05-نوفمبر-2021

"استهلاك سياسي" (فيسبوك)

لا تتوقف التحركات من قبل الفائزين والخاسرين، وهم يسابقون الزمن لتشكيل تحالف يمكّنهم من الإعلان عن الكتلة الأكبر، للظفر بتشكيل الحكومة القادمة وتسمية رئيس الوزراء، وعلى ما يبدو؛ أن أزمة الاعتراض على نتائج الانتخابات تمثل ورقة الخاسرين لتمديد الوقت الأكثر بغية عودة شكل حكومة 2018، أو يسمى بمعادلة "سائرون ـ فتح". 

يرى مراقبون أن الحديث عن حكومة الأغلبية أو المعارضة مجرد استهلاك سياسي من قبل الصدر أو المالكي لأن الطرفين لن يستطيعا تحقيق ذلك

وبدأت التفاهمات منذ لحظة إعلان النتائج الأولية من قبل مفوضية الانتخابات، لكن الأحزاب الخاسرة توظف عامل الوقت لصالحها بالرفض واتهام المفوضية بالتزوير، فضلًا عن  التهديد المبطن بعد كل اجتماع لقوى "الإطار التنسيقي"، والدعوة للاعتصامات في الشوارع، بالإضافة إلى التمسك بمطلب العد والفرز اليدوي الشامل لترتيب تشتتها قبيل المواجهة الأخيرة الجدية لتسمية رئيس الوزراء، لكن المفوضية تصر على أن "موضوع العد والفرز الشامل غير قانوني لأنه لم يرد بقانون الانتخابات الذي تعمل المفوضية بموجبه".

اقرأ/ي أيضًا: نصف أصوات مقاعد الفتح من الشمال.. هل لدى "قوى السلاح" جمهور حقيقي؟

ويأتي ذلك في ظل تنافر واضح للأقطاب الشيعية التقليدية الرئيسة، ما بين الكتلة الصدرية الفائزة بـ73 مقعدًا، وما يسمى بـ"الإطار التنسيقي" الذي يجمع القوى السياسية الخاسرة ومن ضمنها تحالف الفتح الجناح السياسي للفصائل المسلحة الموالية لإيران الذي حصد 16 مقعدًا حتى اللحظة، وهو ما وصفه مراقبون بـ"الخسارة المدوية" التي لم تكن متوقعة بالنسبة لأقطاب التحالف نفسه، بينما كانت واضحة للمتابعين، بسبب الدور الذي لعبه "تحالف الفتح" منذ انطلاق الاحتجاجات العراقية في تشرين الأول/أكتوبر 2019 وإلى اللحظة. 

الصدر، وفي مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، دعا إلى تشكيل حكومة "أغلبية وطنية"، لـ"تحقيق الإصلاح" في البلاد، وفي تغريدة له عبر "تويتر"، قال الصدر: "أرى أن أول ما ينبغي فعله مستقبلاً للوطن هو حكومة أغلبية وطنية".

وشدد الصدر على ضرورة أن يكون في البرلمان "جهتان أولى موالاة وهي التي تشكل الحكومة وتأخذ على عاتقها الإصلاحات بمستوياتها كافة".

وأما الجهة الثانية وفقًا للصدر فهي "معارضة، ويكون توافقهم استشارة ملزمة للأولى من دون تهميش، على أن يكون ذلك ضمن أسس الديمقراطية".

ومنذ عام 2005 شهد العراق تشكيل 7 حكومات، اعتمد فيها "نظام المحاصصة" بين المكوّنات الرئيسة الثلاث (السُنة والشيعة والكرد)، لكن مراقبين رأوا أن الصدر وعند كل الانتخابات يبدأ خطابه تصعيديًا، وينتهي الأمر بـ"توافق سياسي" كما هو المعتاد، بينما المختلف حاليًا هو المقاعد الأعلى التي حاز عليها الصدر، وهو ما يمكن أن يجعله يتحرك في مساحة أوسع لاستقطاب الكتل السنية والكردية نحوه أو يحصل على مكتسبات أعلى، وبالتالي يُعاد تشكيل "حكومة التوافق". 

