19-أغسطس-2019

ليس هناك منهج واضح للدولة في العراق، الكثير من القوانين خاضع لأمزجة الأحزاب دون تخطيط (Getty)

يقترن معنى الدولة بقوة القانون، وعدالة القضاء ونزاهته، وبمؤسسة إدارية رصينة تخدم الناس بلا تمييز. حينما نكتب عن مفهوم الدولة نحتاج للأدوات اللازمة التي تُثري المقال لتوضيح هذا بشكل مقنع بلا تدليس وتزييف وتزويق، لكن كيف نكتب في ظل غياب هذه الأدوات؟

البقاء للأقوى هي الثقافة السائدة الآن على المشهد السياسي في العراق، ومن خلال ذلك وصلت السلطات إلى من هم خارج الدولة ويحملون السلاح!

يعبر الفيلسوف الجزائري-الفرنسي ألبير كامو عن المنقذ الذي يجسده الأمل في حالة الرضوخ والاستسلام للأمر الواقع بالانتحار الميتافيزيقي، وهو ما يوضح عن حالتنا التي تتشابه إلى حد ما مع ما عبر عنه "كامو" فأحداث التاسع من نيسان/أبريل 2003 بكل تجلياتها وإفرازاتها تعد لحظة مجنونة وانفصامية للوجدان العراقي، لا يتحمل تبعاتها الأخلاقية والقيمية الضمير العراقي وحسب، بل تعدت ذلك إلى جموح الخيال حد التناقض الفظيع بين الغضب من الاحتلال وجرح الكبرياء الوطني، الحزن على الخراب والفرح من زوال رموز السلطة الاستبدادية، وما زاد من ذلك، هو كابوس تشظي السلطة إلى متسلطين وجماعات طائفية ساهم إلى حد ما في إبراز حالة تبادل الأدوار واللعب على وتر البقاء للأقوى لا المنافسة الديمقراطية. والبقاء للأقوى هي الثقافة السائدة الآن على المشهد السياسي في العراق، ومن خلال ذلك وصلت السلطات إلى من هم خارج الدولة ويحملون السلاح، والتي من المفترض أن تكون محصورة بـ"دولة ديمقراطية" لا غير، كخيار سليم بديلًا عن الفوضى والعشيرة والقوى المسلحة غير الرسمية. ما يحدث الآن هو ابتلاع لمفهوم الدولة كمشهد يتجسد بحيوان مفترس يتلذذ بهرس فريسة بين فكيه.

اقرأ/ي أيضًا: شرط الدولة المفقود عراقيًا

تجلى كل ذلك في صورة الفساد والخراب والعسكرة التي جيشت المجتمع حتى صارت ثقافة طبيعية في مراكز المدن، وكأنها حالة استنفار مستدامة لاستقطاب المتحمسين. إنها عملية تغذية خطيرة لكل مظاهر العنف التي تختلج الناس للتعبير عن غضبهم، وفي هذه الحالة سيكون الحديث عن الدولة ضرب من الخيال الذي لن يتحقق بسهولة.  

في ظل غياب مركزية القرار الذي يعبر عن رأي الدولة، والذي يتجلى مرارًا من خلال التصرفات اللا منطقية وغير الواعية التي يقوم بها المسؤولون فيها، يتضح أننا في حفلة تنكرية فيها مساحة من التعبير عن الآراء الشخصية، وليست دولة لها خط سياسي واضح يعبر عن شعب بأكمله، خذ مثالاً على ذلك التصاريح التي يطلقها السفراء خارج البلاد، وكذلك زعماء الأحزاب السياسية وقادة الفصائل المسلحة، التي تتعارض تمامًا مع كل ما تقول به الحكومة العراقية، خاصة بما يتعلّق بالمستوى الخارجي. بل وحتى حالات الاعتقالات والتعذيب التي تجري داخل السجون العراقية غالبًا ما تأتي بتصرفات فردية تراعي تقلبات مزاج المسؤول أو القائد والتي تتناقض مع ما تنص عليه مواد دستور الدولة من حفظ حقوق الأفراد وضمان الحريات.

النظام العراقي إلى الآن، هو نظام ليس له معايير واضحة كنظام ديمقراطي أو شبه ديمقراطي في المنطقة. الدولة تتعامل بمنطق الجماعة، لا صاحبة القانون الذي يعرف المواطن كيف يتعامل معه، والقانون هو رهين أمزجة المتنفذين في السلطة والجماعات الخارجة عن إطار الدولة. 

غير الطبيعي والمثير للدهشة، أن الجميع يدعو لبناء الدولة، بينما الواقع يدعونا للنواح على كمية التزييف التي نعيشها يوميًا مع كل مفاصل الحياة، معنى ذلك أن الدولة أسيرة وتحتاج لوجود إثبات على حقيقة وجودها عبر سلوكيات الأحزاب التي تشكل النواة السياسية والديمقراطية في العراق من خلال سلطاتها الثلاث، فهل لديها ما يكفي من القدرة والمسؤولية الأخلاقية والوطنية للخضوع للدولة بمعناها الحقيقي؟ الأيام حبلى بالأحداث التي تُخبرنا عن موت حلمنا بالدولة كدولة!

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

قصة الدولة في العراق: ذلك السؤال الغائب

عراق "المحاصصة" الطائفية وسلطة ضد الدولة