16-فبراير-2021

مقتدى الصدر (فيسبوك)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

نجح زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بأن يغدو كونه زعيمًا دينيًا أو شعبيًا فحسب، ليرتقي إلى ما يمكن وصفه بـ"الظاهرة" في عراق ما بعد 2003، فيما يمكن لمس هذه النتيجة واضحةً في نشاطاته ومواقفه وانعكاساتها على الشارع العراقي بمختلف أصعدته الشعبية والسياسية والدينية.

توأم الفصائل في الفعل.. و"المستثنى" من مصيرهم

يشترك الصدر مع جهات وشخصيات أخرى بامتلاك أجنحة مسلحة، متمثلة بالفصائل المسلحة الأخرى، والتي تتحول عادةً إلى ممارسة نشاطات شعبية واجتماعية إلى جانب دورها العسكري، فيما يطغى "العنف" على بعض هذه النشاطات متمثلة بالاحتجاج، والتجمعات المهاجمة على المؤسسات، أو الأشخاص أو الجهات، في حال بدر منها ما لا يُعجب زعيمها أو يخالف متبنيات هذه الجماعات، بحسب مواقف كثيرة.

 لم يتبع مقتدى الصدر سلوك الفصائل في الاكتفاء بـ"التهديد  والوعيد" ومهاجمة الجهات والأطراف التي تزعجه، بل تميّز عنهم بإضفاء مسحة من التسامح ملتصقة مع التهديد

وعلى الرغم من التشابه بين الصدر وتيّاره من جهة، وباقي الفصائل الأخرى في هذه التفصيلة، إلا أن الصدر، وبحسب مراقبين تميّز بسلوكيات أبعدته عن وضعه مع غيره من الفصائل "بسلّة واحدة"، حتى أنها جعلت الأطراف المدنية والشعبية الرافضة للمظاهر المسلحة وتقنين حرية التعبير تتقبل الصدر، وربما تراهن في بعض الأحيان على كونه الحل الأنسب والبديل الأقرب مقارنة بالجهات السياسية والمسلحة الأخرى، بالرغم من كونه زعيمًا دينيًا يمتلك جهة مسلحة تورط أفرادها بجرائم في أيام الاقتتال الطائفي في العراق، فضلًا عن الفساد الحكومي لبعض أفراد الجهة السياسية التابعة له تحت مسميات مختلفة في العملية السياسية المستمرة منذ 2003.

يقول المختص في الاجتماع السياسي محمد هاشم لـ"ألترا عراق"، إن "الصدر، وخاصة في الفترة التي أعقبت تظاهرات تشرين لا يختلف عن الفصائل كثيرًا من ناحية العمل فوق الدولة وقمع المتظاهرين على يد أنصاره، مستدركًا "لكنه يستثنى عنهم بفعل مواقفه السابقة التي تظهر تسامحًا بالغالب، كما أنه يقف في منطقة وسط، يصعد أحيانًا ويليّن في أحيان أخرى في محاولة للحفاظ على صورته القديمة". 

ويضيف هاشم أن "أفعال الفصائل دائمًا ما تكون عنيفة وتُغلق ويتمّ السكوت عنها ولم تصدر أي مواقف بخصوصها سواء من قبل الفصائل أو من غيرها، لكن الصدر يثير الغضب ويؤجج أزمة ما، ثمّ يظهر لاحقًا بمظهر المتفضل الذي يسامح للتهدئة بخصوص الأزمة التي أثارها هو، وهو ما يحصل مع المتظاهرين في فترة ما بعد مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس". 

ثنائية التميّز

ومن هذه السمات التي تميّز بها مقتدى الصدر عن باقي الفصائل، وجعلته في أحيانٍ كثيرة "مستثنى" من النقمة الشعبية، هو الظهور بمظهر المتسامح مع الخصوم، أو الجهات التي تخالفه التوجه، وذلك عبر تضمين بعض إشارات "المروءة"، الأمر الذي جعله يحافظ على "توازن" يمنع جميع الأطراف من اعتباره ندًا مباشرًا، وعلى سبيل المثال، لم يتبع الصدر سلوك الفصائل في الاكتفاء بـ"التهديد  والوعيد" ومهاجمة الجهات والأطراف التي تزعجه، بل تميّز عنهم بإضفاء مسحة من التسامح ملتصقة مع التهديد.

المنبر الذهبي جريمة.. لكن لا تتعدوا على الحسينية

وفي مطلع العام الحالي، اقتحم الصدر قضية أثارت الجدل في البلاد متمثلة بافتتاح حسينية جديدة بالعاصمة بغداد، احتوت على منبر مرصع بالذهب، وبالرغم من كون القائمين على الحسينية لا ينتمون للتيار الصدري، إلا أن ذلك لم يمنع الصدر من التوجيه بإغلاقها "كعقوبة" حتى شهر رمضان، والتصرّف بالمنبر الذهبي.

اقرأ/ي أيضًا: حسينية "المنبر الذهبي" مغلقة "بالغصب" حتى ظهور المهدي

وفي تغريدة هاجمت أصحاب الحسينية ووصفت فعلهم بـ"الجريمة" وإطلاق يد أنصاره لتطبيق حكمه، ذيّل الصدر تغريدته بالتوجيه بـ"عدم التعدي على الحسينية والحفاظ على ممتلكاتها"، بالرغم من أن الأمر شرعيًا لا يحتاج إلى تنبيه مسبق، إلا أن الملحوظة تعكس بشكل واضح ـ وفقًا لعديدين ـ سلوك الصدر في "ثنائية التهجم واللطف"، ثم قرّر الصدر لاحقًا "العفو" عن صاحب الحسينية والسماح بإعادة افتتاحها مع أهداء منبر خشب إلى الحسينية بدلًا من المنبر الذهبي الذي تراجع عن قرار إتلافه، والموافقة على ترك المنبر "كتحفة فنية".

