رأي

الرقة.. عزف منفرد للموتى والهاربين

12 يونيو 2017
19075470_1502981279762157_922052812_n.jpg
أب يلفظ أنفاسه الأخيرة بين طفليه، في الشمال السوري
عبد الرزاق دياب
عبد الرزاق ديابشاعر وصحفي من سوريا

هكذا يكون الموت من كل حدب وصوب عندما تصير مدينة هدفًا لجميع المتقاتلين على "تحريرها"، ويصبح بشرها صيدًا طارئًا ومزعجًا في الطريق إلى الطريدة الفريسة، وأما الحجر والتاريخ فليس سوى جدران وأقبية وبيوت عالية وواطئة ومخابئ للإرهاب والقتلة.

ثمة موت بالتقسيط عاشه أهالي مدينة الرقة السورية منذ أن قرّرت العصيان

وحدهم الموتى مرميون في قلب الرمل.. هنا الرقة المدينة التي اختارها البغدادي عاصمة لدولته الجديدة، أو اختارتها أقدار الذين خططوا لنهايات بهذه القسوة لمدينة متجاورة عريقة تاريخيًا وبشريًا. في الجانب الآخر ثمة الموصل، وهنا تضيق فرجة التأمل القاصرة... هنا الواقع القذر، والمخطط الأقذر.

اقرأ/ي أيضًا: عملية الرقة.. هل تحقق حلم أكراد سوريا في الفيدرالية؟

صور كثيرة ستعبرك دون هوادة، طفلان يراقبان جسد والدهما القتيل، خيام محمولة في سيارات شحن صغيرة مع أعمدتها وأطفالها، ووجوه مصابة بأبعد من الدهشة والفزع والمجهول، ورمال لا تنتهي، قبور لا نهائية لعالم كان يتأملها قبل قليل، معتقدًا أنها أقل من العدم.

داخل المدينة التي صارت دولة السواد وخلافة الذبح، التي طوال سنوات لا تدخلها إلا كاميرات الناشطين والمغامرين، ولكنها اليوم مفتوحة الطرقات والأحياء على هزيمة سهلة لذلك البعبع الأسود الذي غيّر دولته إلى حيث موت جديد، وأما من بقي من حجر وبشر فيقتَلون بالفوسفور والنابالم والمدفعية وطلقات سوريا الديمقراطية.

قبل سنوات الحصار والقتل تحول سكان الرقة ومدن خط الفرات إلى مهجّرين باحثين عن لقمة العيش في مدن شقيقة داخل الوطن، في تلك السنوات لم يعد مسموحًا لهم حفر بئر ماء، وكان عليهم تغيير موسم القطن، وهم سكان النهر الأعظم في بلاد الشام، هم جيران الماء الذي يسقي مزارع مسؤولين على بعد مئات الكيلومترات، لكنه عاجز عن سقاية حقل قطن على كتفه.

يروي الناجون حكايات الموت على دفعات، فثمة موت بالتقسيط عاشه أهالي المدينة منذ أن قررت العصيان، وتبديل الراية، وأول الموت كان الراية السواء التي حكمت البشر بمنطق التقويم وإعادة الضالين إلى دينهم ورشهم بالسيف، وتحويلهم سحالٍ وعقارب وأفاعٍ قادرة على الحياة وسط الرمل، ومن أراد غير ذلك فالذبح والقذف من شاهق وبتر الأطراف والقطع من خلاف... صارت الرقة وبشرها صورة المدينة الوباء الذي يبحث العالم عن ترياق خلاصه.

في الرقة يتساوى الموتى في نصيب الهلاك، من بقي فيها ينتظر حماقة الصيادين أو غضب الفريسة المحاصرة، ومن هرب وظن لوهلة أنه نجا فالرمل فخ الطرائد التي ينتظرها الباحثون عن مجد القتل.. هنا يتساوى الموت داخل أسوار عاصمة الخلافة وخارجها، والباحثون عن زرع راياتهم في الصدور وعلى الحجارة وأطراف الأحياء وأسطح البيوت هم أكثر من الباحثين عن النجاة من محرقة صائدي الانتصارات.

صارت الرقة وبشرها صورة المدينة الوباء الذي يبحث العالم عن ترياق خلاصه

اقرأ/ي أيضًا: "قسد" قاب قوسين أو أدنى من الرقة.. وترامب بين نيران الفضائح وغضب تركيا

الرقة وحدهما تطارد موتها، وتحاول انتقاء الموت الأسرع والأقل ألمًا، وهي التي ذاقت كل صنوف الموت، فلم يعد مهماً كيف تُقتَل، ومهم جدًا أن تموت سريعًا دون أي إحساس بصرير السكين على العنق.

الرقة سمفونية الموت المنفرد، والعزفُ العويلُ الذي يهز عار العالم وعرش قبحه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجناح "الفنّي" في داعش!

لماذا لن تنتهي "داعش" بعد الموصل؟

الكلمات المفتاحية

.

دائرة النخب السياسية المغلقة

عن "مناعة الفساد في العراق"


.

ترمب يؤسس "ترُويكا" ألشرق الأوسط

سيناريوهات حول القمة الأميركية الخليجية


.

بزشگيان.. "يلتسن إيران"

سيناريو إيراني شبيه بـ"تفكك الاتحاد السوفيتي"


الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة

الحكومة العراقية تؤكد التواصل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية
سياسة

"للإبلاغ عن الحوادث النووية".. غرفة طوارئ عراقية بانعقاد دائم وتواصل مع وكالة الطاقة الذرية

اجتماع لمتابعة إجراءات غرفة العمليات المركزية للطوارئ الإشعاعية والنووية وغرفة الطوارئ الإشعاعية في حالة انعقاد دائم

نفط
اقتصاد

نيران الحرب تصيب العراق.. ماذا حدث لناقلة النفط قرب مضيق هرمز؟

تفاصيل جديدة عن حادثة احتراق ناقلة تحمل شحنة ضخمة من النفط العراقي كانت متجهة إلى الصين ومدى تعلقها بالحرب بين الكيان الصهيوني وإيران


الخطوط الجوية في البصرة
منوعات

موقف الأجواء العراقية.. الخطوط الجوية المحلية تستأنف رحلاتها في مطار البصرة فقط

الخطوط الجوية العراقية تستأنف رحلاتها من مطار البصرة الدولي خلال النهار مع استمرار إيقاف حركة الطيران في المطارات الأخرى

الاستمارة الخاصة بهوية حيازة وحمل السلاح
مجتمع

استمارة خاصة بهوية حيازة وحمل السلاح في العراق.. رابط إلكتروني وباركود

الداخلية تنشر رابطًا إلكترونيًا بهدف "تبسيط إجراءات معاملة إجازة السلاح"

الأكثر قراءة

1
سياسة

الحرب على إيران.. العراق يرفع شكوى إلى مجلس الأمن ويتلقى تطمينات أميركية


2
مجتمع

تقارير برلمانية تؤشر ازدياد حالات التسمم الغذائي لمرتادي المطاعم وطالبي "الدلفري"


3
منوعات

الاتحاد الدولي يدرس طلب العراق العاجل قبل مواجهة الأردن في تصفيات المونديال


4
سياسة

خاص| العراق أصبح بـ19 محافظة.. تفاصيل استحداث "حلبجة" والخلافات السياسية والقانونية حولها


5
مجتمع

التربية: المفصولون بالغياب غير مشمولين بالدخول الشامل