04-مارس-2020

الشاعر في زمن غريب (بسيم الريس)

لا أعرف اسم أول شاعر عرفه التاريخ، لكن أول شاعر عرفته أنا كان اسمه "الله"، ومنه عرفت أن القصائد يجب أن تكتب بيدين خفيفتين. لقد كتب التاريخ أسماء شعراء كثيرة، ولو بحثنا في محرّك البحث "گوگل" عن اسم أفضل شاعر شهده التاريخ، لذكر لنا أسماء عديدة، لكننا لو سألنا من هو شاعر الثورة الإسباني لأجابنا: لوركا، ولو سألناه من هو الشاعر الذين أهان الحكام، لأجابنا: مظفر النواب.

في ظل هيمنة الأحزاب الفاسدة على البلاد، طرأ العديد من الشعراء الذين يصنعون النص، بيد أن النص الشعري يجب أن يولد لا أن يصنع

معظم الشعراء في العالم يستخدمون لغة الرفض والاحتجاج، ولو أخذنا لمحة عن الشعر لوجدناه هو الآخر متمردًا، لأن كل التطورات التي طرأت عليه، جعلته عاريًا من القيود، قريبًا من المعنى، وعلى سبيل المثال، لو سألنا "گوگل"، من هم رواد حركة الشعر الحر؟ لكتب لنا أسماء أهم الشعراء؛ منهم بدر شاكر السياب، أدونيس، نازك الملائكة، صلاح عبد الصبور. إنهم شعراء وقفوا مع الشعر في تمرده وكتبوا في الهواء الطلق دون القيود التي تفرضها التصورات التقليدية، اجتماعية ودينية وثقافية.

اقرأ/ي أيضًا: الشعر روح الرفض في زمن الاستبداد

لا يمكنني أن اقرأ نصًا خجولًا أو منمقًا، ولا أعرف لماذا يكتب الشاعر إن كان ينطوي على ذاته في نصه الشعري؟! لا يمكنني أن أكمل نصًا لشاعر يديه ثقيلتين، لكن اليوم وفي ظل هيمنة الأحزاب الطائفية والفاسدة على البلاد، طرأ العديد من الشعراء الذين يصنعون النص، بيد أن النص الشعري يجب أن يولد لا أن يصنع! عملية المخاض يجب أن تكون صادقة، كي لا تلد لنا نصًا، مشوهًا، متملقًا!

من المؤسف أن نتكلم عن الشعر والأحزاب في آن واحد، ولطالما كان الشعراء يوجهون النقد اللاذع للسلطات الفاسدة وللأنظمة المستبدة بمختلف توجهاتها، كان الشعر يترجم الآلام التي تحفرها السياط على ظهور المظلومين في مختلف البلدان.

يقول مظفر النواب:

يا حكامًا مهزومين

ويا جمهورًا مهزومًا

ما أوسخنا

لا أستثني أحدًا.  

هذا النوع من الشعراء أصبح ظاهرة بعد أن بسطت الأحزاب ذراعيها للشعراء، فاليوم الشاعر المتحزب يكتب النص بالسلاح لا باللغة، وإن صحت التسمية فيما بعد، سنبحث في گوگل:

"من هم أهم شعراء الميليشيات في العراق؟"

ليجيبنا:

- فلان الفلاني التابع لهذه الجهة أو لهذه الطائفة، في سياق التوزيع المكوناتي للنظام السياسي العراقي! وفي الوقت الذي يجب أن يكون فيه الشاعر رادعًا قويًا، بات اليوم لينًا ومتملقًا للأنظمة الفاسدة، ولا أعرف كيف يستطيع الشاعر أن يكون مثقلًا بالانتماءات بينما من البديهيات، أنه يجب أن يكون حرًا، متمردًا.

هؤلاء الشعراء الذين نراهم في الشأن العام يساهمون في إضعاف الأصوات الحرة، وانحدار الذوق العام، فمنذ متى يهتم القاتل بالشعر؟! واليوم؛ المؤسسات التي تحتضن الشعراء، تسرق الأموال من البلاد في الصباح، وتعقد الأمسيات الشعرية في المساء، ثم تمشي فوق جثث الموتى في الظلام!

المؤسسات التي تحتضن الشعراء، تسرق الأموال في الصباح، وتعقد الأمسيات الشعرية في المساء

وإن كان النص الشعري اليوم خجولًا ومتملقًا للفاسدين، لا عجب أن نراه فيما بعد متدينًا أو محجبًا!

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

حوار جماعي | الشعر في زمن الثورة.. هل للدم في فم الشاعر طعم الاضطهاد؟

الشعر الميّت على فيسبوك