04-أكتوبر-2022
الصحافة الورقية في العراق

الصحافة الورقية في العراق تقترب من توديع القرّاء (فرانس برس)

على غرار العالم أجمع، تمر الصحافة الورقية في العراق، رغم تاريخها الحافل، بأسوأ مراحلها، ما بات يهدد بتوديع قرائها.

الصحافة الورقية في العراق مهددة بفعل التطور التكنولوجي وقلة التمويل المالي

وتعاني هذه الصحف من قلة التمويل المالي، الأمر الذي يتزامن مع التطور التكنولوجي وسرعة نقل الأخبار والأحداث سواءً عبر المواقع الإلكترونية الإخبارية أو مواقع التواصل الاجتماعي.

وتحتفل الصحافة العراقية بعيدها في 15 حزيران/يونيو من كل عام، التاريخ الذي يتزامن مع الذكرى السنوية لصحيفة الزوراء التي تعد من أول الصحف التي صدرت بالعراق في العام 1869، والتي استمرت لـ 48 عامًا، فيما أغلقت يوم 11 آذار/مارس 1917، قبل أن تعاود نقابة الصحفيين العراقيين إصدارها صيف العام 2012.

المجتمع يلجأ للصحافة الرقمية

فلاح المشعل، صحفي وكاتب عراقي، يقول إن "تراجع الصحافة الورقية جاء من منطق التطور ودخول الصحافة عالم التقنيات والبث الفضائي الذي جاء متساوقًا مع منهجيات التطور التي شملت جميع مناحي الحياة، وجعلت البشر في الكوكب الأرضي يتشاركون في (أريكة واحدة)".

وفي حديث لـ "ألترا عراق"، يشير المشعل، إلى أن "الصحافة الورقية مكثت نحو أربعة عقود أو أكثر، وكانت لرائحة الورق والأحبار أثر نفسي يتشارك في إعطاء نكهة للمعلومة أو الخبر الذي تنشره الجريدة، وإذ تحتل الجريدة الورقية مركز الصدارة، أو تسمى صاحبة الجلالة؛ نظرًا لأثرها في الوعي العام ونشر المعلومة السياسية، فإنها ما زالت تمثل مركز الاهتمام لدى عشاقها رغم انحسار انتشارها ومضي المجتمع نحو الصحافة الرقمية المقروءة عبر شاشة الحاسوب أو عبر الهاتف النقال عبر الإنترنت، الأمر الذي جعل الصحافة الورقية تتراجع ولم تعد تحتل واجهات المحلات أو الأسواق".

مضى المجتمع نحو الصحافة الرقمية المقروءة عبر شاشة الحاسوب أو الهاتف النقال ولم يعد القراء يتجمعون حول بائع الصحف كل صباح

ويستطرد المشعل، قائلًا: "لقد غادر ذلك المنظر الأثير حيث كانت الناس تتجمع حول بائع الصحف في كل صباح، أو تتزاحم عليه في محطات القطارات أو مرآب حافلات النقل العام".

ويضيف المشعل: "رحلت الصحافة الورقية، وبقية الصحافة تحاور، وتصارع بقية وسائل البث والمعرفة والإمتاع، تلك مقتضيات التطور التي تجعل الناس تلاحقها وتندمج معها".

وكان أعداد الصحف في الأعوام التي سبقت 2003، لا تتجاوز أصابع اليد، وبالتحديد 9 صحف فقط، إلا أن الأعوام التي تلتها تولدت فوضى كبيرة في إصدار الصحف إذ تجاوزت حسب التقديرات 170 صحيفة يومية وأسبوعية.

يقول الصحفي، هادي جلو مرعي، إن "الصحافة الورقية لم تعد هدفًا للقراء، ولم تعد قادرة على المنافسة مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة والتقنيات الهائلة والتلفزيون والإذاعة ووكالات الأنباء التي أخذت الاهتمام الأكبر من الجمهور الذي لم يعد ينتظر وصول الخبر بطريقة تقليدية".

