14-فبراير-2017

عراقي يحمل جثة مجهولة الهوية لدفنها في مقبرة بمدينة كربلاء (Getty)

سقط نحو 8 قتلى وأكثر من 200 جريح في التظاهرات التي اندلعت السبت الماضي في العراق للمطالبة بتغيير أعضاء مفوّضية الانتخابات وقانونها. بعد اتهامات بأن معظم هؤلاء الأعضاء ينتمون لأحزاب السلطة أو يأتمرون بأمرها على أقل تقدير. سال دم هؤلاء حارًّا على الأسفلت، كما سالت دماء أترابهم من العراقيين في حفلات العنف اليوميّة التي تقيمها الجماعات المسلّحة بشتّى ألوانها وطوائفها.

وقد أثبتت هذه الحادثة، التي تتضارب أرقام ضحاياها إلى الآن، أن دم العراقي رخيص، بخس، ولا يعني أحدًّا، ولا حتّى لغالبيّة أولئك الذين دفعوهم إلى الشوارع، ضاخّين فيهم أحلام تغيير الحال إلى الأفضل، راسمين لهم مسالك لمستقبل مزدهر، فيه العدالة -وحدها العدالة- من تقود حياتهم.

دم العراقي رخيص، بخس، ولا يعني أحدًا، ولا حتّى لغالبيّة أولئك الذين دفعوهم إلى الشوارع، ضاخّين فيهم أحلام تغيير الحال إلى الأفضل

لم يحظ هؤلاء القتلى، على المستوى الخارجي، باهتمام الدول التي تظلُّ تتغنّى بديمقراطية العراق الفتيّة، ومساعيه في تطوير "العمليّة السياسيّة"، كما تهتم هذه الدول ذاتها بتوريد الأسلحة، وتضخيم الديون على العراق، من أجل "إعادة الإعمار"، وتشجيع المجتمعات المحلية على "الاندماج" في السياسات الديمقراطية.

الأمم المتحدة، بدورها، لم تشر لا من قريب أو بعيد إلى القتلى، واكتفت بالإعراب عن "قلقها" كالعادة، وساوت بين المتظاهرين والقوات الأمنية على حدٍّ سواء في دعوتها إلى "التحلي بضبط النفس"، إلا أن الأنكى هو جلوس بعثة الأمم المتحدة مع مفوضية الانتخابات، ومساندتها إياها، بينما أهملت المتظاهرين تمامًا، وهو ما يؤكد وجهة نظر الكثير من العراقيين بشأن المنظمة الدولية التي تحوّلت إلى عدّاد يحصي القتلى من العراقيين فحسب.

اقرأ/ي أيضًا: الشرطة العراقية تقمع آلاف المتظاهرين في بغداد

وعلى الصعيد الداخلي، شرّع حيدر العبادي، رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق بشأن القتلى، وهذا يعني، وفق القاموس السياسي العراقي، بأنه لن تكون هناك أيّة نتائج، ولن يُحاسب أحّد من قتلة هؤلاء، أو الأسباب التي أدّت إلى مقتلهم، بل حتّى من الجهة التي قتلتهم، والتي يتهم متظاهرون بأنها تابعة لحزب سياسي أو متحالفة معه.

أما بالنسبة للتيّار الصدري الداعي إلى التظاهر، والذي يقوده رجل الدين مقتدى الصدر، فهؤلاء القتلى حطب للمعارك السياسيّة التي يخوضها التيّار، والتي لا يعرف أحدّ ما النهاية المرجوّة منها، فالصدر يحيّر أتباعه وخصومه في آن واحد، لا هو معارض لأنه يمتلك عددًا من النوّاب في البرلمان وزراء ومسؤولين في الحكومة، وهو الذي يحرّك التظاهرات في الوقت ذاته، ولا ينهي أيّة خطوة يبدأ بها.

إن الحكومة العراقية تستورد كل شيء فاسد، ماعدا الغاز المسيل للدموع وأدوات "مكافحة الشغب"

والحال، فإن المطلب في تغيير مفوضيّة الانتخابات وقانونها يظلّ مطلبًا عادلًا لأولئك الذاهبة أصواتهم إلى الحضيض والبؤس والفساد، ما يعني أنه أحّد المطالب الشرعيّة لصعود أحزاب صغيرة إلى البرلمان، وما يجب أن تسانده الدول التي تمتدح الديمقراطية، وليس تجاهله كما تفعل، وتناصر السياسيات القمعيّة للحكومة التي تزداد شراسة على مرور السنوّات.

فمنذ عام 2007 بدأ الخطّ البياني لقتلى التظاهرات في تصاعد، بدأ بقتيل واحد، وها هو اليوم يصل إلى ثمانية قتلى أو أكثر، وربما، خلال السنوات القادمة، لن تكون هناك تظاهرات بسبب هذا الإرهاب المنظّم ضد الداعين إلى أبسط الحقوق المدنية والسياسية التي يكفلها الدستور ذاته المفصل على مقاسات أحزاب السلطة المنغمسين في الفساد والمحاصصة.

وربما يكون أكثر تعليق بلاغة على الواقع الذي وصلته السياسة في العراق هو حديث متظاهر عن القمع الذي شهده، إذ قال إن الحكومة تستورد كل شيء فاسد، ماعدا الغاز المسيل للدموع وأدوات "مكافحة الشغب".

ما أبخس الدم العراقي في الداخل والخارج.

اقرأ/ي أيضًا:
العراق.. أطفال في مهن القسوة والعنف
كيف رد العراق على منع مواطنيه من دخول أمريكا؟