17-مايو-2019

مقتدى الصدر مع كاظم العيساوي، والأخير متهم من الصدريين بالفساد (فيسبوك)

لم تكن هذه الحملة الأولى التي يقول الصدريون إنها "ضد الفساد". منذ سنوات يسمع الناس ويشهدون بين حينٍ وآخر حملات تطهير وغربلة تقوم بها قيادة التيار الصدري. البدايةُ كانت من منبر صلاة الجمعة، وآخرها كانت في صيف 2015، قبل أن يُطلق الصدر مشروع الإصلاح، ويدخل ساحات الاحتجاجات مع المدنيين، و قد سمّاها آنذاك: حملة الإصلاح الداخلي.

دعت صفحة مقربة من الصدر بعض الأسماء التي كانت تعمل في مفاصل التّيار الصدري إلى ترك العمل الحكومي باسم التيار الصدري، في مدّة أقصاها النّصف من شهر رمضان

في الإثنين الماضي، 13 أيار/مايو، نشرتْ صفحة "صالح محمّد العراقي" منشورًا دعت فيه بعض الأسماء التي كانت تعمل في مفاصل التّيار الصدري، إلى ترك العمل الحكومي باسم التيار الصدري، في مدّة أقصاها النّصف من شهر رمضان، وتسليم المتعلقات إلى المختصين في العمل الإداري في التيار الصدري، وإلّا فسيتمّ التعامل معهم بشِدّة غير مسبوقة. وكانت الأسماء هي: قصي العيساوي، عوّاد العوادي "نائب سابق" ، عماد "أبو مريم"، علي هادي "أبو جميل"، والأخير كان رئيس لجنة مكافحة الفساد، داخل التيار الصدري، بعد حملة مكافحة الفساد التي أطلقها الصدر في صيف 2015.

اقرأ/ي أيضًا: الصدر يوجه بتشكيل لجنة لجمع معلومات عن الصدريين العاملين بمشاريع تجارية

قصاصٌ أم قانون

في الوقت الذي أبدى فيه كثيرٌ من المراقبين والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، تأييدهم وتعاطفهم مع مثل هذه الحملات، متمنّين أنْ تحذو جماهير الأحزاب الأخرى حذو الجمهور الصدري، باعتبارها عملية إصلاح داخلي، لا سيّما بعد أن "فشلت الدّولة وأجهزتها القضائية في وضع حدّ للفاسدين"، أبدى آخرون تحفّظهم وامتعاضهم من هكذا حملات، وأظهروا خيبة أملهم وهم يرون أحد التيارات الدّاعية إلى دعم الدّولة ومؤسساتها، وصاحب أكبر كتلة نيابية في البرلمان، مع ما يمثله هذا من ثقل سياسي، يطلق يد جمهوره ليُعالج مثل هذه القضايا بمنأى عن القانون، مطالبين بضرورة إحالة قضايا الفساد إلى القضاء والجهات المعنية، وأن تُدعّم تلك التّهم بالأدلة، ثم يُترك الأمر إلى القضاء مهما كان شكله.

مَنِ المُستهدَف؟

على الرّغم من أنّ المنشور الأول الصادر عن صفحة "صالح محمد العراقي" لم يشمل اسم المعاون الجهادي السابق للسيد الصدر، كاظم العيساوي "أبو دعاء"، إلّا أنّ مصدرًا قال لـ"ألترا عراق"، إن "العيساوي هو المُستهدَف الأول من هذه الحملة، هو وجماعته، أو ما يسمى – گروبه"، بحسب تعبير الصدريين.

أضاف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، أن "العيساوي ليس وِتْرًا بين المقرّبين، بل ثمّة آخرون غيره جعلوا التّيار الصدري، وقوّته السياسية والعسكرية واجهةً لعملهم غير المشروع في الحكومة وخارجها، مبينًا أنهم "اتّكؤوا على فتاوى بعض الفقهاء - أغلبهم خارج العراق - لشرعنة ذلك العمل، تحت مسمّيات عدّة أشهرها: مجهول المالك".

