09-أكتوبر-2021

التغيير لا يمكن أن يتحقق من الداخل (Getty)

الناخب العراقي بعد 2003 بقي خاضعًا لفكرة "التماهي الحزبي"، أي الانتماء لحزب معين سواء عن طريق الانضمام  أو التأييد وفقًا لروابط عاطفية دينية وطائفية أنتجتها سياقات المرحلة الزمنية والسياسية، فأصبح لكل حزب جماعة تتماهى معه دون النظر إلى مواقف المرشحين إزاء قضية ما، ولا يعنيهم مدى نجاح أو فشل ذلك الحزب في تنفيذ وعوده تجاه ناخبيه بسبب الرابطة العاطفية التي وظفتها أحزاب ما بعد 2003 حيث أصبح الناخب في بحث دائم عن مبررات تساعده على الاستمرار في دعم وتأييد هذه الأحزاب، خشيةً من التهميش الطائفي والسياسي الذي من الممكن أن يتعرض له في حالة فقدان هذه السلطة وهي مخاوف جذرتها سياسة النظام السياسي السابق.

 البيئة السياسية تغيرت تغييرًا كبيرًا فظهرت طبقة شعبية جديدة لديها طموحات وطنية مختلفة ومتنافرة مع الأحزاب التقليدية

هذا التماهي الحزبي الذي أصبح سياقًا طبيعيًا ما بعد 2003 كان يحتاج إلى حدث كبير يحدث اهتزازًا في منظومة الارتباط والانتماء الحزبي. وهو ما حدث فعليًا في تشرين إذ أن البيئة السياسية المحيطة بالناخب العراقي تغيرت تغييرًا دراماتيكيًا كبيرًا فظهرت طبقة شعبية جديدة لديها طموحات وطنية مختلفة ومتنافرة مع الأحزاب التقليدية، تخلت عن فكرة الولاء والتماهي الحزبي، وهو ما أحدث تنافرًا كبيرًا وقطيعة واضحة بين منظومتين، الأولى قديمة تقليدية والثانية حديثة ناشئة.

اقرأ/ي أيضًا: بعد دعوته للمشاركة.. هل يقلّل جمهور السيستاني مقاعد "كتل السلاح"؟

 هذا التحوّل في السلوك السياسي لجزء غير قليل من المجتمع العراقي مهم جداً في تأثيره على طبيعة السلوك الانتخابي حيث حول العملية الانتخابية من عملية قائمة على أساس الولاء العاطفي للحزب إلى عملية قائمة على أساس القضايا، أي أن الولاءات الحزبية تراجعت بنسب ملحوظة باعتبارها محدد من محددات الانتخاب ليأخذ الناخب العراقي يبتعد تدريجيًا عن ارتباطه بالأحزاب، والتوجه بدلًا من ذلك إلى متابعة المرشحين الذين يتوافقون مع القضايا التي يؤمن بها ويدافع عنها.

ولكن هل هذه المنظومة والطبقة الفكرية الشعبية الجديدة قادرة على تحقيق ما تصبو إليه من خلال صناديق الاقتراع؟ والسؤال الأهم؛ هل ستغير الانتخابات القادمة من المعادلة السياسية في العراق؟ هل ستكون قادرة على إعادة بناء الهيكل السياسي بما يتناسب مع المطالب والرغبة الشعبية؟ من الصعب جدًا تغيير الواقع السياسي والاجتماعي في العراق - كما أعتقد-  فالتغيير لا يمكن أن يتحقق من الداخل (من داخل المنظومة السياسية الحالية) وأعتقد أن الجماعات الجديدة التي انبثقت من الحراك الاحتجاجي في تشرين قد أدركت ذلك مؤخرًا، وهو ما دفعها نحو خيار المقاطعة الانتخابية لأن الانتخابات ما هي إلا ممارسة عملية للديمقراطية، فإذا كان من يدعي تمثيل هذه الديمقراطية لا يؤمن بها ويسيطر على كل مفاصل الدولة والمجتمع من خلال المال السياسي والسلاح، كيف يمكن خوض الانتخابات والدخول في منافسة انتخابية من دون وجود اشتراطات لديمقراطية حقيقية يمكن تساهم في تغيير المعادلة السياسية من خلال الانتخابات؟

هناك إحباط من قدرة العملية الانتخابية على إحداث التغيير، وهو إحباط منطقي ومبرر في ظل السلاح المسلط على رأس العملية الانتخابية إذا كانت مخرجاتها متوافقة مع رؤية السلاح، إضافة إلى عدم وجود تكافؤ في الفرص بين المرشحين التابعين للأحزاب القديمة التي سيطرت على الدولة ومقدراتها وبين شباب لا يملكون سوى الطموح بالتغيير.

عملية التغيير في العراق عملية معقدة ومسيرة طويلة لن تتحقق عبر الانتخاب ولا عبر المقاطعة، لكن المقاطعة هي السبيل الوحيد للتبرؤ من هذا النظام السياسي، وأعتقد أن الانتخابات القادمة بكل ما تحمله من تغييرات طفيفة لن تمس بنية الأحزاب ولكنها ستكون بمثابة الأنفاس الأخيرة لاحتضار الطبقة السياسية التي ستنتج فشلًا جديدًا لن تملك إزاءه أي تبرير جديد، في ذلك الوقت سيعيد المجتمع الدولي وجهة نظره بالديمقراطية المشوهة في العراق، وستدرك الفواعل الداخلية الخطأ الفادح الذي وقعت فيه بإصرارها على تأييد جماعات لن تكون قادرة سوى على إنتاج فشل جديد سيضاف إلى قائمة الفشل في عراق ما بعد 2003. 

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

السيستاني يحذر من انتخاب "غير المؤمنين" بمصالح العراق العليا

خروقات بالجملة في الاقتراع الخاص.. أول تعليق من مفوضية الانتخابات