ثقافة وفنون

العرافة

2 أغسطس 2018
14cover-jumbo.jpg
صورة في البصرة لـ باولو بيليبرين
علي رياض
علي رياضشاعر من العراق

لم أكن الرجل الذي يؤمن بالسحر والتنجيم، لكن شيئًا ما كان يناديني من تلك الزاوية، كانت أيادي الأرواح والاشباح والشياطين والملائكة تعمل في خدمتها، وكانت تخرج من الفتحة الصغير أسفل الباب الخشبي الضيق زاحفة على الأرض، وتمسك جميع أيادي هذه الخلطة الفانتازية بقدميَّ وتجرني إلى الزاوية، ولم أكن ارغب بمقاومة الذهاب إليها.

طرقت الباب فتسببت الطرقة بفتحه إذ لم يكن الباب موصدًا، ولم أجد أحدًا سواها داخل الغرفة، كانت تجلس على الأرض وقد امتلأ وجهها بوشم نقطي أخضر. قرأت عليها السلام فقالت اجلس، ثم سألتني إن كنت قد بدأت بالكتابة فعلًا أم ما زلت مترددًا، وقد صعقني ذلك إذ لم أخبر أحدًا بشأن الرواية، ثم قالت بحزم: تكلم أو اخرج، لا تعكر لي عزلتي دون فائدة، فأخبرتها أنني قلق بشأن مصير الرواية بعد كتابتها، من سيقرأها وماذا سيقول عنها. غيرت من طريقة جلوسها وتركت على وجهها المجعد الابتسامة تنمو، وعليَّ أن أقول إن ابتسامة على وجه كوجهها كان آخر ظنوني، قالت لي: السلام عليك الآن، يبدو أنك في حاجة إليه، على يمينك حوض ماء فخاري فيه مغرفة، اشرب منه رشفة ستشعر بالراحة، وكانت المغرفة فضية منقوشة بالطلاسم والماء ذو برودة غريبة، يمكن القول: مثالية. شربت، فشعرت بالماء يسري في عروقي، ثم نزل على رأسي هدوء باهر، كأن يد ملاك تمسح على شعري، اصطفت الأفكار في طابور أمام لساني، وبدأت أسرد لها القلق الذي ينتابني تجاه الرواية بالتفصيل، أستطيع أن أجزم أن جفنا لها لم يتحرك طيلة حديثي، أذكر مما قلت: إنني أخاف أن أرمي كتابي في العراء، الرواية في رأسي كاملة تمامًا وما عليّ سوى أن أطلق أصابعي على مفاتيح الحاسوب لتنقلها على القرطاس الافتراضي ثم أرسلها إلى الناشر. لكنني خائف يا أمي، قلت يا أمي، وكانت الكلمة عفوية وصادقة على نحو غريب، لم أدرك ذلك حتى عدت إلى البيت وتذكرت ما حدث في تلك الزاوية. أخبرتها أن للفكرة أجنحة رقيقة، وأخاف أن تحط على الأشواك فتدمى، وذنب دم الفكرة أثقل من ذنب دم البشر.

سالت دموعي وأنا أتحدث عن الرجل الذي اغتيل في رحم أمه فلم يمت وعاش ثلاثمئة سنة، وعن أزمة البدايات لديه، وبيته، وجبله، وكانت تعرف كل ذلك إلا أنها لم تقاطعني، بعدما بانت لها حاجتي في الحديث. انتهيت من الحديث فقالت لي اذهب واشرب رشفة ثانية من الماء، ستساعدك باتخاذ قرارك بين خيارين سأضعهما أمامك، وسيكونان بنفس القدر من القسوة، بعد أن شربت قالت لي: يا بني.. ستمضي عشرون سنة على الرواية دون أن تقرأها الروح مع العين، ستمر على الأسطر في الرؤوس كما يمر البذار في الأرض البور، وستشتت الريح أفكارك في أزقة تفاهة العصر، وسيمزق الأطفال نسخ كثيرة منها، بعد أن اشتروها أهاليهم وتركوها غريبة على الرفوف الدنيا، سيمتدحك الجاهل ويذمك الجاهل، وسيؤلمك الاثنان وتحرق التعاسة روحك ولن تكتب حرفا خلال عشرين سنة حتى تلتقط تلك الفتاة التي ولدت اليوم، في اللحظة التي خطت قدماك عتبتي، روايتك من على رصيف لبيع الكتب المستعملة، ستجلس في غرفتها ليلًا وتقرأها، ولن تنام، ستبكي وتضحك، وتقتفي أثر الرجل ذا الثلاثمئة عام، وتأخذ الحكمة مما كتبت كاملة وتعيش فيها بقية عمرها ولن تفرط بحرف أبدا. سيحدث ذلك في منتصف الظهيرة من اليوم الاول من شهر تموز بعد عشرين عامًا تمامًا من هذا اليوم، وأستطيع أن أدلك على محل سكنها، وعنوان بريدها الإلكتروني ورقم هاتفها، وكل ما يخصها بعد عشرين عامًا من الآن. أظنك قد عرفت الخيارين القاسيين، لكن عليك أن تعدني بشيء، إن كنت ستتراجع عن نشر روايتك، أكتب لها رسالة تستلمها في الموعد الذي كان يجب أن تشري فيه الرواية، وأرى في عينيك أن هذا ما ستفعله.

