30-أكتوبر-2022
زواج

بات الزواج في العراق يعد ضمن الأحلام بعيدة المنال لشريحة واسعة من الشبان (Getty)

تبرز منذ فترة ليست بالقليلة ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج في العراق لأسباب عدة، يتقدمها الفقر وغياب فرص العمل، بالتزامن مع ارتفاع حالات الطلاق على مدار السنوات الماضية.

تكشف الإحصائيات الرسمية عن ارتفاع مستويات البطالة والفقر في ظل الأزمات الكبيرة التي تعيشها البلاد

ومع تأزم الأوضاع أكثر وغلاء المعيشة وأجور السكن، بات الزواج يعد ضمن الأحلام بعيدة المنال لشريحة واسعة من الشبان، في وقت تؤشر فيه الإحصائيات الرسمية تجاوز الإناث في سن الزواج حاجز 15 مليون، مقابل أكثر من 18 مليون نسمة من الذكور.

 

البطالة والفقر

ويقول مختصون، إنّ البطالة التي تفوق نسبتها 16% ونسب الفقر التي تجاوزت 25% لهذا العام، بحسب إحصائيات رسمية، توضح مدى عمق الأزمة التي يواجهها المجتمع بهذا الصدد في ظل ارتفاع تكاليف الزواج.

ويرى الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، أنّ "المعوقات الاقتصادية اليوم، مرتبطة بشكل وثيق بتحديد مسار الفرد اجتماعيًا"، مبينًا أنّ "افتقار الفرد للعمل أو ضعف الدخل بوظائف وقتية، أو وظائف غير مستقرة، يساهم بشكل أساسي في عزوف الشباب عن الإقدام على الزواج أو التفكير فيه حتى". 

ويحذر المرسومي في حديث لـ "الترا عراق"، من أنّ "حجم البطالة الحالية ونسبة الفقر، تنذر بمخاطر تجاه الأفراد، متمثلة بسلوكيات اجتماعية خطرة، وقد لا يكون مستبعد تفشي المخدرات كجزء من هذه السلوكيات". 

وسبق أنّ كشف وزير التخطيط السابق خالد بتال النجم، أنّ "تداعيات فيروس كورونا تسببت بإضافة 1.4 مليون عراقي جديد إلى إجمالي أعداد الفقراء"، مشيرًا إلى أنّ "عدد الفقراء بموجب هذا الارتفاع، بلغ 11 مليونًا و400 ألف فرد، بعدما كان قبل الأزمة حوالي 10 ملايين فرد".

 

العادات الاجتماعية والسوشيال ميديا!

إلى جانب ذلك، تعد الأعراف والعادات الاجتماعية عاملاً آخر أساسي في الأزمة، إذ تقول الباحثة الاجتماعية نادية جعفر، إنّ "الكثير من الشبان يمتنعون عن الزواج تجنبًا لغلاء المهور، وتحسبًا لمشاكل اجتماعية أخرى لا تخلو من مخاطر جسيمة كالمعارك العشائرية أو العنف الأسري".

وترى جعفر في حديث لـ "الترا عراق"، أنّ "المفاهيم الأخلاقية تغيّرت إثر التحولات الكارثية التي أصابت البلاد، خاصة بالنسبة للفتيات، حتى بات الزواج صفقة لتحقيق أحلام مادية، أو سبيلاً للتخلص من القيود الأسرية، وهو بالتأكيد منظور مجانب للصواب".

يشير مختصون إلى تأثير العادات الاجتماعية ومواقع التواصل الاجتماعي سلبًا في قضية الزواج في العراق

وتوضح جعفر، أنّ "مواقع التواصل الاجتماعي ألقت بظلالها أيضًا سلبًا بهذا الصدد"، مبينة أنّ "ما توفره مواقع التواصل من بيئة للمشاكل الأخلاقية يدفع الشبان إلى التفكير طويلاً قبل الإقدام على الارتباط بفتاة أو التفكير بالزواج".

كما تشير، إلى أنّ "الوضع الأمني والسياسي يساهم كذلك، بشكل كبير، في تردد الشبان وعزوفهم عن الزواج، خوفًا من المصير المجهول لهم ولأسرهم"، مشددة على ضرورة أنّ "تدخل الدولة لحل هذه المشكلة بتوفير فرص العمل، وتفعيل قانون الضمان الاجتماعي بصورة حقيقية، مع توعية الفتيات على الصعيد الاجتماعي بما يتعلق بتكوين الأسرة وآلية المحافظة عليها".

 

6 ملايين عاطل!

وتتجاوز نسبة الفقر في البلاد 30%، وفق تصريح لمستشار رئيس الوزراء السابق للشؤون الاقتصادية مظهر محمد صالح، بينهم مهجرون وعاطلون عن العمل إضافة إلى نحو مليوني أسرة أودت بهم أزمة الجائحة.

ويقول الخبير الاقتصادي خطاب الضامن لـ "الترا عراق"، إنّ "هناك تفاوتًا كبيرًا بين تكاليف الحياة للفرد العراقي وما يقدمه سوق العمل من رواتب، فالعاصمة بغداد تتصدر المدن الأكثر غلاء معيشة، حيث تحتاج العائلة الواحدة ذات الـ 5 أفراد إلى أكثر من مليوني دينار شهريًا، في وقت لا تتجاوز فيه أجور العمال التقليدية 25 ألف دينار يوميًا".

ويضيف الضامن، أنّ "سوق العمل في العراق لا يلبي احتياجات الفرد، وبالتالي تجد أن أغلب الشباب يتجهون إلى العمل لساعات طويلة، على أمل تغطية المتطلبات الأساسية، خاصة مع ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة في غالبها".

تواجه الأسر العراقية تكاليف هائلة مقارنة بمستوى الأجور التي يوفرها سوق العمل وسط تحذيرات من عواقب وخيمة

ويلفت الخبير الاقتصادي، إلى "عدد المتطلبات التي تثقل كاهل الأسرة في الوضع الاعتيادي، بينها أجور الطاقة الكهربائية للمولدات الأهلية، وأجور نقل الطلاب، وبدل إيجار السكن، فضلاً عن المدارس الخاصة وتكاليف خدمة الإنترنت".

وكان اتحاد العمال قد سجل وجود أكثر من 6 ملايين فرد عاطل عن العمل في البلاد، محذرًا من أنّ غياب المعالجات الحقيقية قد يقود إلى عواقب وخيمة.