ويعزو المصدر سبب استفحال هذه الظاهرة، داخل التيار الصدري إلى "ظاهرة التقديس المفرطة وغياب النّقد الذاتي وقمع كلّ صوت يُصرّح أو يُلمّح إلى فساد القيادات، واتّهامه بتنفيذ أجندات خارجية، وبأنّه "مرجف" ومندس و"طفگة"، بحسب تعبيرهم.

واحدة من أسباب استفحال ظاهرة الفساد في داخل التيار الصدري ظاهرة التقديس المفرطة وغياب النّقد الذاتي  وقمع كلّ صوت يُصرّح أو يُلمّح إلى فساد القيادات، واتّهامه بتنفيذ أجندات خارجية، وبأنّه "مرجف" و"مندس" و"طفگة"

و في الوقت الذي يُلقي فيه مراقبون المسؤولية على عاتق الصدر بوصفه زعيم التّيار، يجزم أنصار الصدر بأنّ الأخير لا علم له بذلك العمل، وأنّه طالما نهى عنه، وعن زج اسمه واسم عائلته في مثل هذه الأمور، وأنّ طيبة قلب زعيمهم، وحمْلَه أصحابَه المقرّبين على محمل حسن، كان وراء تمرّد وفساد أولئك المقرّبين. تسويغ يقنع الصدريون به أنفسَهم، ولكنّه لا يقنع غيرهم كما يبدو.

اقرأ/ي أيضًا: الصدر يمهل معاونه الجهادي السابق ثلاثة أيام: إما "التجارة" أو أنا!

وقفات أمام البيوت والمولات

تصاعدت وتيرة الاحتجاجات سريعًا. الجمهور الصدري غاضب بالفطرة، والإشارات التي تلقّاها من صفحة "صالح محمّد العراقي"  كانت كافية لإشعاله. نظّم ناشطون صدريون وقفات احتجاجية سريعة أمام بيوت بعض القيادات المتّهمة بالفساد، وأمام الشركات والمولات التّابعة لهم. كان بعضُ تلك البيوت والشركات والمولات خاليًا، في حين خرج النّائب السابق عوّاد العوادي إلى الجمهور مدافعًا عن نفسه، ومطالبًا الصّدرَ، برفع الظلم الذي لحقه، بحسب قوله

من تظاهرة في محافظة بابل ضد عواد العوادي (فيسبوك)

فيما كانت تلك الوقفات في أكثر من محافظة: في بغداد، والوسط، والجنوب. في النّجف الأشرف وقف متظاهرون أمام مول البشير مطالبين بإغلاقه، متهيّئين لاعتصام يدوم ثلاثة أيّام. بينما تدخّل أفراد الحماية المُكلّفين بحماية المول، وبعضهم أخوة صاحب المول، جواد الگرعاوي المعروف باسم "أبو أكثم، والمطرود منذ سنتين تقريبًا من مفاصل التيار الصدري بسبب قضايا فساد. لم يكن بأيادي أفراد الحماية غير الأسلحة النّار، ومنها أطلقوا النار على المتظاهرين فقتلوا أربعة أشخاص، وجرحوا خمسة وعشرين آخرين.

في تلك الأثناء أُضرِمتِ النّار في مبنى المول، ولم يتم الكشف حتّى الآن عنِ الفاعل. موقف القوات الأمنية في محافظة النّجف لم يكن بمستوى الحدث، بحسب مصدر محلي، في حين أصدر مكتب رئيس الوزراء بيانًا دان فيه أعمال العنف، مؤكدًا اعتقال بعض العناصر المشتبه بها، وأن التّحقيق جارٍ بهدف الوصول إلى الحقيقة.

أثناء إحراق مول البشير (مصدر خاص)

لماذا الآن؟

يرى مراقبون أنّ توقيت إطلاق الحملة الأخيرة كان مقصودًا، فنظرًا للظرف الذي تمرّ به إيران، لا سيّما، بعد الأزمة الأخيرة مع أمريكا، وتدهور وضعها الاقتصادي، فإنّها غير مستعدة لاستقبال المنشقين من التّيار الصدري كما حدث في السابق.

