07-أبريل-2021

لا إصلاح في عملية يرعاها السلاح (فيسبوك)

في معظم المجتمعات التي تتكون من أعراق وإثنيات وطوائف متعددة، تذهب لوضع اتفاق على شكل الدولة قبل السير في أي نظام حكم يُحكم من خلاله المجتمع. تأتي لحظة الاتفاق، أما بعد حرب أهلية، أو ثورة، أو بعد سقوط، أو إسقاط نظام وقيام آخر، أو في اللحظة التي تؤسس فيها الدول، كما حصل في الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوربي. هكذا يخبرنا التاريخ. يتضمن الإتفاق مثلًا شكل النظام السياسي، أو المبادئ التي يقوم عليها النظام، كالحرية والمساواة وباقي القيم الليبرالية، شكل الاقتصاد أيضًا، كيفية إدارة العلاقة مع دول الإقليم أو دول العالم، ومدى حجم هذه العلاقات وعلى أي أساس هي قائمة. كذلك احتكار العنف من قبل جهاز الدولة.. والخ، هذه أمثلة من بنود الاتفاق والمساحة مفتوحة لإضافة الأمور التي تجعل للدولة هوية راسخة لا تهتز.

يُفترض للتغيير أن يكون بحجم شرط الدم في انتفاضة تشرين، بحجم التضحيات والوقت الذي تم إعطاؤه

تعتبر هذه الأمور في المفاهيم السياسية هي أمور لا يمكن مناقشتها أثناء السير بعملية إدارة الدولة، أمور فوق دستورية. وعادةً ما تكون هذه الاتفاقات هي اتفاقات رسمية وموثّقة، وتحتوي على جهات ضامنة لهذا الحوار، ولا يمكن خرقها بأي شكل من الأشكال. لذلك تبقى هوية الدولة واضحة وقوية إذا تسنّمت الجهة الفلانية الحكم أو الجهة المناقضة لها بالفكر والسياسة. لأن كِلاهما يعرف أن الآخر لا يمكن له خرق هذه الاتفاقات. وهذا يُعتبر من الأشكال الحقيقية للدولة الحديثة.

اقرأ/ي أيضًا: وسائل الاحتجاج ضد النظام.. أضعف الإيمان أحوجه

بعد احتلال العراق عام 2003، وتغيير النظام من عسكري شمولي إلى نظام ديمقراطي، تحكم فيه قوميات وأعراق وطوائف وإثنيات مختلفة، لم يُتبع هذا النسق من قبل النخب الحاكمة. بل عبروا هذه اللحظة المصيرية في تقرير مصير الشعوب، عبروها إلى اللحظة المحاصصاتية. هذه اللحظة التي مأسسها الدستور وقننها، الدستور الذي شتت الهوية العراقية بفقراته المتضمنة فيه، والتي وضع مجملها أستاذ القانون في جامعة هارفارد الصهيوني الأرثذوكسي نوح فليدمان. بالإضافة إلى الانتخابات الشكلية التي استمدت المحاصصة شرعيتها منها بعد الاحتلال، والتي كانت تُدار بإشراف الأمريكان.

ما نحن فيه الآن بصراحة، لا يخص تسيّد جهة دون أخرى في البرلمان، ولا يخص رئيس الوزراء المنتمي لكذا جهة والممتلك لكذا توجهات، المسألة أعمق من هذا بكثير، ومن يرى بأن لحظة صندوق الاقتراع هي الخلل أو هي مُنطلق النجاح، فهو بعيد عن تحديد المشكلة باعتقادي. هنالك عطب بنيوي داخل جسد النظام نفسه، لذلك أن الانتخابات ليست بالضرورة حلًا لمأزق نمط المديمقراطية التوافقية، بل في بعض الأحيان قد تكون أداة رئيسية في تعميق الشروخ الإثنية والطائفية بين الناس من جهة وبين النخب الحاكمة والناس من جهة أخرى، ما لم يتم الإجماع على هوية الدولة. حتى الإصلاحات التي من الممكن أن تُطلق من قبل النخب بنسبة كبيرة قد تكون إصلاحات ترقيعية لا جذرية بوجود عملية ديمقراطية يرعاها السلاح!

من الظلم لتشرين أن تقع بما وقع به المصريون بعد ثورة 25 يناير 2011. لم يفتحوا طاولة حوار حقيقية بين النخب الشعبية المتكونة من النقابات والاتحادات والأحزاب الناشئة والفاعلين السياسيين والنخب الحاكمة. عبروا لمرحلة الانتخابات مباشرةً دون الاتفاق على شكل هوية الدولة. وأتت النتيجة سريعًا بعد سنتين لا أكثر، استبداد وتجويع واقتصاد آيل للسقوط وديون.. الخ، ولم تنجح الثورة بقدر نجاح الثورة المضادة للنظام على الثورة الشبابية.

يُفترض للتغيير أن يكون بحجم شرط الدم في تشرين، بحجم التضحيات والوقت الذي تم إعطاؤه، بمثل تشرين يتم تأسيس عقد سياسي جديد يرسم معالم مختلفة تمامًا للمرحلة السياسية. وهذا العقد السياسي المتأتي من الحوار مع النخب الحاكمة له شروطه وأرضيته الواقعية لا الحالمة.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الرغبة بالتغيير.. بين الحلم والحقيقة

"أزمة الثقة": لعبة التوريط في نظام متصارع