06-يناير-2020

تصر القوى المتنفذة على أن ترهن الواقع السياسي العراقي للصراع الأمريكي الإيراني (Getty)

نمر اليوم بمنعطفات سياسية وإقليمية خطيرة نتيجة الأحداث الأخيرة. وجميع العقلاء في هذا البلد دعوا إلى "ضبط النفس"، لأن انفلاتها ينذر بعواقب وخيمة على البلاد التي تحبس أنفاسها بانتظار الحرب أو الفوضى. 

لم تستفد القوى السياسية في العراق من تجربة ما بعد 2003، وتصر على أن ترهن الواقع السياسي العراقي للصراع الأمريكي الإيراني

عقب حل الجيش العراقي في العام 2003، اتسعت المقاومة للاحتلال الأمريكي، وبمرور الزمن تعدّدت الجهات والعناوين التي وصلت إلى أكثر من عشرين مسمى، وجميع هذه التشكيلات لم يكن لديها برنامج بناء دولة، وإنما كان هدفها "إخراج الاحتلال"، وكانت الحجة المضادة لهم، أن مكونات المجتمع قد دخلت باللعبة السياسية، ويمكن من خلالها طرد الأمريكان، ولكن أولى الأولويات هي ترميم البيت العراقي من الداخل.

اقرأ/ي أيضًا: القصة الكاملة لاغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في بغداد

واستمرت المعاندة بين الطرفين واحتكموا إلى القوة، وسقطت كل محاولات الحوار والتسويات السياسية إلى أن أدى هذا التراكم إلى دخول "داعش" مناطق الشمال والغرب العراقي في العام 2014، وما أشبه اليوم بالأمس، عندما تعاد الكرة من جديد بثوب آخر!

يرتهن اليوم ما يسمى بـ"فصائل المقاومة" بالنظام الإيراني، ليتجدّد السؤال القديم الحديث: ألم نرتضي الدخول باللعبة السياسية ونصر على حكم الدستور والقانون والانتماء العراقي؟

لكن كما يبدو، لم تستفد القوى السياسية في العراق من التجربة القديمة، وتصر على ربط الواقع السياسي العراقي بالصراع الأمريكي الإيراني، حيث أعلنت إيران مؤخرًا عن نيتها استهداف 35 هدفًا أمريكيًا بالمنطقة، وقد ابتدأت بقصف السفارة الأمريكية وقاعدة بلد الجوية في العراق فعلًا، بالوقت الذي رد ترامب بأن الولايات المتحدة ستضرب بسرعة وشدة 52 هدفًا إيرانيًا، وربما هذه الأهداف تكون في العراق، فضلًا عن تهديده بفرض العقوبات على البلاد.

 ووسط هذا الصراع المحموم بعد اغتيال قادة في الحشد الشعبي يصح أن يسأل المواطن العراقي؛ لم تم تجاهل شهداء وجرحى ومعاقي انتفاضة تشرين ولم يتحرك أي أحد لأجلهم سياسيًا وبرلمانيًا كما حدث في الأيام الأخيرة عقب قتل سليماني والمهندس؟ أليس حريًا بنا أن نكون عراقيين أولًا، ونقف مساندين لحراك الشباب وقضيته العادلة الحضارية التي تم تلخيصها بـ #نريد_وطن؟

لقد طالب هذا النفس العراقي بقانون انتخابات منصف، ومفوضية مستقلة، وتعديل بعض القوانين، أليست هذه مطالب عراقية متحضرة وهي أهم من إدخال البلاد بالصراع الإقليمي؟ لم يتم جر هذا الحراك إلى فتح جبهة جانبية لتصفيات إقليمية ودولية ونسيان دماء أكثر من 21 ألف بين شهيد وجريح؟

على الجميع النظر إلى ساحات الاعتصام لأنها تمثل الرأي الوطني الذي لا يقبل الخضوع للقوى الإقليمية والغربية، وهو ينشد دولة لها سيادة أمام الجميع

لقد نهض البرلمان العراقي نهضة انفعالية بعد العملية الأمريكية، بالرغم من مرور 11 عامًا على إقرار الاتفاقية الأمنية، ولم يطرح على جدول أعمال مجلس النواب تعديل أو إلغاء هذه الاتفاقية طوال السنوات التي مضت، فأين كان السيد نوري المالكي وأنصاره من ما يسمى "محور المقاومة" كل هذه المدة، وهو الذي وقعها ومررها رغم أنف أطراف المعارضة حينذاك كالتيار الصدري، والفضيلة، وجبهة التوافق والحوار الوطني؛ فهل اختاروا الوقت المناسب في هذا الظرف العصيب كما يدعون؟ أم نحاسب أولًا من مررها وثبّت أركانها بحيث أدت إلى هذا "الاستهتار الأمريكي"؟ ثم هل طرد الأمريكان الآن لصالح العراق أم لصالح غيره؟ ومن جلب هذه الطغمة الفاسدة بعد العام 2003؟

اقرأ/ي أيضًا: صواريخ قبل "ساعة الصفر".. تحذير من الكتائب والنجباء وترامب يحدد 52 هدفًا!

إن إصرار استخدام القوة، واللجوء إلى التهديد والتصفية من قبل جهات مسلحة لها تمثيل حزبي وسياسي، وتبعية اقليمية واضحة، يبرر ما تفعله الجهة الأخرى من اللجوء إلى الاستعانة بالأمريكي، والمقصود بالجهة الأخرى، ليس فقط الأطراف السنية والكردية، بل وحتى الشيعية التي لا ترى مصلحة في تبعية ولاية الفقيه العامة.

وللخروج بحل عراقي الآن وبناء دولة حقيقية ووطنية تنظر لمصلحة العراق أولًا، على الجميع النظر إلى ساحات الاعتصام لأنها تمثل الرأي الوطني الشعبي الذي لا يقبل الخضوع للقوى الإقليمية والغربية، وهو ينشد دولة لها سيادة أمام الجميع، وحتى تنتصر في أي صراع يجب أن يكون لك مناعة داخلية متمثلة بتأييد الناس لا نقمتهم عليك.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تحذير من الحرب المحتملة.. كيف سيؤثر تعليق أنشطة حلف الأطلسي على العراق؟

"صليبيون" و"معركة الحسين".. لغة دينية جديدة في خطاب الانتقام لسليماني والمهندس