وأثناء كتابة هذا التقرير، التقى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بزعيم تحالف تقدم محمد الحلبوسي في العاصمة بغداد، وذكر مكتب الأخير في بيان، أن "رئيس تحالف تقدم محمد الحلبوسي، استقبل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في بغداد".  

"استهلاك سياسي"

والحديث عن حكومة الأغلبية أو المعارضة "مجرد استهلاك سياسي من قبل الصدر أو المالكي لأن الطرفين لن يستطيعا تحقيق ذلك"، بحسب عضو مجلس الخبراء العراقي ضياء المحسن. 

والسبب في عدم تحقيق الأغلبية أو المعارضة كما يرى المحسن في حديثه لـ"ألترا عراق"، يعود إلى أن "الطرف السني والكردي لا يتعامل وفقًا لهذا الطريقة وينتظرون إجماعًا شيعيًا على شخصية رئيس الوزراء لضمان مكاسبهم". 

ويعتقد المحسن أن "الجميع مقتنع بتشكيل حكومة توافقية حتى ولو كانت لا تلبي الطموحات ومتطلبات المرحلة القادمة، مستدركًا "لكن المهم أن يشترك الجميع بها بحسب الاستحقاقات الانتخابية".

"احتواء التناقضات للحفاظ على الاستحقاق الانتخابي"

وعلى الرغم مما عرف عن التيار الصدري بـ"المواقف غير الثابتة" في أداءه السياسي خلال الأعوام الماضية، وقد تنسحب هذه الرؤية على مواقف التيار بعد الانتخابات،  لكن أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جيهان، مهند الجنابي يعتقد أن التيار الصدري يعمل بطريقة مغايرة للسابق، إذ "يسعى إلى احتواء التناقضات التي افرزتها نتائج الانتخابات والتكيّف مع الضغط الأقصى الذي تمارسه القوى الخاسرة انطلاقًا من مسؤولية الاستحقاق الانتخابي بوصفه الفائز الأكبر". 

وينتظر الصدريون إقرار الجميع بنتائج الانتخابات واعترافهم بها ورضوخهم لها، بحسب الجنابي الذي يرى أن "هذا الأمر سيكون حسمًا للعقبة الأولى في طريق تشكيل الحكومة الجديدة وفرض الاستحقاق الانتخابي على القوى السياسية". 

ووفقًا لهذه الرؤية التي يطرحها الجنابي، فمن غير الوارد اتجاه الصدر إلى المعارضة، بل على العكس من ذلك، يقول الجنابي إن "هذا الأداء يعبر عن تمسكه باستحاق تشكيل الحكومة".

"حكومة الأغلبية النسبية" 

وحول ما إذا كانت قوى "الإطار التنسيقي" ستقتنع بطرح الصدر حول "حكومة الأغلبية" أم أن الأخير سيضطر بالنهاية للتوافق معهم لتشكيل حكومة توافقية يقول الجنابي: "من الواضح أن ما يفرّق الإطار التنسيقي أكثر مما يجمعه، وعلى هذا الأساس لا يتوفر لدى قوى الإطار أدوات تمكنهم من الوقوف بوجه تشكيل الحكومة خارج مزاجهم سوى التصعيد الإعلامي والسياسي والأمني". 

لكن ورغم ذلك تسعى قوى الإطار التنسيقي ـ بحسب الجنابي ـ إلى التمسّك بآليات ما قبل عام 2019 في تشكيل الحكومة الجديدة، والتي لم تعد تتناسب مع المتغيرات السياسية والاجتماعية في العراق، وعلى هذا الأساس "سيقاوم صقور الإطار التنسيقي حكومة الأغلبية التي يطرحها الصدر".

يرى عضو في ائتلاف دولة القانون إنه لا يمكن للإطار التنسيقي الذي يمتلك قرابة 90 مقعدًا أن يشترك مع الكرد والسنة لتشكيل الحكومة بدون الكتلة الصدرية والعكس صحيح

ويختلف الجنابي مع الرؤية السائدة بأن المسار السياسي يتجه نحو حكومة توافق، إذ يرى أن المؤشرات تقول "إننا أمام مفهوم جديد على مستوى الحياة السياسية في العراق وهو حكومة (الأغلبية النسبية) أي توافر الحد الأدنى لمتطلبات تشكيل الحكومة دستوريًا، والبالغ 165 نائبًا لتُعلن الكتلة الأكثر عددًا، والحد الأعلى البالغ 220 نائبًا لانتخاب رئيس الجمهورية الذي يكلّف مرشّح الكتلة الأكثر عددًا لرئاسة مجلس الوزراء".

