29-نوفمبر-2020

(إيفانوفيتش شيشكين)

قصة قصيرة للكاتب الإيراني نادر إبراهيمي

طردوا السنجاب من الغابة الكبيرة، لأنه شتم.

بظمأ تحت أشعة الشمس، بدأ يحاسب نفسه ويعد بأصابعه الصغيرة..

"مرة أشعة نور باهتة دخلت العش ... ومرة أخرى دخلت عيوني من بين أغصان الأوراق المتربة لشجرة التفاح البري".

بهذه المعادلة إذن منذ يومين الأسد التهم بضجر أخي الكبير والصغير!

ما بين الأغصان الرفيعة لتلك الشجرة البرية مد رأسه وصرخ : "أيها الأسد الشجاع! هل برأيك كان مذاقه مُر قليلًا؟ "، والأسد بتعب وأسى سأل: ماذا يقول هذا؟ المتوددون في الغابة أجابوا: "إنه يشتم". 

إذن طردوا السنجاب من الغابة، لأنه شتم.

أصبح السنجاب وحيدًا، والوحدة منحته البدء في التفكير.

قال في سره : "العالم مليء بكل شيء، وبلا شك الغابة شيء من تلك الأشياء، سوف تؤويني غابة وشجرة تفاح برية أخرى"، وردد أغنية قديمة من أغاني الغابة الكبيرة وبدأ في السير.. 

ست مرات أشعة النور الصباحية أطلت على عينيه، وعرف أنه منذ ست أيام يسير في الطريق، مرة رأى الدنيا خضراء وشاهقة، ودخلت رائحة الغابة المألوفة لديه في أنفه، بوجد وسعادة ألقى التحية على الحراس، وقال: "أيها الناس الودودة! طردوني من الغابة الكبيرة؛ هل لي أن أسكن على جذع شجرة هنا؟ بيت جديد سوف يعمر غابتكم أكثر". 

الحراس ضحكوا وأحدهم قال: "هذه البقعة هي جزء من تلك الغابة الكبيرة، لأن الغابات في كل العالم متصلة ببعضها حتى الأغصان الرفيعة للأشجار البرية هي سلسلة منها".

الآخر قال: "أيها السنجاب الحيران، في هذه الأيام لن تجد غابة منعزلة، وحده الموت سوف يأخذك إلى غابات الجنة المعطرة، نحن جميعنا سمعنا أنك شتمت الأسد"، لكن السنجاب لم يخف ولم يفقد الأمل بأن يتم طرده من الغابات الأخرى.

الحراس ما زالوا يضحكون وهو بدأ يفكر: العالم مليء بالأشياء الكثيرة، وبلا شك غابة صغيرة مشرعة من كل الجوانب هي إحدى تلك الأشياء الكثيرة" كان يعد دوران الشمس دائمًا إلى أن فقد العَدْ وتاهت عليه الأيام.

ثم وجد مرة غابة مفتوحة من كل الجوانب، قال: "العالم لمن جد وجد" بغرور وإرهاق وعجز نام على غصن اللبلاب، لكن هناك كانت تعيش سنجابات أخرى بفصيلة مختلفة وحين استيقظ وجد نفسه وسط حلقة منهم.

آه! أعزائي! لقد طردوني من الغابة الكبيرة، صدقوني، الوحدة قد أهلكت سنجاب غير مبالي مثلي! ولو طلبوا مني أن أنسى ذلك، سوف أبكي لكم وأحكي لكم كيف سبع مرات بزغت الشمس في السماء وكيف هطل الليل وعلق فانوس القمر في السماء، أقبلوني وافتحوا لي مكان لديكم، مكان صغير جدًا..

ولأن لم يرد أحدًا قال مرة أخرى: "نعم، مكان صغير جدًا".

و ردد في سره: "أنا سوف أُعمر غابتكم".

ثم قال واحدًا منهم : "أيها السنجاب الضال! – والسنجاب، لأنه لم يسمع من قبل مفردة كهذه – ولأن يعرف أن الغابات الكبيرة المفتوحة هي تابعة للغابات المغلقة، منذ زمان بعيد منذ أن كان العالم مجرد مساحة ماء و غابة". 

- أنا سمعت هذه الحكاية وأعرف أن منذ القدم كان في العالم غابات كثيرة ونحن السنجابات من ذات الجيل، نحن أخوة.. لكن حين تفرقت الغابات نحن أيضًا افترقنا لكنني أريد مكان صغير جدًا". 

ولأنهم كانوا يطوقونه من كل جانب لم ينبس بحرف، بدأ ينظر في عيونهم ووجد غريب جاف الطباع بارد كبرد الشتاءات في الغابات يسكن فيها.

أدار وجهه وترك الغابة؛ فكر: "إنها كذبة، بلا شك أنها كذبة كبيرة بأن السنجابات أخوة".

سمعهم يقولون: أيها السنجاب الوحيد! يا ليتنا كنا نستطيع أن نأويك معنا، لكن الريح سوف تأخذ هذا النبأ والأغصان الرفيعة المتسلسلة سوف توصل الخبر إلى آذان الأسد بأننا قد آوينا السنجاب الذي شتم وهذا خلاف للعقل، لأن الكُتاب في غابتنا ذكروا في كتبهم أننا حصلنا على هذا الهدوء بثمن باهظ".

