04-أكتوبر-2021

بتهمة "مخالفة الرؤية السائدة" (Getty)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

انتهت الزيارة الأربعينية، بحصيلة اعتقالات لا بأس بها في صفوف "المروجين لبطلان التقليد" والذين يدرجون شعبيًا وفق عدة تسميات تحوّلت إلى عناوين "مخيفة" أو منفرة للشارع، فيما تخلط البيانات الأمنية أحيانًا في وصفهم وأسمائهم.

من غير المعروف ما إذا كان "اتّباع الصرخي واليماني" في العراق هو تهمة يعاقب عليها القانون 

عدّة أسماء تعرف بها هذه الفئات، مثل "المولوية" أو "اليمانية"، وأحيانًا تصفهم البيانات الرسمية بأنهم "صرخيّة"، إشارة إلى أنهم من مقلدي رجل الدين المثير للجدل محمود الصرخي، إلا أن هذه مغالطة، حيث أن التهمة التي اعتقل من خلالها هؤلاء في الزيارة، هي حمل منشورات تحث على نقض فلسفة تقليد المراجع، وهذا لا تدعو له الصرخية، فهم يقلدون مرجعهم محمود الصرخي.

اقرأ/ي أيضًا: الحشد الشعبي يهاجم العبادي ردًا على تصريح حول الـ 30 ألف مقاتل

ويدور الأمر حول "المولوية واليمانية"، فيما يشير مختصون إلى أنهم من ذات الجهة، وتقوم فكرة هذه الفئات على رفض تقليد المراجع وبطلانه، مستشهدين بذلك على روايات وكلمات فقهية وتاريخية، وهذا ما حملته هذه الفئات خلال الزيارة الأربعينية ومحاولات ممارسة التبشير.

وفي بيان أصدرته خلية الأعلام الأمني والشرطة الاتحادية في وقت متأخر من مساء يوم 24 أيلول/سبتمبر، تم الإعلان عن اعتقال 8 أشخاص بتهم "حيازة وتوزيع منشورات تتضمن أفكار متطرفة والإساءة إلى المراجع"، فيما تضمن بيان الشرطة الاتحادية وصف المتهمين بأنهم "من أتباع الصرخي واليماني"، وفي اليوم التالي السبت 25 أيلول/سبتمبر، تم الإعلان عن اعتقال شخصين آخرين بذات التهمة.

ومن غير المعروف ما إذا كان "اتّباع الصرخي واليماني" هو تهمة يعاقب عليها القانون في العراق، خصوصًا وأن العديد من الأشخاص ورجال الدين من أصحاب هذه العقائد معروفون ولديهم مكاتب دينية خاصة في عدة محافظات، ولا سيما في الفرات الأوسط والجنوب، إلا أن التهمة يبدو أنها تتعلّق بممارسة هؤلاء الأشخاص لنشاطهم خلال الزيارة الأربعينية.

وهو بالفعل ما يؤكده الخبير القانوني أمير الدعمي، بأن اعتقال هؤلاء الأشخاص يتم عادة وفق المادة 372، وهو "محاولة التشويش على شعائر دينية".

الداخلية: نعتقلهم لأنهم يخالفون "الرؤية الموحدة"

إلا أن وزارة الداخلية يبدو أنها تطبق الاعتقال بحق هؤلاء الأشخاص وفق "رؤية" لا تتعلّق بالمادة القانونية بشكل مباشر، بالرغم من أن الاعتقال يتكيف فيما بعد وفق هذه المادة، حيث أن الداخلية تسير وفق "لوائح متعارف عليها" لكل مذهب أو ديانة، ووفق هذه اللوائح فأن "فكرة عدم الاحتياج للتقليد أو المراجع والمجتهدين" التي يروّج لها الأشخاص الذين تمّ اعتقالهم، تعتبرها الداخلية "جريمة" غير مسموح بها، لأنه شيء غير متعارف عليه ويمثّل أقلية فكرية.

حيث يقول المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا في حديث لـ"ألترا عراق" إن "جهات انفاذ القانون تستهدف كل عمل منافي للقانون ويتسبّب تعكير صفو الأمن خصوصًا موضوع التحريض والطائفية"، فضلًا عن ما وصفه بـ"مواضيع الخلل الثقافي في المجتمع العراقي"، مبينًا أن "المجتمع العراقي يسير وفق رؤية موحدة سواء دينية أو مذهبية فكل دين على حدى يسير وفق رؤية موحدة".

