08-يونيو-2016

(Getty) ليس أمام الحكومة العراقية إلا أن تعمل جادة على عدم السماح لمرتكبي الانتهاكات بالإفلات من العقاب

العراق من البلدان المتقدمة في القوائم الدولية التي تتحدث عن حالات الإفلات من العقاب. فالعدالة فيه أصبحت مشوهة وتتعامل بانتقائية، والمجرم ومرتكب الانتهاك يتمتع بحرية كاملة، بينما تبقى الضحية قلقة وخائفة من حدوث انتهاك جديد بحقها.

سمح العراق طوال السنوات الماضية لأعداد كبيرة من مرتكبي الانتهاكات بالإفلات من العقاب

سمح العراق طوال السنوات الماضية لأعداد كبيرة من مرتكبي الانتهاكات من الذين ينتمون للجهات الحكومية أو الموالية لها، أو المدنيين، أو أولئك الذين ينتمون للجماعات الإرهابية المعروفة، بالإفلات من العقاب، وفي ذات الوقت لم ينصف الضحايا الذين انتهكت حقوقهم. "هيومن رايتس ووتش"، وهي منظمة دولية للدفاع عن حقوق الإنسان، أصدرت في كانون الثاني/يناير الماضي تقريرًا عن حالات الإفلات من العقاب، واعتبرت العراق من البلدان المتقدمة في ذلك.

اقرأ/ي أيضًا: الإرهاب الفلسطيني في العراق!

في بلد مثل العراق تنتشر فيه الجماعات المسلحة ويتواجد السلاح في كل منزل، وتتغلب سطوة الأحزاب على القانون، وتتخوف السلطات الأمنية من تنفيذ الأوامر القضائية بحق مرتكبي الانتهاكات من عواقب الأمر، كل هذه مؤشرات وعوامل تخلق بيئة صالحة للإفلات من العقاب.

ارتكبت منذ عام 2003 وحتى الآن جرائم لا يُمكن عدها، وضحايا ربما تجاوزوا المليون ضحية. أمام كل هذه المأساة كان القضاء العراقي عاجزًا عن تحقيق العدالة، وكانت الحكومات المتعاقبة متهاونة في دعم القضاء لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا، فكان هناك تكرارًا متوقعًا ومضاعفًا للانتهاكات.

لا تعي الحكومات العراقية أهمية الكشف عن مرتكبي الانتهاكات وتقديمهم للعدالة، كما أنها لا تعي خطورة استمرار حالات الإفلات من العقاب، فأهمية الكشف تجعل العراق متقدمًا في هذا الملف ويكون ملفه الإنساني أقل سوداوية، بينما استمرار الإفلات، سيجعله في مقدمة أي تقرير عن البلدان ذات البيئة السيئة لملف حقوق الإنسان.

القضاء العراقي بعد عام 2003، وحتى في زمن صدام حسين، كان دائم الخضوع لضغوط السلطات التنفيذية

اقرأ/ي أيضًا: نادي المكتئبين

ما لم تعلمه الحكومات العراقية أن هناك لوبيات دولية تعتمد على التقارير العالمية لتمارس ضغطها على الدول الداعمة والمانحة للعراق لتقليل دعمها، حتى تحسين واقع حقوق الإنسان وتحقيق العدالة، خاصة في المجال العسكري، وبالنتيجة تلك الدول سترضخ للضغوط من أجل إظهار الوجه الأبيض لحكوماتها، بينما يبقى العراق بوجهين، أسود بسبب الانتهاكات المستمرة، وآخر أسود أيضًا، لعدم قدرته الحصول على المساعدات الدولية، خاصة تلك العسكرية.

من الأسباب التي تحقق الإفلات من العقاب، هي تلك التي تتعلق بالسلطات القضائية والتأثيرات السياسية عليها، فالقضاء العراقي بعد عام 2003 وحتى في زمن حكم صدام حسين، كان قضاء خاضعًا لضغوط السلطات التنفيذية، فلا عدالة تحققت ولا جناة أخذوا جزاءهم، ولا ضحية أنصفت.

اليوم، ومع تعدد صور الانتهاكات وانتشار مقاطع الفيديو، ليس أمام الحكومة العراقية إلا أن تعمل جادة على عدم السماح لمرتكبي الانتهاكات بالإفلات من العقاب، أما عكس ذلك فإنها ستكون شريكة في ظُلم الضحايا وارتكاب الانتهاكات، التي ستتكرر كلما كانت هناك فرص أكبر للإفلات من العقاب.

اقرأ/ي أيضًا:

السأم السوداني

التحفظ الذي يعني الغموض في الجزائر