13-أبريل-2022
ضياء العزاوي

(ضياء العزاوي)

في مطلع شهر آب/أغسطس من عام 2016 تم إقرار رياضة ركوب الأمواج كرياضة أولمبية لأول مرة، وتقرر أن تبدأ منافساتها في أولمبياد طوكيو 2020. هذا الحدث قوبل بفرح من قبل محبي الرياضة، وانزعاج بعض ممارسيها من السكان الأصليين في هاواي. وكان هناك حديث حول مفهوم الاستحواذ الثقافي، وهي الترجمة المتعارف عليها للمصطلح (Cultural Appropriation) حيث يعتقد السكان الأصليون لهاواي أن هذه الرياضة من اختراعهم، ولها معانٍ ترتبط بالطقوس الروحية لسكان الجزيرة، وأن الأوروبيين البيض قد سرقوها، أو أنهم "استحوذوا" عليها.

في الواقع لم يكن كل الهاوايين -نسبة لجزيرة هاواي- منزعجين، بل ربما هو شخص واحد، لا سبيل لمعرفة هذا، فنحن نعرف ما يصلنا عبر الوكالات الإخبارية، وهذا أيضًا جانب آخر للقصة. فغالبًا هناك أخبار متتابعة حول قصص انزعاج بعض الجماعات من الاستحواذ الثقافي، قصص عن فنانين يرتدون أزياء أو يجدلون شعرهم على طريقة الأمريكيين من أصل أفريقي، أو استخدام رموز تعود للسكان الأصليين للولايات المتحدة، ولغرابة الأمر بالنسبة لي، أعتقد أنه قد يكون مناسبًا أن نفهم معناه.

لا يقتصر الاستحواذ الثقافي على سكان نصف الكرة الأرضية الغربي بل ونعرفه نحن أيضًا بشكلٍ أو بآخر، فالقهوة العربية التي يعرفها العالم كلّه الآن على أنها "القهوة التركية" شكلٌ من أشكال الاستحواذ الثقافي

يعرّف الاستحواذ الثقافي بشكل عام، أنه "استخدام جماعة ثقافية ذات سطوة، لعناصر ثقافية تعود لجماعة أضعف، دون التقدير أو الاعتراف بأن هذا العنصر الثقافي يعود للجماعة الثقافية الضعيفة".  قد يبدو الموضوع سطحيًا في البداية، لكن خلفهُ تأريخٌ طويلٌ من الاستحواذ مارسه الأوروبيون ضد الشعوب الأمريكية والأفريقية، والذي يلقي بظلاله حتى اليوم على تأريخ هذه القارة والعالم المرتبط بها. لا يقتصر الاستحواذ الثقافي على سكان نصف الكرة الأرضية الغربي، بل ونعرفه نحن أيضًا بشكلٍ أو بآخر، فالقهوة العربية، التي يعرفها العالم كلّه الآن على أنها "القهوة التركية" شكلٌ من أشكال الاستحواذ الثقافي، أضف لهذا مئات المفردات الثقافية في المأكل والملبس والعِمارةِ وغيرها الكثير.

يفرّق علماء الأنثروبولوجيا بين الاستحواذ الثقافي والاستعارة الثقافية، أو الانتقال الثقافي الناتج عن الحركة الطبيعية لمفردات وعناصر الثقافة نتيجة الاختلاط أو الاتصال بين جماعة وأخرى، فالاستحواذ عادة يقترن "بتسليع" المفردات الثقافية، وتحويلها إلى عناصر لمصلحة الجماعة المُستحوِذة. هذا ليس الفرق الوحيد بالتأكيد، فيمكنني مثلًا أن أميزها عبر وجود النية في تغيير أصلها واكسابها صلةً وارتباطًا بالجماعة المستحوِذة، ومع هذا فالكثير من الأمثلة في وقتنا الحاضر لم تعد واضحة أهي استحواذٌ ثقافي؟ أم شيء آخر! أعتقد أن هناك عناصرَ ثقافية لا تصلح للاستعارة وهي المرتبطة بشكلٍ كبيرٍ في صناعة الهوية للجماعة، هذا ينطبق علينا جميعًا إلى حدٍ ما، فأنا مثلاً أشعر أحيانًا بالغرابة إذا رأيت أغانينا الفولكلورية تُغنّى بشكل مختلف ولهجة أخرى، وتوزيع موسيقي مختلف، أشعر بالإساءة، وكأن أحدهم يجب أن يستأذن قبل أن يفعل هذا! رغم أنها أغنية غير معروفة المصدر، وقد يكون صاحبها ليس عراقيًا أصلًا، لكن هذا النوع من الأسئلة غير مهمٍ، حين نتحدث عن الثقافة، فالأغاني والطعام والعادات والقصص والحكايات، أصبحت جزءًا من تراث وضمير الجماعة ولن يغير هذا البحث في أصولها. لذلك فاستخدام قصّات الشعرِ والأغاني والمفردات الدارجة، والأزياء الخاصة بالأفارقة الأمريكيين من قبل الأمريكيين البيضِ يمثل تعدٍ على هويتهم، بل يعني لهم أن الهوية التي جاهدوا لصناعتها والمرتبطة بعذاباتهم وعبوديتهم، تتعرض للانتهاك مرة أخرى من قبل البيض.

سرقة الثقافة المرتبطة بالهوية، ليس الشكل الوحيد، بل الصورة النمطية التي تنطبع على جماعة معينة، هو شكل آخر من أشكال الاستحواذ الثقافي، وبذلك صار واضحًا أن المفهوم مرتبط بالهوية وسرقتها، فسواء أنّ المستحوِذَ أخذ ثقافة مرتبطةً بالهوية، أو طبع تصورهُ على جماعة، فهو بالحالتين يغير هوية الجماعة وفق هواه ورؤياه، لا وفق رواية ورؤية صاحب القصة نفسه. لذلك يحاول الأنثروبولوجيون دائمًا الاستعانة برؤية وفهم الجماعة لثقافتها، هذا قد يورطهم بمشاكل أخرى، سنتحدث عنها لاحقًا، لكنه بالتأكيد لن يورطهم بتزييف الهوية أو تغييرها.