السنجاب، عبر من الهاوية الرمادية ومن أراضي القمح الصفراء ومن شدة الغضب ضحك ونظر من بعيد على جمع السنجابات أراد قول شيء لكن دموعه ملأت حدقتيه "الأجدر أن لا يلاحظوا أنهم أرغموني على البكاء"، ثم بورقة خضراء قطعها من وردة صفراء برية مسح عيونه.

قالت الوردة: "أنا، كنت أحب كثيرًا ورقتي تلك، نحن كنا نعيش سوية"

السنجاب بنفور صرخ: "أنا أيضًا كنت أحب أشياء كثيرة، على تلك الشجرة العجوز أبي قص علينا حكاية أجداده منذ ستة آلاف سنة، أنا وأخي كنا نعلق أجسادنا على أغصانها ونلعب ونصرخ ونشاكس السحالي الصغار، ونشرب من شراب العنب ونثمل ونغني" ثم ذهب..

بعد لحظة تساءل: "لماذا غضبت هكذا؟ لماذا سمحت للحزن يدخل قلبي؟ الآن العدل والظلم سيان لدي، ربما تعلمت تلك الجملة بشكل خاطئ ليتني كنت أستطيع الرجوع لأسأل أمي: "من قال العالم لمن جد وجد؟"

ثم السنجاب الضائع أراد مواساة نفسه قال: "من يمكنه أن يلحق بك الأذى، العالم مليء بالأشياء الكثيرة والصحراء واحدة منها، بدأ يدفن الزمن الذي يمضي ويسير للوصول إلى الصحراء.

وصل إلى الصحراء ورأى أمام عينيه الأرض الواسعة، صرخ: "أنتم يا من تسكنون هذه الأرض! في صحرائكم الكبيرة هل لي بمكان صغير هنا؟"

الريح جلبت معها قاصد لديه أجنحة ناعمة وبيضاء، نزل القاصد وهمس في أذن الأدغال: إياكم بقبول السنجاب! الأسد بعث لكم مرسال يحذركم كي لا تسوء العلاقات فيما بيننا".

التفت الأدغال بذعر، السنجاب حط رحاله وليل نهار رأى الأبواب مغلقة أمامه. صرخ من أعماقه: "الويل لعالمكم الذي ليس فيه مكانًا لي، أنا الصغير الذي طردت من الغابة الكبيرة، بدأ بالركض في الأراضي التي تعبر منها الأحصنة تجر ورائها العربات كانت صوت العجلات مع الأطواق المعلقة حول الأحصنة وصوت الأجراس تسمع من بعيد، وهو يركض ويركض..

أحيانًا كان يقول: "سوف أجد ضالتي، ومرة أخرى يمسك رأسه ويبكي".

لمحه مزارع في الطريق.

المزارعون كانوا يجتمعون في مقهى القرية قالوا: "هذا العام هجمت على أراضينا الفئران الكبيرة، وهذا بلاء نزل علينا، نحن لا نملك سوى هذه الأرض وليس لدينا الحبوب الكافية".

دخل الرعب في قلوب أولاد المزارعين، فرشوا شباك الصيد وحرسوا الأراضي ليل نهار، لكن السنجاب كان يركض باستمرار من جنب العجلات الكبيرة الصدئة، وأصوات السوط للحراس والرعيان.

و كلما صادف أن يفقد الطريق ويعم الظلام ينام. يشرب من الينابيع حين يعطش، رأى في بركة صغيرة أسماك حدثها.. الأسماك قالت له: نحن لم نر من قبل كائن مثلك من أين أتيت وإلى أين تتجه؟". 

السنجاب بحزن كبير يضحك ويقول: "طردوني من الغابة الكبيرة لأنني شتمت الأسد، الأسماك طلبت منه أن يبقى ضيفهم ليومين كي يحدثهم عن الغابات الكبيرة، لكنها كانت تمل بسرعة وتقول: أنت حزين، وحديثك يفسد سعادتنا أذهب من هنا وأفرش بساطك في مكان آخر.

في مرة أخرى أيضًا رأى النحل وفتح باب الحديث معهم، جلس على ركبتيه وبدأ يحكي لهم "أيها النحل العزيز! قرأت حكايتكم سابقًا في الكتب والنحل حين سمعت أنها مذكورة في الكتب، ابتهجت وبدأت تصفق وأدارت حوله..

- أحكي لنا! قل ماذا يوجد عنا في تلك الكتب؟

ثم كان يجلس أمام بيوت النمل ويقول تلك الجملة مجددًا، أيها النمل العزيز قرأت حكايتكم في الكتب سابقًا.

وعبر الوقت قليلًا؛ بدأ يضجر من النحل والأسماك والنمل لأنه رأى ليس له متسع من المكان في بيوتهم. 

أكمل السير على الطريق الأحمر لمغيب الشمس، الريح من بعيد كانت تحرك أغصان الصفصاف والسنجاب فكر: "كل هؤلاء تعودوا على أوطانهم، بنوها لكن أنا الضال بلا مأوى"..

بدأ يفكر تفكير يائس له طعم شراب العنب العتيق الذي كان يشربه سابقًا مع أخوته، ويومًا من الأيام عجلة كبيرة من تلك العجلات الصدئة فتحت طريقها في منتصف رأسه.

السائق شارد الذهن كان ينظر على أراضي القمح الذهبية ويقرأ أغنية قديمة من بلاده. 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

حوار مع الروائي محسن ضيهود.. جنة الأسئلة أو جحيمها الهائل

أنا محمد المدفون

دلالات: