعل المواطن يعزف عن شراء الصحيفة التي تنشر خبرًا قد استهلك تداوله، مع إدراك القارئ أن أغلب الأخبار والمعلومات المنشورة في الصحف عن الوزارات والمؤسسات الحكومية ما هي إلا أوهام كاذبة ووعود تفتقد المصداقية وهي مجرد حبر على ورق. ولذلك أصبح هناك عزوفًا كبيرًا عن قراءة واقتناء الصحف العراقية.

وفي هذه الأثناء برزت ظاهرة خطيرة ازداد بسببها تهاوي مصداقية الكثير من الصحف تتعلق بقضية تمويل هذه الصحف، حيث كانت هناك صفقات متبادلة مع بعض هذه الصحف وبين مؤسسات حكومية تتضمن تبادل المنفعة بأن تقوم الصحيفة بنشر أخبار ونشاطات الوزارات والمؤسسات الحكومية مقابل نسبة من الإعلانات يتم تسليمها إلى الصحيفة لنشرها مقابل الاستفادة منها ماديًا. وهي صفقات زادت من الهوة بين القارئ والصحيفة، خصوصًا بعد فقدان الصحيفة المصداقية في نشر الأخبار غير الواقعية.

وقد ساهمت مرحلة التقشف التي مرت بها الحكومة في انخفاض مناسيب السيولة المادية من خلال الإعلانات والتي كانت تعتمد عليها بعض الصحف لاستمراريتها.

وبعد هذه الأزمات المتلاحقة أصبحت أعداد وعناوين الصحف الصادرة اليوم في العراق لا تتجاوز عدد أصابع اليد معتمدة في أغلب أخبارها على مواقع الإنترنت، وهي نفس المصدر الذي يعتمد عليه القارئ للحصول على المعلومة أو من مواقع التواصل الاجتماعي. وأصبحت طباعة هذه الصحف لا تتجاوز الألف نسخة في أحسن الأحوال قياسًا إلى ملايين القراء في العراق، ولا زالت الصحف الورقية في انحسار خصوصًا بعد ظهور الصحافة الإلكترونية التي بدأت تأخذ دورها بدل الصحافة الورقية، وبذلك انتهى ما يسمى "التوثيق" الذي كان يعول عليه المناصرون للصحافة الورقية.

الفضائيات العراقية

لم تكن الفضائيات العراقية بعد عام2003 بأحسن حال من الصحف حيث بدأت هذه الفضائيات بداية مشابهة لمرحلة تأسيس الصحف مع فارق أن تأسيس قناة فضائية يتطلب رأس مال أكبر وتكلفة حجز تردد على القمر الصناعي وكادر أكثر مما هو في الصحيفة، وهكذا بدأت هذه الفضائيات بالعمل، ولكن بأعداد أقل من الصحف وانقسمت إلى فضائيات أحزاب وأخرى مستقلة.

اقرأ/ي أيضًا: شبكة الإعلام العراقي.. جيش موظفين في جثّة تحنطها مليارات السلطة

إما فضائيات الأحزاب فأغلب هذه القنوات تتبع لأحزاب دينية تعمل وفق توجهات ذات طابع إسلامي تأتمر بأوامر الحزب الذي يمول القناة "شبيهة بالإعلام الحكومي"، ولذلك أصبحت أغلب برامج هذه الفضائيات ذات طابع لا يتخطى حدود الدين يكون في بعض الأحيان منفرًا للمشاهد الذي يميل للبحث عن الترفيه والمرح والموقف الضاحك بسبب صعوبة وقسوة الحياة المعيشية التي يحياها المواطن العراقي، ونتيجة لفقدان هذه الأحزاب المصداقية في إيجاد الحلول له. لذلك تدنت مستويات نسبة مشاهدة هذه الفضائيات.

إما بالنسبة للفضائيات المستقلة فقد برزت مشكلة التمويل في إدامة استمرارية هذه الفضائيات والتي أغلقت بعضها لهذه الأسباب.

وتمول الأخرى بطرق قد تكون "مشبوهة" وتكون نسبة الاعتماد على المادة الإعلانية قليلة جدًا أو معدومة بسبب الركود الاقتصادي في البلد واعتماده على المستورد وتوقف حركة القطاع الخاص والمصانع التي كان من الممكن أن تكون عاملًا مهمًا في انتشار الحركة الإعلانية والدعائية للمنتوج. وهنا يمكن أن نلاحظ بعض الأمور التي تتشابه بها كل الفضائيات العراقية إن كانت حزبية أو مستقلة. وهي أنها تقدم نفس البرامج ذات مضامين واحدة لا تختلف عن بعضها سوى بعناوين هذه البرامج، فمثلا كل الفضائيات تشترك بإنتاج برامج تتلخص بنزول المراسل إلى الشارع وتجواله بين الناس مع "شعار القناة logo" يستقبل المواطنين ويستمع إلى آرائهم ومشاكلهم في الشارع، وهي برامج تتوحد بها جميع القنوات. إضافة إلى أن المشاهد يرى في كل فضائية وجه أو وجهين إعلاميين يكونان الأبرز في الظهور في تلك الفضائيات، أو هم أصحاب المساحة الأوسع ظهورًا في ساعات البث الفضائي، وقد يكون ذلك بسبب ضغط النفقات وترشيد المصروفات من رواتب العاملين في القناة وتقليل عدد الموظفين.

تتشابه كل الفضائيات العراقية إن كانت حزبية أو مستقلة، أنها تقدم نفس البرامج ذات المضامين الواحدة والتي لا تختلف عن بعضها سوى بالعناوين! 

وهنا يجب أن لا نغفل عن ملاحظة مهمة جدًا وهي أن غالبية الصحف والفضائيات العراقية لا تتمتع بحصانة إعلامية، فدائمًا ما تكون أغلب هذه الوسائل الإعلامية مخترقة لأهداف قد تكون مشبوهة أو غير واضحة المعالم، ولذلك يلجأ المواطن إلى الفضائيات العربية أو الأجنبية أو الإنترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عن المعلومة أو الخبر، وهو في اعتقادنا أن المتلقي سيصاب بحالة من التشويش خصوصًا عندما يكون هناك تضارب في مصادر الأخبار بسبب عدم وجود مراسلين يقومون بنقل الحدث من موقع الحدث والاعتماد على وسائل أخرى في الحصول على المعلومة بسبب تدني التمويل وهو ما يسجل خللًا كبيرًا في الإعلام العراقي.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الصحف العراقية.. مقتلة الطائفيين

بين بطش الميليشيات وانتهاكات السلطة.. ماذا قدمت النقابة للصحفيين؟