وبشأن عدم قدرة العراق على المحافظة عليها، يرى مرعي خلال حديثه لـ "ألترا عراق"، أن "العراق بلد يعاني من مشكلات في الإدارة وتنظيم وسائل الإعلام، وهو يصارع من أجل الاستقرار، كما أنه ليس منفردًا عن العالم في التعاطي مع الحداثة والتقنيات المتجددة، فضلًا عن التكلفة العالية التي ترهق أي ميزانية ممكنة؛ ولهذا يبتعد الناس بمسافة عن البقاء في دائرة الاهتمام بالصحافة الورقية".

صراع التطور التكنولوجي

"أزمة انحسار الصحافة الورقية هي عالمية، وليست أزمة يعاني منها العراق فقط، وإنما تعاني منها كبريات المؤسسات الصحفية، الأمر الذي جعل معظمها تقوم بتحويل موقعها الإلكتروني إلى خدمة مشتركة مقابل مبلغ أسبوعي أو شهري"، يقول الصحفي سلام زيدان.

تصدر الصحافة الورقية في العراق بواسطة أشخاص معدودين مما يفقدها عنصر الجذب والمنافسة

ويضيف: "المشكلة في المنطقة العربية، ما زالت عملية الدفع مقابل القراءة والحصول على التحليلات ضعيفة جدًا، مما سبب مشاكل كبيرة جدًا للمؤسسات الصحفية".

ويشير زيدان في حديث لـ"ألترا عراق"، إلى أن "الصحافة الورقية في العراق تعاني اليوم من تراجع كبير، فهناك شخصان أو ثلاثة يقومون بإصدارها، مما تتفقد إلى التحليل والأخبار الخاصة التي هي عنصر الجذب والمنافسة، وأصبحت تعتمد على بعض الإعلانات التي تعطيها المؤسسات الحكومية".

وفقًا لكلام زيدان، فأن وسائل الإعلام مثل الصحافة والمواقع الإخبارية انحسرت، بل أصبح هناك حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك وتويتر وانستغرام وتليغرام)، تنافس الصحفيين وهم غير صحفيين.

وتوجهت أغلب الصحف، التي ما تزال تصارع من أجل البقاء، إلى تسريح أغلب صحفيها مع تقليص الصحفات والأعداد، في حين اعتمدت صحف أخرى على طباعة الأعداد في حال وجود إعلانات، وفي الأيام الأخرى ينشر العدد فقط على موقعها الإلكتروني.

السلطة والنقابة وراء الاندثار

إلى ذلك، يقول صحفيون آخرون، خلال حديثهم لـ "ألترا عراق"، إن "الصحافة في العراق بعد العام 2003، ولدت من رحم فوضى سياسية كون أن أغلب الأحزاب أقدمت على فتح مئات الصحف والمجلات مع وجود التطور التكنولوجي".

جرى تسريح عدد كبير من الصحفيين في أغلب الصحف الورقية في العراق، واعتمدت أخرى على الإعلانات للإصدار

الصحفيون، يعتقدون أن الطبقة السياسية كانت وراء اندثار الصحافة الورقية في العراق، رغم معاناتها في عموم العالم، إلا أنهم لا يضعوا أهمية للمصلحة العامة ولا يهتمون بثقافة وتأريخ الصحيفة الورقية وغير مبالين في حال إغلاق الجريدة من عدمها.

ووفقًا لحديثهم، فأن نقابة الصحفيين لم تضع السبل المهمة لديمومة عمل الصحف المعروفة التي ودعت قراءها على مضض بعد تقشف الأموال التي كانت تساندها خصوصًا، وهي تحتاج إلى أموال كبيرة من أجل إصدار العدد الواحد.

وعلى الرغم من قدم الصحافة المكتوبة في العراق والتي كانت لها صولات وجولات وأدوار كبيرة في الثورات التي حاربت الاحتلال في قديم الزمان، إلا أنها قد بدأت تصبح هي الأخرى من الماضي.