20-نوفمبر-2020

لا يجدُ التنظيم الإرهابي ضررًا من تحشيد الطرف الآخر ضده (فيسبوك)

لا يُمكن إضفاء المفاهيم السياسية التي تُفسّر تحركات الأحزاب والتيارات والحركات الحديثة شرقًا وغربًا على قرينتها ذات الآيديولوجية المتشدّدة المنغلقة على نفسها، حيث تختلف معايير المصالح والمواقف والمنفعة والمضرة وما هو الصواب من عدمه ضمن الأسس المنطقية المُعتمدة في التحليلات والقراءات السياسية.

ليس كل جماعة متشددة هي إرهابية بالضرورة، وليس كل جماعة تَحملُ فكرًا إقصائيًا متطرفًا تُمارس القتل بالضرورة

تتحكم عدة عوامل وخرائط في بُنية الجماعة المتشددة العقيدية تحديدًا، وربما يَصعُب فهمها من قِبل الذين يقفون خارج الجماعة دون تمحيص في طبيعة "الصمغ" اللاصق لها، والذي يجعل الجماعة جماعةً تتحرك كفردٍ واحد بالمعنى المجازي.

اقرأ/ي أيضًا: الدين و التديُّن.. هل للتعصب هوية؟

لا بد من القول ابتداءً، إن ليس كل جماعة متشددة هي إرهابية بالضرورة، وليس كل جماعة تَحملُ فكرًا إقصائيًا متطرفًا تُمارس القتل بالضرورة؛ لكن الجماعة التي تقتل الآخرين بناءً على اختلاف عقائدي أو فكري آيديولوجي هي بالضرورة متشددة فكريًا وإقصائية عمليًا. وصنعُ هذه التمييزات ضروري لإتاحة وجود فوارق حين يؤتى بأمثلةٍ تشبيهية.

خَبرنا في العراق (ومن مثلنا؟)، تحركات وتصرفات التنظيمات والجماعات المتطرفة والإرهابية، ولاحظنا اندفاعها نحو تعميق العداء والكراهية مع "الآخر" سواء على مستوى الخطاب، وهو الأبسط، أو على مستوى الفعل الذي يُترجم بشكل عمليات عسكرية شديدة العنف خالية من الرحمة وقواعد الحرب، وهو الأقوى.

وربَ سائل يسأل: لماذا كل هذا القَدر من العنف والكراهية والتحريض في خطاب وسلوك الجماعات المتطرفة، في وقت يُمكنها ممارسة أعمالها وفعاليتها دون ذلك وبأقل خسائر لناحية تعاطف الأمثال الذين لا يرغبون بمستوى العنف والإجرام المُتبع وإن كان الخصم واحدًا؟.

وجّه تنظيم داعش خطابًا مفزعًا في الأيام الأولى بعد سيطرته على الموصل، وغير مسبوق قياسًا بسياق الحدث وقوته وجِدته، فتوعّد بهدم أضرحة الأئمة في النجف وكربلاء ومحو كل مظاهر "الشرك" حسب ما يُعبرون في أدبياتهم، ما جعل الطرف الآخر في أقصى حالات الاستنفار دفاعًا عن عقيدته ومعالمها، وانتزع من مرجعية النجف دعوة الجهاد الكفائي وتحشيد المواطنين للقتال.

إن حركةً أو جماعةً معارضةً لا تنتمي لهذا النوع من التطرف لن تُقدم على هكذا خطاب فور استيلائها على مناطق مهمة في البلاد وقبل حسم المعركة، ليس لقناعتها أو عدم قناعتها بما يقوله تنظيم داعش، بل لأسباب براغماتية طبيعية، فاستفزاز العدو إلى هذه الدرجة غير منطقي في المعارك الكلاسيكية، إذ مع اندلاع حرب بين طرفين، لا يسعى أحدهما لتحشيد كل قوى الطرف الآخر ضده، ولاحظنا ذلك مثلًا في الحرب العراقية الإيرانية، حيث كان خطاب كلا النظامين وديًا اتجاه الشعب الآخر، بل أن النظام يدعي مرارًا سعيه إلى تخليص الشعب "الشقيق" من ظلم نظامه الحاكم!

حين تضطر الحركات والأحزاب ذات الآيديولوجية المتشددة إلى ممارسة لعبة الانتخابات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما في الحالة الشيعية، سيحصل الارتباك

هنا تكمنُ أهمية التمييزات وتوجد الفروق حتى في البراغماتية. لا يجدُ التنظيم الإرهابي ضررًا من تحشيد الطرف الآخر ضده وإنما هو أساس قوته. إنه لا يبحث عن تبريرات لأتباعه غير المتعلقة بزيادة الحقد والكراهية ضد الطرف الثاني الذي سيُخرج أسوأ ما فيه ردًا على هذا الخطاب، فيسّتغل الطرف الأول ارتباك الطرف الثاني وأخطائه، في إقناع حاضنته الاجتماعية بفكرة العداء المطلق، ينسحب  ذلك وبترابطٍ واضح على تعامل التنظيم داخل مناطق سيطرته  ومع مجتمعه الحاضن الافتراضي، وأساليب البطش والقمع والتعنيف الممارس ضد "المخالفين" منهم، ما يجعل سلطته أكثر إغراءً للأتباع.

اقرأ/ي أيضًا: تحديات جسيمة ورهانات غائبة

 بهذه الطريقة تشدُ الحركات والتنظيمات المتطرفة نفسها وجمهورها إليها، فهي في نهاية المطاف ليست أحزابًا تبحث عن ناخبين جُدد أو لتحافظ على ناخبيها في إطار انتخابات ديمقراطية نزيهة، بل تريد المحافظة على المقاتلين والأتباع الذين لا يَشُدّهم شيء غير التشدد، فهو رأسمال الجماعة.

أما حين تضطر الحركات والأحزاب ذات الآيديولوجية المتشددة إلى ممارسة لعبة الانتخابات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما في الحالة الشيعية، سيحصل الارتباك، وهو ما سنبحثه في الجزء الثاني.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

محنة التنظيمات الإسلامية (1 ـ 2)

محنة التنظيمات الإسلامية (2-2)