وعدتها وخرجت، وحين عدت في اليوم التالي كان جيرانها يتجمهرون أمام باب الزاوية، خرج رجلان يحملان شيئًا ملفوفًا بملاءة بيضاء، وكان هذا الشيء جثة العرافة الطيبة، قررت في ذلك الحين ألا اختار أحد الامرين، بل اختارهما معا: أكملت كتابة الرواية وها أنا الآن أكمل رسالتي إليكِ، ستصلك النسخة الإلكترونية بعد أن تصل هذه الرسالة، اقرأيها ولا أظن أن هناك حاجة لي بإخبارك أن لا ترسلي الرواية لأحد آخر، هذه الرواية كتبت لقارئ واحد، هو أنت.

 

اقرأ/ي أيضًا:

طائش وسنتمنتالي

كالشوك الأبيض على الصبار

الكلمات المفتاحية

وفاة الشاعر موفق محمد

كتب "أبو خمرة" للحزن وناضل بالكلمة.. وفاة الشاعر موفق محمد

وفاة الشاعر العراقي موفق محمد عن عمر ناهز 77 عامًا


سعيد أفندي

لجنة عراقية تختار فيلم "سعيد أفندي" لتمثيل العراق في مهرجان "كان"

اختيار فيلم سعيد أفندي لتمثيل العراق رسميًا في الدورة 78 من مهرجان كان السينمائي الدولي


العراق يشارك في مهرجان كان السينمائي

العراق يشارك في مهرجان كان السينمائي للمرة الأولى.. وجوائز تنتظر أفلامًا عربية

جناح خاص للعراق في سوق أفلام مهرجان كان السينمائي الدولي 2025


جواد محسن

العراق يودع مطرب "قطار العمر".. جواد محسن رحل إثر سكتة مفاجئة

نعت وزارة الثقافة والسياحة والآثار وفاة الفنان العراقي جواد محسن الذي توقف إثر سكتة قلبية مفاجئة

نفط
اقتصاد

نيران الحرب تصيب العراق.. ماذا حدث لناقلة النفط قرب مضيق هرمز؟

تفاصيل جديدة عن حادثة احتراق ناقلة تحمل شحنة ضخمة من النفط العراقي كانت متجهة إلى الصين ومدى تعلقها بالحرب بين الكيان الصهيوني وإيران

الخطوط الجوية في البصرة
منوعات

موقف الأجواء العراقية.. الخطوط الجوية المحلية تستأنف رحلاتها في مطار البصرة فقط

الخطوط الجوية العراقية تستأنف رحلاتها من مطار البصرة الدولي خلال النهار مع استمرار إيقاف حركة الطيران في المطارات الأخرى


الاستمارة الخاصة بهوية حيازة وحمل السلاح
مجتمع

استمارة خاصة بهوية حيازة وحمل السلاح في العراق.. رابط إلكتروني وباركود

الداخلية تنشر رابطًا إلكترونيًا بهدف "تبسيط إجراءات معاملة إجازة السلاح"

ابو عائشة العراقي
أخبار

الثاني خلال 3 أشهر.. اغتيال "أبو عائشة العراقي" في إدلب السورية

يرجح أن "أبو عائشة العراقي" عمل في هيئة تحرير الشام سابقًا

الأكثر قراءة

1
سياسة

الحرب على إيران.. العراق يرفع شكوى إلى مجلس الأمن ويتلقى تطمينات أميركية


2
مجتمع

تقارير برلمانية تؤشر ازدياد حالات التسمم الغذائي لمرتادي المطاعم وطالبي "الدلفري"


3
منوعات

الاتحاد الدولي يدرس طلب العراق العاجل قبل مواجهة الأردن في تصفيات المونديال


4
سياسة

خاص| العراق أصبح بـ19 محافظة.. تفاصيل استحداث "حلبجة" والخلافات السياسية والقانونية حولها


5
مجتمع

التربية: المفصولون بالغياب غير مشمولين بالدخول الشامل