وأضاف أن "محاولة التأثير وإجبار الآخرين وتحريض الآخرين ولا سيما في مناسبات مهمة مثل زيارة الأربعينية مرفوضة ولا بدّ من أن يكون هناك تدعيم للأمن وفرض القانون والداخلية لا تسمح لأي جهة أو جماعة من استخدام هذه المناسك لتحقيق مآرب فئوية وتعكر صفو الأمن والنظام أو الإساءة لسياسيين أو رجال دين".

وما يؤكد توجه الوزارة نحو اعتقال هؤلاء الأشخاص ليس وفق المادة القانونية المتعلقة بـ"التشويش على الشعائر"، هو ما تضمنه محضر تسليم المتهمين، حيث وصف المحضر المتهمين بأنهم يروجون لأفكار "منحرفة"، وهو ما يتناسب مع ما تحدث به المحنا بوجود "رؤية موحدة ثابتة لكل مذهب أو دين"، ما يعني أن أي خروج عن هذه "الرؤية" قد يؤدي للاعتقال، بالرغم من أن الاعتقال يتمّ وفق مادة قانونية لا علاقة لها بـ"الخروج عن الرؤية الموحدة"، وهذا ما يفسّر أن اعتقال هؤلاء الأشخاص يتم عادة في أيام الزيارة تحديدًا.

هل حمل المعتقلون شعارات محرضة ومسيئة؟

وفق الوثائق والمنشورات التي تداولتها وسائل الإعلام واطلع عليها  "ألترا عراق"، والتي كانت بحوزة الأشخاص المعتقلين، فأنها تضمنت روايات وآراء مأخوذة من مصادر وكتب حديث شيعية معروفة، من بينها كتاب الكافي وموسوعة الإمام المهدي للمرجع محمد محمد صادق الصدر، وكتاب فلسفتنا للمرجع محمد باقر الصدر، وجميع الأحاديث والآراء المطبوعة في هذه المنشورات كانت تصب تجاه هدف واحد وهو: "عدم جواز التقليد أو الاجتهاد وعدم الحاجة للمرجع"، وهو ما يطرح تساؤلات عما إذا يعتبر هذا الطرح "الفكري" بعدم جواز التقليد، يندرج ضمن "التحريض والإساءة للمراجع".

ويقول الخبير القانوني محمد جمعة في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "اعتقال من يروجون لأفكار عدم التقليد وبطلان الاجتهاد خلال الزيارة الأربعينية يتم وفق المادة 372 من قانون العقوبات العراقي"، مبينًا أن "هذه المادة تنص على كل من حقر أو تعمد التشويش على شعائر دينية لطائفة معينة يعاقب بالحبس لمدة 3 سنوات، ووفق هذه المادة يتمّ اعتقال هؤلاء".

ويستدرك الخبير القانوني جمعة بسؤال وهو: "هل يعتبر الترويج لفكرة عدم الاجتهاد تحقيرًا للشعائر أو تشويشًا أو إهانة للمراجع؟"، مبينًا أن "أي شعار فيه إهانة لأي مرجع هذه جريمة لا أحد يختلف عليها، ولكن إن كانت الشعارات تحوي أمورًا فكرية ومطروحة بشكل فكري وديني، فهنا ما زالت هذه الأفكار في إطارها العلمي الديني وتخضع للنقاش العلمي والديني".

ويضيف: "لا أعتقد من وجهة نظري أن هذه الممارسات تمثل إهانة أو تحقير للشعائر فهي أفكار وأن كانت تخالف مبادئ معينة متعارف عليها، ولكن بالتأكيد ليس هناك مانع من التجديد في الأفكار الدينية وفيما لا يتعلق بأصول وثوابت الشريعة لا يوجد شيء يمنع التجديد".

في زيارة الأربعين الأخيرة تم اعتقال الأشخاص الذين يروجون ضد فكرة "تقليد المراجع"

ويؤكد أن "وجهة نظري الشخصية كقانوني، فإن المادة 372 لا تنطبق على هذه الحالة ما دامت هذه الأفكار تطرح في إطار النقاش الديني والعلمي حتى وأن كانت شعارات ترفع لكنها خاضعة للنقاش العلمي"، مبينًا أن "المادة لا تنطبق على هذه الحالة لكن الداخلية تعتقل هؤلاء وتحيلهم للقضاء وفق هذه المادة".

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

شيعة العراق.. القبيلة والمذهب والسياسة

ماذا فعل "شيعة السلطة"؟