07-أبريل-2020

تمثل المشاريع التنموية الاستراتيجية ألد أعداء الأحزاب الإسلامية (Getty)

ضربت ساحات الاحتجاج أروع صور التكافل الاجتماعي منذ انطلاق تظاهرات تشرين حتى اليوم، حيث نعيش أزمة تفشي فيروس كورونا، الذي دفعهم إلى القيام بحملات تعفير للمدن، والدعوة إلى الانسحاب المؤقت من ساحات الاحتجاج ومساعدة العوائل المتعففة، في وقت كانت جهات أخرى تصر على إقامة الطقوس الدينية وصلوات الجمعة.

يتميز تكافل المحتجين ومبادراتهم إنها تنبع من ضمير إنساني دون أن يشوبها مَنٌّ أو أذى

يتميز تكافل المحتجين ومبادراتهم إنها تنبع من ضمير إنساني دون أن يشوبها مَنٌّ أو أذى، فعلى الرغم من الاختلالات التي أصابت نظم العيش في العراق، وعلى الرغم من انهيار المنظومة المعيارية والقيمية التي تتحكم في السلوك، بمساهمة كبيرة لأحزاب ما بعد 2003 عبر التعصب الطائفي والفئوي وإشاعة الفساد الأخلاقي والإداري، إلا إن المواطن العراقي بقي محافظًا على سمة الكرم ومساعدة الغرباء والعوائل المتعففة، التي تهددها مثل هذه الأزمات لاسيما في مثل هذه الظروف.

كما أن أصحاب تلك المبادرات يحرصون على إبقائها طي الكتمان قدر الإمكان، مدفوعين من الإنسانية المحضة فلم تحركهم سبابة زعيم ولا تغريدة قائد ولا فتوى مرجع ديني، ولم يضغط أحد على أزرار ضمائرهم، ويحركهم كأنهم كائنات آلية، فضلاً عن أن الماكينات الإعلامية لم تروج لهم، كما اعتادت أن تفعل مع الجهات السياسية والدنية في كل زيارة للعوائل الفقيرة قبيل موعد الانتخابات على سبيل المثال.

اقرأ/ي أيضًا: المؤامرة والعار في زمن كورونا.. نظريات أم فيروسات؟

تقول العرب "مصائب قوم عند قوم فوائد"، وهو مبدأ طالما ترجمته تحركات السياسيين أو بعض الجهات الدينية، فجائحة "كوفيد – 19" ربما تكون خير منقذ لهم من المآزق الذي وجدوا أنفسهم فيه بعد أشهر من الاحتجاجات، خاصة وأن الجميع يدعو إلى انتخابات مبكرة، فقد سارعوا في محاولة لغسل سمعتهم المتسخة، مستغلين حاجة الفقراء هذه المرة.

ومن أبرز الجهات التي حاولت تصدير نفسها كمعين للفقراء الذين تأثروا جدًا بالأزمة، هم تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، والحشد الشعبي.

فالثلاثي الذي يواجه اتهامات تتعلق بقمع الاحتجاجات وأحداث العنف التي رافقتها، رأى في الجائحة فرصة مناسبة للعودة إلى الواجهة من جديد، مراهنًا على الذاكرة السمكية للبعض، والذين يغفرون لجلادهم فور إخفاء أنيابه وراء ابتسامة صفراء.

حاولت تلك الجهات وغيرها، مصادرة جهود شبان تشرين في مساعدة الفقراء، عبر تسخير جهودها الإعلامية وجيوشها الإلكترونية، حتى لو كان ذلك على حساب كرامة المحتاجين.

كما حرصت تلك الجهات على استهداف بعض شعارات الاحتجاجات عبر تلك الحملات، والغريب في الأمر أن هذه الأحزاب والتيارات هي من تتربع على عرش السلطة في العراق ووتحكم بمقدراته، وخصوصًا في مناطق الوسط والجنوب، حيث تركت مواطنيه فريسة للفقر والعوز.

حاولت الأحزاب والتيارات الإسلامية مصادرة جهود شبان تشرين في مساعدة الفقراء عبر تسخير جهودها الإعلامية وجيوشها الإلكترونية

تشير إحصائيات وزارة التخطيط، إلى أن محافظة المثنى ترزح في صدارة المحافظات الأكثر فقرًا بنسبة 52%، تليها الديوانية بنسبة 42%، ولا يختلف الحال في بقية المدن، إذ أهدرت ثرواتها وموازناتها على مشاريع وهمية ودعايات انتخابية وبعض "السبيس" هنا وهناك، مقابل وعود التعيين لجيوش العاطلين، الذي يضطر كثير منهم إلى الانتماء لتلك الأحزاب أو فصائلها المسلحة.

تمثل المشاريع التنموية الاستراتيجية ألد أعداء تلك الأحزاب والتيارات، فالفقراء ورقتهم الرابحة التي ترجح كفتهم في كل مرة، فتراهم يطوفون حول أزقة الأحياء الفقيرة قبيل الانتخابات وعند حلول الأزمات، يلقون فتات الأموال وفضلات الطعام، ليتسلطوا على رقابهم مجددًا وإلى الأبد.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

كورونا.. الديمقراطية بين قوسين

لن نعود إلى ما كنّا عليه قبل كورونا.. "التباعد الاجتماعي" جاء ليبقى