13-أبريل-2020

على نهر دجلة في بغداد (Getty)

فلأبدأ أولاً بتصحيح التباس ورد في المقالة السابقة عن شعراء آذار، وسببه أنني اعتمدت على ذاكرتي فأوردت أنّ الاسم المستعار (أحمد الآذاري) يعود للصديق أحمد الهاشم، وهذا لم يكن صحيحًا. الصحيح أنّ الاسم يعود إلى عبد الرزاق علي الذي لم أكن أعرفه شخصيًا آنذاك، ثمّ علمت منذ سنوات، بعد تعرّفي إليه، أنه كان العضو الأبرز في الجماعة، بل إليه يرجع الفضل في ولادة تجربة الآذاريين وإيصال الملفين إلى الحزب الشيوعي ومجلته (الثقافة الجديدة)، عن طريق صديقه ضياء حميو. كانت مغامرة عبد الرزاق عجيبة وعرض نفسه خلالها لخطر قاتل فهو خبأ القصائد في دفتر محاضرات الفلسفة. دعوا هذه المغامرة لحينها وتعالوا معي لنتدرج في الحكاية بغية توثيقها بعد قرابة ثلاثة عقود من زمنها.

لابد هنا من التوقف عند ضياء حميو، الشيوعي الوحيد المنظّم في الجماعة، والذي مثّل حلقة الوصل بيننا والحزب باجتهاد منه. شخصيًا لم التق بضياء المتنقل حاليًا بين الدنمارك والمغرب، لكنني سمعت بدوره آنذاك من صديقيّ اللذين هما صديقاه، أحمد حسين وسعيد عبد الهادي المرهج. وقبلهما ضياء صديق حميم لعبد الرزاق علي، جمعهما الشعر والانتماء لليسار. لكن ضياء يختلف عن الجميع بكونه شيوعيًا منظمًا، وكان انتمى للحزب في عمر باكر منذ عام 1986 (هو من مواليد 1966)، ونشط حتى قاد تنظيمًا يمتدّ في خمس محافظات هي بغداد وبابل وكربلاء والنجف والديوانية. في نهاية الثمانينيات، بعد حملة صدام ضد الشيوعيين والبيشمركة، تفرّق رفاق ضياء أيدي سبأ بين إيران وسوريا وتركيا فانقطع اتصاله بمسؤوليه في الحزب. وحين اندلعت الانتفاضة، كان صاحبنا ينهي سنته الأخيرة في كلية آداب صلاح الدين بأربيل. ثمّ حدث أن ذهب إلى دهوك بحثًا عمن تبقّى من الرفاق فوجد أنّ أغلبهم، كردة فعل على تفكك قاطرة الاتحاد السوفيتي العملاقة وما تبع ذلك من انهيار للأحزاب الشيوعية في العالم، قد انضموا إلى تيارات جديدة ذات طابع راديكالي متطرّف، تيارات سوف تلتئم لاحقًا لتشكل ما بات يعرف بالحزب الشيوعي العمالي، وهو حزب تكونت فروعه في إيران والعراق وتركيا والهند، وكان منظره الأول هو الإيراني منصور حكمت المتوفى عام 2002.

تتذكرون أنني حدثتكم في مقالة سابقة عن صديقي الذي كان أحد كوادر ذلك الحزب البارزة. والطريف هنا أنني حين سألت ضياء حميو عن ذلك الرجل عرفه فورًا، ويبدو أنه التقاه في زاخو أو أربيل حيث كان صديقي "العمالي" دائب الذهاب إلى هناك. كان بعد كلّ زيارة يأتيني بدراجته الهوائية وهو يخبيء أعدادًا من جريدتهم الرسمية (إلى الأمام). كنت أيامها أواري الأعداد خلف الكتب في مكتبتي الصغيرة. وفي ذات يوم، عثر أبي عليها فجُن جنونه وحذرني بعبارات حادة. بغريزته استشعر أن ثمّة من يريد تنظيمي فنصحني بعدم الانجرار لأنّ هؤلاء "هواة" ومؤكد أنهم "مخترقون" من أجهزة الأمن.

بالعودة إلى ضياء حميو، الشيوعي المحترف، فإنه سرعان ما عثر على مقر للحزب الشيوعي في زاخو لأن هذه المدينة بالذات ظلّت بعيدة عن سيطرة قوات صدام، وبهذا أعاد الصلة مع حزبه الذي يعشق. ولكن ما علاقة تلك العودة بملف الشعراء الآذاريين؟ علاقتها أنّ أحد رفاق ضياء في ذلك المقر، بعد أن عرف أن له صلة بعوالم الشعر، أبلغه برغبة (الثقافة الجديدة)، خصوصًا الشاعر الراحل مهدي محمد علي، في التواصل مع نتاجات أدبية من داخل الجحيم. لم يجب ضياء ساعتها، لكن الفكرة ظلت ترنّ في ذهنه حتى عاد إلى أربيل والتقى بصديقه عبد الرزاق علي. وحين طرح عليه الفكرة وجد عنده حماسًا كبيرًا فقررا تنفيذها ومفاتحة أصدقائهما ببغداد. وهكذا صرنا في الطريق لولادة جماعة الآذاريين.

يا للحكاية الغرائبية ويا للشعراء المجانين! 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

جماعة الآذاريين.. انتفاضة فانتازية

أعتذر .. أنا مثقف ولست شيوعيًا!