وعلى هذا الأساس، وفقًا للجنابي "سيضطر الصدر ليس للذهاب بالاتجاه التوافقي، بل باتجاه الأغلبية النسبية التي تنتخب رئيس الجمهورية الجديد، معتقدًا أن "المعركة السياسية في الوقت الحالي تتجسد في تحقيق الحد الأعلى لهذا المتطلب من قبل الصدر وحلفاءه، وإعاقة هذا الحد من قبل قوى الإطار، وهذا ما هو غير محسوم حتى الآن لحين مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات".

اقرأ/ي أيضًا: نيويورك تايمز: الصدر قد يسمح ببقاء القوات الأمريكية في العراق

لكن النائب عن ائتلاف دولة القانون، محمد الصيهود يختلف طرح الجنابي، بالقول إن "القوى الشيعية منقسمة على نفسها (الإطار التنسيقي والكتلة الصدرية) ولا يمكن لأحدهما أن يشكل حكومة أغلبية بالاتفاق مع باقي الكتل السياسية؛ بمعنى آخر أنه "لا يمكن للإطار التنسيقي الذي يمتلك قرابة 90 مقعدًا أن يشترك مع الكرد والسنة لتشكيل الحكومة بدون الكتلة الصدرية والعكس صحيح".

حكومة ضعيفة وهشة

وبخلاف ما يعلنه زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وزعماء الكتلة الصدرية، فإنهم بشكل فعلي لا يمتلكون الأغلبية المريحة لتشكيل الحكومة المقبلة، وفقًا لأستاذ العلوم السياسية، إياد العنبر، الذي يؤكد أن "خيار المعارضة وارد بالنسبة للتيار الصدري لأنه جمهور عقائدي يؤمن برمزية الصدر، عازيًا ذلك إلى أن "الصدر لا يخشى المعارضة، على عكس القوى السياسية الأخرى التي تتخوف من فقدانها مكاسبها ونفوذها في حال اتخذتها كخيار". 

والحكومة المقبلة، ستكون كما يرى العنبر "هشة وضعيفة وغير قادرة على مواجهة الجمهور في حال لم يشكلها الصدر، وهو الكتلة الفائزة بأعلى المقاعد".

وفيما يخص "حكومة الأغلبية" التي طرحها الصدر يقول العنبر إن "هنالك هدف منها وهو البحث عمن يتوافق مع الصدريين في مشروعهم لتشكيل الحكومة وفق الشروط التي يحددها المشروع لطبيعة التحالفات، ليبقى الخيار أمام الآخرين هو المعارضة على اعتبار أنه ليس بالضرورة أن يبقى الجميع في السلطة، موضحًا أن "فكرة الأغلبية هي الدفع باتجاه تشكيل الحكومة من قبل كتلة سياسية تتبناها وتدعمها لتصحيح الأخطاء السابقة"، لافتًا إلى أنه "عكس ذلك سنبقى في دوامة الكل في السلطة والكل في المعارضة مما سيؤدي إلى نتائج سلبية واستمرار الدوران في فلك الأزمات السياسية".

وفي ظل هذه التجاذبات لا يزال مراقبون يرون أن الفاعل الخارجي سيظل مؤثرًا في القرار العراقي وصناعة الحكومات ولا يمكن استثناءه من المعادلة، بالرغم من المتغيرات التي جرت في ميزان القوى السياسية بفعل نتائج الانتخابات المعلنة على المستوى الداخلي، لكن على الأرض يوجد السلاح الذي يلوح به الخاسرون، وهو الذي ربما سيذهب بالأمور إلى ما يسمى بـ"حكومة الجميع". 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الصدر يعتمد على العذاري لقيادة مفاوضات الكتلة الأكبر

مقتدى الصدر يأخذ خطوة إلى الوراء أمام تهديدات الفصائل المسلحة