12-سبتمبر-2019

الاعتداء الأخير أدى إلى انشقاق في الداخل العراقي بين من ينكر الاعتداء الإسرائيلي وبين من يعترف به (فيسبوك)

بقي الكلام عن الاعتداء الأخير للسيادة العراقية غامضًا وحمال أوجه، فيما تفتح كثرة الآراء الباب لمرض الشائعات، والكذب، والتدليس والتزييف، وتخلق أبطالًا من ورق يساهمون إلى حد ما، في تضليل ما هو غامض أساسًا. من يستطيع تخيّل أن هناك دولة لا تستطيع معرفة نوع الاعتداء الذي يطالها وأسبابه؟.. تذكرنا اللجان التي تشكلها الحكومة بمسرحية "مدرسة المشاغبين" لما فيها من كوميديا ساخرة. هكذا الحال مع كل لجنة تحقيقية تُشكل لمعرفة هول المصيبة، التي ستنسى في ملفات "اللجنة" ونتائجها التي لا يعرفها أحد في العراق. 

الاعتداء هو اعتداء لا يختلف في الفهم والتفسير سواء كان إيرانيًا أو إسرائيليًا، كما أن العداء مع الكيان الصهيوني، هو عداء وطني عراقي، وليس مدفوعًا إيرانيًا

عبر وسائل إعلامية وسياسية مختلفة، تخرج "إسرائيل"، وتقول نحن من قصف العراق، لكن حكومة الأخير تطالب بالتأني، ومزيدٍ من الوقت للكشف عن هوية المعتدي، بل وتطالب الأول بالأدلة لتثبت صحة الاعتداء! هناك بديهيات لا تحتمل التأويل وجرها لوديان النقاش الوعرة، لأنها مسلّمات لا تحتاج لتوضيح أكثر من وضوحها. "إسرائيل" كيان غاصب معتدي، ويُشكّل خطرًا وجوديًا على كل المنطقة، وبُني فوق تلال جماجم الضحايا العرب من فلسطينيين وغيرهم، وهو يعترف عبر عدّة طرق أنه من قصف، ألا يستدعي هذا حراك سياسي سريع لحفظ سيادة العراق؟

اقرأ/ي أيضًا: حروب إسرائيل.. ضرب العراق لا يتعلّق بـ"الحشد" فقط!

وعلى الرغم من التعقيد الذي يخيم على المشهد السياسي بالمجمل، إلا أن ذلك لا يعني أن نصل لدرجة من الالتباس والفهم الضيق لنقول على "إسرائيل" أنها تقصف لتضرب نفوذ إيران، هذا مفهوم ساذج، ونفوذ إيران نحن من نتخلص منه وبطرق عراقية مختلفة، كما أن الاعتداء هو اعتداء لا يختلف في الفهم والتفسير سواء كان إيرانيًا أو إسرائيليًا، بالإضافة إلى أن العداء مع الكيان الصهيوني، هو عداء وطني عراقي، وليس إيرانيًا، والبلاد حين يعتدى عليها لا بد أن يكون التفكير وطنيًا بعيدًا عن الإسقاطات الشخصية. وللأسف، لا تختلف الكثير من التحليلات والمواقف عن مواقف ذلك الذي رحب بالغزو الأمريكي لإزاحة صدام حسين. كلاهما يعطي نتيجة واحدة، وهو الخراب واستباحة الأرض. هذه الخلطة المعقدة لا تُنتج سوى المزيد من التضليل ليبقى المواطن يدور في فلك السلطة "مدشن"، ومغلوب على أمره، ويبقى على الدوام مصاب بالدوار بلا دليل وبوصلة تدله الطريق.  

ينبغي أن نعالج الأسباب التي أدت لمثل هذا الإشكال السيادي أولًا، وبعدها نقرر طبيعة مستوى الإجراءات التي تتناسب وحجم الاعتداء وفقًا للظروف والأدوات التي يملكها العراق سياسيًا وعسكريًا. نحن بحاجة للعقلانية السياسية التي تحفظ كرامة العراق في المنطقة. لكن يبدو أن النظام السياسي إلى الآن غير مكترث، وطالما ظل على هذا الشكل الفوضوي في التشكيل الحكومي سيبقى الخطر المحدق حاضرًا، تتخذه إسرائيل أو غيرها دافعًا للاعتداء. وليس مفاجئًا إن شهدنا اعتداءً من كيان أو دولة، لربما حتى لم تكن مشمولة بالرسم الجغرافي المتعارف عليه في الخارطة.

العالم لا يحترم الضعيف في قراره السياسي داخليًا وخارجيًا. وغياب القرار الموحد الرسمي يجعل من العراق لقمةً سائغة للخارج، وهذا ما لا تريد أن تفهمه الكتل السياسية التي تتحكم بهذا النظام الذي شطرته وهشمته لأجزاء عبر محاصصتها، ويبدو أن انعدام الرؤية السياسية للأحزاب "الفاسدة" لبناء الدولة يشكل العامل الأساس في تشتيت الدولة ويمنع من بروزها كقوة تعبر عن العراق في المحافل الرسمية، ومع هذا التشتت لا يختلف موقع الرئيس عن موظف الخدمة في دائرة منسية، هذا ما يتجلى في شكل الحكومة ومن يديرها على وجه الخصوص من ضعف وهوان صار يضرب به المثل للسخرية والازدراء في العالم أجمع.. إنها إفرازات المحاصصة الأمريكية التي جعلت العراق بهذا الحال.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بعد اعترافه بالقصف الإسرائيلي..ما قدرة الحشد للرد؟

نعوم تشومسكي: إسرائيل رأس حربةِ قتل الديمقراطية