في حين ذهب مصدر رفض الكشف عن اسمه لأسباب سياسية، إلى خلاف ذلك، مبينًا في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "الجماعات المسلحة والقيادات الكبيرة، لم يعد بها حاجة إلى الدّعم المالي بعد أنْ هيمنت على مصادر تمويل كثيرة بدءًا من الموانئ، مرورًا بمزاد بيعة العملة، وليس انتهاءً بالمنافذ الحدودية وما يتمّ تمريره وتهريبه من هناك. 

أضاف أن "الحملة كانت ردّة فعل على تمرّد بعض القيادات، وعدم امتثالهم لأوامر الصدر المتكررة، الداعية إلى ضرورة الابتعاد عن العمل الحكومي تحت مسمى التّيار الصدري، و"عائلة الصدر" بشكل خاص، سواء كان ذاك العمل مشروعًا أم غير مشروع".

اقرأ/ي أيضًا: النجف بعد دعوات الصدر.. تظاهرات وحريق و"دماء" وأزمة تصل إلى هذه المحافظات!

لجنة جديدة

في اليوم الذي أُعلن فيه عن الأسماء الأربعة المتورطة بالفساد بحسب البيان الذي صدر في 13 أيار/مايو، تم الإعلان عن تشكيل لجنة جديدة لمتابعة العاملين في دوائر الدولة، تحت يافطة التيار الصدري. اللجنة مكوّنة من: "أبو ياسر" المعاون الجهادي للصدر، وعرّاب الحملة الأخيرة كما يسمّيه بعضُهم. وعباس الكوفي، قيادي سابق ومعروف في جيش المهدي. وعلي التميمي، محافظ بغداد المُقال. مهمة هذه اللجنة بحسب ـ بيان تشكيلها ـ جمع معلومات شاملة كاملة، عن كلّ منْ يعمل بمشاريع تجارية حكومية، حلالًا كانت أم حرامًا، مشروعة كانت أم ممنوعة، ممّن ينتمون إلى التيار الصدري حاليًا و سابقًا، ويُستثنى من ذلك منْ يكتبُ كتابًا يبيّن فيه استقالته، وأنّ أعماله السابقة لم تكن تحت مسمّى التيار الصدري، ولا بأمرٍ من زعيم التيار.

أمر الانسحاب

بعد سقوط قتلى وجرحى، وبعد أن بدأ الأمر يتصاعد تدريجيًا، وبدا أن النار قد تسري في أماكن ومحافظات أخرى، دعا الصدر أنصاره إلى الانسحاب وترك الاعتصام أمام البيوت والشركات والمولات، مؤكدًا على هزيمة الفاسدين، متوعدًا بالعودة إن عادوا.

في تلك الأثناء سرّب بعضهم خبرًا مفاده أن "صُلحًا قد تمّ في الخفاء، في حين نفى مقربون، منهم صفحة صالح محمد العراقي الخبرَ.

الجماعات المسلحة لم يعد بها حاجة إلى الدّعم المالي بعد أنْ هيمنت على مصادر تمويل كثيرة بدءًا من الموانئ، مرورًا بمزاد بيعة العملة، وليس انتهاءً بالمنافذ الحدودية وما يتمّ تمريره وتهريبه من هناك

استمرّتِ الحملةُ ثلاثة أيام. لكن مصدرًا رأى في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "هذه الحملة تأديبية وهي "جرة أذن" كما يعبر عنها عراقيًا"، في حين رأى متابعون أن ثمة ابتزازًا يقف خلف الموضوع، فيما يتأمل الصدريون ومعهم ناشطون نتائج عمل اللجنة إن كانت فعلًا تمتلك الجدية في محاربة الفاسدين.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الصدريون في سلامهم وحروبهم.. من الثورة إلى سائرون

بروتستانت التيّار الصدري