15-سبتمبر-2021

من المنطقي التخمين بأن هناك جولات قادمة من الحراك الاحتجاجي (فيسبوك)

يحدث أن نكتب أو يتحدث أحدٌ من الداعمين للتظاهرات أو المشاركين فيها عبر اللقاءات التلفزيونية أو في مواقع التواصل الاجتماعي بحماسٍ عن عودة في مستقبل قريب لشيء يشبه انتفاضة تشرين 2019 وأنها بالضرورة ستكون أعلى وأقوى وأكثر تأثيرًا، وربما تزيح النظام القائم بشكل نهائي، أو هكذا يكون الأمل وهو يسطع أمام من يتخيّله. وأيضًا لأن القراءة في مسار الحراك الاحتجاجي منذ 2011 على الأقل الى تشرين الأول 2019 تمنحنا مسارًا تصاعديًا، فلا بأس بافتراض أن هذا التصاعد سيرتفع إلى نقطة منبثقة من تشرين ونتيجة لها ولكنها ستكون أعلى من تشرين.

الرصاص الذي وزّع موتًا واحدًا على المعارضين جعلهم هوية واحدة، وأيقظ الشعور عند الكثير من الشباب بأنهم متحدون في مسار واحد

في الحقيقة أن الأمل أو استقراء مسار الحراك الاحتجاجي لا يكفي للتنبؤ بـ"تشرين 2"، لأننا نحتاج إلى رؤية الطرف الآخر من المعادلة؛ النظام السياسي القائم. وما هي مواقعه القادمة بإزاء المجتمع والفعاليات السياسية المجتمعية.

                                                    قناتنا على تلغرام.. تغطيات مُحايدة بأقلام حرّة

النظام السياسي هو أحد آباء تشرين 2019، فلو أن هذا النظام الداعم لحكومة عبد المهدي وإجراءاتها القمعية لم يتخذ مسار المواجهة الدموية مع المحتجين، وامتص زخم الغضب الجماهيري كما حصل على سبيل المثال في آيار 2016 في أيام حكومة العبادي، حين اقتحم المحتجون المنطقة الخضراء، لربما ما تحوّلت تشرين إلى الصورة التي نعرفها عنها اليوم.

لو أن النظام السياسي وكياناته الحزبية المسلّحة الأساسية لم تشيطن جميع المحتجين والناقدين لها من مدونين وصحفيين وكتّاب وفنانين، وجعلتهم جبهة واحدة، لما تبلور "وعي تشرين"، ولما شعر الأفراد المتنوّعون القادمون من خلفيات شتّى أنهم شعبٌ واحد في ساحة الاحتجاج، شعب تشرين الذي غدا صورة عن عراق متخيّل متمنّى ومحلوم به.

لو لم يقتل النظام السياسي هؤلاء الأفراد المتنوّعين بتهمة الانتماء لتشرين لما تحوّل الدم المسفوح إلى روح لكيان هائل اسمه تشرين.

إن الرصاص الذي وزّع موتًا واحدًا على المعارضين جعلهم هوية واحدة، وأيقظ الشعور عند الكثير من الشباب بأنهم متحدون في مسار واحد؛ هو في الواقع كل المسارات التي لا تؤدي إلى الاصطفاف مع القتلة أو الإبقاء عليهم ودعمهم والترويج لهم.

إن المطالب المشروعة والقضية الحقّة التي كان يرفعها المحتجون بأصواتهم، والتي توارثوها من محطّات الاحتجاج في السنوات السابقة هي العامل الأساسي في ولادة حراك تشرين، لكن تشرين التي نعرفها والتي غدت شيئًا لا يشبه أي محطة سابقة من محطات الاحتجاج هو من صنع السلطة الحاكمة.

لقد سرّع القمع والإرهاب والإعدام الميداني والخطف والتصفيات بالكواتم من الوصول إلى الحقيقة التي كان يغفل عنها الكثيرون، بأن هذا هو الوجه الحقيقي للنظام، وهو نظام لم يعد راغبًا بمجاملة الوعي العام أو محاولة خطب ودّه، فهو يرى نفسه يستحق الحكم والسلطة والثروة شاء الشعب أم أبى، باسم التمثيل الرمزي، غير الديمقراطي بالضرورة، لمصالح الطائفة وحارسًا لهويتها. وبدل المجاملة والمغازلة، فإن الوسيلة الأنجع هي الإرهاب والتخويف للخصوم والاتباع أيضًا، فالأتباع يحتاجون إلى الترهيب والتخويف من خطر داهم عليهم وعلى مصالحهم يمثّله هؤلاء الشباب العزّل الذين يرفعون أعلامًا عراقية.

وبما أن الطائفة ليست منظومة ديمقراطية، فهي تركيب تراتبي يركّز السلطة في يد ثلّة من القادة بإزاء جمهور من الأتباع المنصاعين، فإن التابع لا يملك حقّ الاعتراض أو المشاركة في رمزية السلطة، ولا حقّ له بالمشاركة في النقاش حو معنى الطائفة وما يجب أن تكون عليه. إنه حقّ حصري لثلة من ذوي الدماء الزرقاء، وهؤلاء لديهم إيمان عميق غير قابل للنقاش بالحق في القمع والقتل حتى، حمايةً لمصالح الطائفة كما يتصوّرونها.

لا أحد يملك يقينًا في هذا اليوم بأن هذا الواقع سيتغير قريبًا ومن المنطقي التخمين بأن هناك جولات قادمة من الحراك الاحتجاجي

إن الواقع المزري الذي احتجّ عليه متظاهرو تشرين ما زال على حاله، ولربما صار أسوأ بمراحل، ولا أحد يملك يقينًا في هذا اليوم بأن هذا الواقع سيتغير قريبًا، ومن المنطقي التخمين بأن هناك جولات قادمة من الحراك الاحتجاجي، قد يأخذ شكل تشرين 2019 أو يتخذ مسارات أخرى، ولكن هذا مرهون أيضًا بمدى تعلّم النظام السياسي لدرس تشرين، وهل يحاول إصلاح الأخطاء وانجاز تسوية ما مع "مجتمع تشرين"، أم الاستمرار في وهم القوة المؤسس على قراءة غير واقعية للمجتمع ومكوناته والمتغيّرات على الأرض، وأيضًا الشعور بالتعالي والاحتقار للمجتمع والاستهانة بامكاناته على صنع حدث مزلزل يفاجئ الجميع، كما كان الحال مع تشرين 2019.

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تشرين.. تنظيمات فتيّة وجمهور مثالي

25 تشرين.. فاصل تاريخي بطله التحدي