بعثية ودواعش.. احموا اتحاد الأدباء

في اوائل شباط/فبراير 2021، هاجم الصدر وعبر صفحة الناطق باسمه صالح العراقي، مجموعة من المتظاهرين الذين أحيوا ذكرى أحداث "ساحة الصدرين" في مقر اتحاد الأدباء بمحافظة النجف، عقب ترديدهم شعارات مناهضة للصدر، حيث وصفهم بـ"الدواعش والبعثية"، فضلًا عن التهديد بجعلهم "عبرة لمن يعتبر"، فيما جاء هذا الغضب متلاصقًا مع توصيات بحماية وعدم التعرّض لمقر اتحاد الأدباء، وبينما أطلق العراقي تهم "البعثية والدواعش" في وصف الهاتفين ضد الصدر، اعتبر في نفس التغريدة أن "إطلاق التهم جزافًا جريمة يعاقب عليها القانون والشرع".

الحادثة التي وقعت على نطاق ضيّق في محافظة النجف، بثها وزير الصدر إلى العراق أجمع عبر تغريدته، الأمر الذي أجج الغضب بين أنصاره، كما غيرها من الحوادث المشابهة، في الوقت الذي كان الصدر قد أكد موقفه في تغريدة سابقة من أنه "يسامح من يسيء بحقه حصرًا".

الصدر بين التسامح وتأجيج الأزمات

يعرف التسامح في اللغة والتاريخ الإسلامي بـ"أنه العفو عند الاقتدار"، ولدى الصدر القدرة على الاقتصاص بفعل ما يمتلكه من جناح مسلح وقاعدة شعبية تأتمر بأمرته كما هو معروف عنه، فيما يقول الكاتب كمال اليازجي في كتاب النوازع الخلقية إن "أدباء العرب اشترطوا في المتسامح ألا يفسد فضله باللوم والتأنيب، فلكي يكون الصفح تامًا موفورًا، يجب أن يكون بريئًا من كل كدر أو شائبة، وربما اعتبروا التوبيخ ضربًا من ضروب الاقتصاص والتشفي". وتخالف هذه القاعدة الشرطية للتسامح، ما يطغى على مواقف الصدر، ومن هنا، يُطرحُ تساؤلًا عن سبب ميل الصدر إلى المهاجمة أو "تأجيج الأزمات" في الوقت الذي من المفترض على المتسامح أن يتغاضى عنها لو كان متسامحًا تجاهها بالفعل، إلا أن الصدر يتجه نحو إشاعة مدى غضبه تجاه قضية معينة، ثم يعود ليذيّل الغضب بـ"اللين".

وعلى أساس ما تقدّم، اعتبر أستاذ علم النفس السياسي، وميض جابر  في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "الأصل في مواقف الصدر، هو الغضب والتهجم، أما اللين والتسامح هو الأمر الدخيل الذي يستخدمه الصدر وينجح من خلاله بإضفاء الصفة الحسنة على مواقفه الشديدة لتخفيفها، وتبعده من وضعه في سلة واحدة مع باقي الفصائل رغم تشابه النشاطات".

وأضاف "في المقابل لا ينجح هذا الأمر عادةً بمنع الأذى عن الجهة التي غضب منها الصدر، حيث يتبرع أنصاره بمهاجمتها، نصرة لزعيمهم ودون توجيه مباشر منه، خصوصًا وأنهم سيكونون مدفوعين أكثر بالشعور بـ"مظلومية الصدر" لتنازله عن حقه أو التغاضي عن ما يؤلمه، فيتطوعون لاسترجاع حقه بالسبل المختلفة نصرة لهد ودون تدخله، الأمر الذي يجعله بمنأى عن المسؤولية المباشرة تجاه النتائج".

صفة عراقية!

من جانبه، يستبعد المحلل السياسي هيثم الهيتي أن تكون ثنائية الصدر، لها بعد سياسي، ليضعها وفق تفسيرات أنثروبولجية، كصفة عراقية بامتياز.

ويقول الهيتي، في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "الثنائيات التي نلاحظها في خطابات السيد الصدر والتي نجد فيها ثنائية الغضب والتسامح، بالرغم من أنهما صفتان متناقضتان، لكن إذا أردنا أن نبحث في شخصية الإنسان العراقي أنثروبولوجيًا أي في علم الإنسان نجد هاتين السمتين، سمة كل عراقي حقيقي".

ويضيف أنه "لو لاحظنا تاريخ العراق السياسي في عصر الجمهوريات ما بعد الملكية من عبدالكريم قاسم إلى صدام حسين، فأحدهما يتسم بصفة التسامح الشديد والآخر بالغضب الشديد، لدرجة أنه يجيش الجيوش ويحارب فقط لكلمة واحدة".

يقول هيثم الهيتي إن ثنائية الغضب والتسامح التي نلاحظها في خطابات الصدر، بالرغم من أنهما صفتان متناقضتان، لكنهما سمة كل إنسان عراقي

ويعتبر الهيتي أن "هذه هي صفات الإنسان العراقي بشكل واضح، ورغم الحديث عن السياسيين وولائهم وانتمائهم لدول الجوار، يبقى الصدر يمتلك سمة من سمات العراقيين سواء أحببناها أو تزعجنا فهي صفة عراقية".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

صراع رئاسة الوزراء: انتزاع الاعتراف بالخوف..بالقوة

قوى السلاح تطالب بـ"هيبة الدولة" في العراق!

دلالات: