20-أكتوبر-2022
مقتدى الصدر

قرار استقالة نواب الكتلة الصدرية كان خاطئًا  (فيسبوك)

السيد مقتدى الصدر، وبوصفه فاعلًا سياسيًا ولاعبًا رئيسيًا ساهم في تشكيل الحكومات السابقة، في موقف لا يُحسَدُ عليه. وحتى هذه اللحظة التي نكتب فيها هذا المقال، ذهبت رهانات الصدر أدراج الرياح بخصوص ربح الجولة البرلمانية والهيمنة السياسية، باعتباره يشكل أغلبية تتكون من 73 مقعدًا. وهذه النسبة هي الحلم الذي كان يداعب مخيلة الكتل السياسية.

 السياق الطائفي يلقي بظلاله على المشهد السياسي ويحيل العملية الديمقراطية إلى أداة طيّعة بيد الأغلبية الطائفية

وحده الصدر من حاز هذا القدح المُعلّى والنصيب الأوفى عبر عملية تنظيمية محكمة سبقت الانتخابات. لكن جرت رياح "العراق الديمقراطي" بما لا تشتهي سفن التيار الطموح والمليء بالتصريحات والوعود الحماسية على لسان الكتلة الصدرية. فكان الإطار الغريم الصعب (الثلث المعطل) في بلد تأسس نظامه الانتخابي على غوامض ومعميات هي إلى الطلاسم أقرب منها إلى النصوص الصريحة، حتى بات مفهوم الأغلبية من أعقد النصوص التي تتطلب من القضاء قدرة استثنائية لتفسير هذه المفهوم "الميتافيزيقي".

ماذا تعني فقرة الأغلبية، أهي الكتلة التي فازت في الانتخابات بأكثر الأصوات فبالتالي ينبغي عليها تشكيل الحكومة، أم الكتلة النيابية التي دخلت في تحالفات وحققت أكثر عدد ممكن من المقاعد النيابية، أم لا هذا ولا ذاك؟! ذلك أن "المكون الشيعي" هو العنوان الأبرز لمفهوم الأغلبية حتى لو حقق غيره أغلبية مريحة. وتاريخ الإخفاق الديمقراطي التي منيت به كتلة العراقية بزعامة أياد علاوي آنذاك ليس بعيد. نخلص إلى نتيجة، فيما يخص مفهوم الأغلبية، أن السياق الطائفي يلقي بظلاله على المشهد السياسي ويحيل العملية الديمقراطية إلى أداة طيّعة بيد الأغلبية الطائفية، فلا أغلبية أصوات ولا من يحزنون!

بكل الأحوال، حاول الصدر خوض غمار هذه المعمعة وترسيخ مفهوم الأغلبية الديمقراطي (رغم الشكوك التي تحوم حول نواياه باعتبارها ليست دوافع ديمقراطية بقدر ما هي سلطوية محض) والمضي قدمًا بالإصلاحات التي ينادي بها طيلة سنين ولم يتحقق شيء منها، بفعل الفساد الإداري والمالي والمحسوبيات، التي كان التيار الصدري جزءًا منها بلا شك، كونه شريك في العملية السياسية. وكان الصدر يحدث بين الحين والآخر بعض التعديلات والانسحابات تلافيًا لفساد كتلته السياسية.

 على أي حال، حدث ما لم يكن في حسبان الجميع: أصدر الصدر، قرارًا صادمًا من خلال سحب كتلته السياسية ذات الـ 73 مقعدًا، بعد أن حاول بشتى السبل أن يشكّل الحكومة التي كان يترقبها الجميع، وكان الثلث المعطل (البدعة الجديدة) سكين خاصرة حالت دون تحقيق النصاب. استجابت الجماهير لتغريدات الصدر فهبّت غاضبة نحو مبنى البرلمان وظلت هناك لحين صدور الأوامر الجديدة.

 غرّد الصدر موضحًا أنه في حلٍ مما سيحدث، وأنه رفع يده من حراك جمهوره، حيث أمر اللجان التنظيمية التي كانت تشرف على سير التظاهرات بالانسحاب، في إشارة منه إلى الحذر من الغضبة القادمة،  ثم آلت الأمور لاحقًا إلى الصدام المباشر وسقط على إثر هذا الصدام أعداد قليلة من الجرحى والقتلى من الطرفين، وعاشت العاصمة بغداد على إثر ذلك ليلة كئيبة وغامضة حافلة بالاحتمالات والأوهام والأمنيات الحالمة. توقفت أعمال العنف في اليوم الثاني وخرج الصدر غاضبًا في مؤتمر صحفي ليحكم "أن القاتل والمقتول في النار"! ثم بادر أعلام التيار الصدري مستدركًا "المقصود بالقاتل والمقتول هم من الطرف الآخر".

السيد الصدر واقع بين كماشتين: إنه لا يشجع على مجابهة مسلحة، لأنها ستفتح بوابة دم ليس لها نهاية، وهو يعلم ذلك تمامًا، وسيكون ميزان الأحداث ليس بيده على الإطلاق، نظرًا للدعم الذي تحظى به الجهات الأخرى، فضلًا عن طاحونة العنف التي ستحرق البلاد ولا يسلم منها أحد. ويرفض الحوار معهم، لأنه سيمنحهم الشرعية بتلك الخطوة، وهذا آخر ما يفكر به.

أعتقد، وربما أكون مخطئًا، أن الصدر أخطأ يوم سحب نوابه من البرلمان. لأنه في الحالتين-السابقة والحالية- سيقلب الطاولة ويؤخر تشكيل الحكومة. لو اختار المعارضة في البداية لكانت الأمور أهون بكثير. عمومًا لم يتبق للسيد الصدر سوى مشاكستهم والتنغيص عليهم عبر الفعاليات المسموح بها في الدستور العراقي. لكن مثلما قلنا كان الأولى أن يعمل على ذلك عندما كان يمتلك 73 نائبًا.

 وبالرغم من التأييد العام لمبدأ الأغلبية من قبل خصوم الصدريين، لكن المشهد السياسي أكثر تعقيدًا، إذ لم يستطع السيد الصدر كسب ود الشارع العراقي واستمالتهم نحو مطالبه السياسية نظرًا للشكوك التي تحوم حول قراراته السياسية من قبل فئات ليست قليلة، ومنها بالطبع الجمهور المؤيد لانتفاضة تشرين. وهذا ما جعل الحراك الصدري الأخير ينحصر بالجانب الفئوي، أي ينحصر بالصدريين فقط.

قرار استقالة نواب الكتلة الصدرية كان خاطئًا 

هل كانت خطوات السيد مقتدى الصدر مُخطط لها جيدًا؟ هل كانت معلومة العواقب؟ هل كان السيد الصدر مرتجلًا ومتسرعًا في قراره الأخير، أم أن الموضوع ينطوي على خطة محكمة، وما هي يا ترى؟ هل كان قرارًا تم التصويت عليه بالإجماع ومن من قبل مستشارين سياسيين؟ أم أنه قرار فردي؟ لا توجد إجابة حتى هذه اللحظة سوى بعض التأويلات التي لا تمنحنا قاعدة بيانات كافية لتحليل هذا القرار السياسي الغريب. قرار ضحى بمكتسبات الكتلة الصدرية إلى غير رجعة.

دلالات: