26-مايو-2019

يقف العراق وثلاث دول مقابل المحور السعودي الداعم للحرب ضد إيران (Getty)

الترا عراق فريق التحرير

في ظل التصعيد المتواصل بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، يسعى الجميع إلى ترتيب أوراقه بما يحافظ على مصالحه ويضمن سلامته، خاصةً الأطراف التي ترتبط بعلاقات اقتصادية وسياسية مع أحد طرفي النزاع، لكن ثمة اختلاف في طبيعة علاقة العراق بالأزمة، حيث لا ينحصر الأمر في المكتسبات والعلاقات الاقتصادية والسياسية، بل بخطر اندلاع الحرب والتي سيكون أحد ساحاتها بل وأهمهما وفق مراقبين.

يمثل التصعيد الأمريكي – الإيراني خطرًا مباشرًا على العراق باعتباره أحد الساحات الرئيسية للحرب في حال اندلاعها

تمتلك إيران أذرع مسلحة وأصدقاء داخل البلاد، على قدر كبير من القوة والنفوذ، بإمكانهم أن ينفذوا ضربات قوية ضد المصالح الأمريكية، التي تتمثل بعدد من القواعد المركزية في مناطق "ارتكاز جغرافي"، وسط غياب المعلومات الدقيقة عن عدد القوات الأمريكية المتمركزة في تلك القواعد وحجم تسليحها، فضلًا عن السفارة الأمريكية، الأكبر في العالم، في قلب العاصمة والتي تضم 15 ألف موظف بحسب الخارجية الأميركية.

اقرأ/ي أيضًا: أشعلت فتليها واشنطن واكتوى ابن سلمان.. أزمة الصدر تهدد مخطط ترامب!

ساحة المواجهة

يعزز احتمالات بدء المواجهة من العراق، اقحامه من قبل واشنطن وطهران كساحة لتبادل الاتهامات، حيث نشرت السفارة الأمريكية في بغداد، مقطع فيديو يتهم إيران بالتسبب في إحداث نقص حاد في إمدادات المياه وتلوثه وانقطاع التيار الكهربائي عن العراق، من خلال تحويل مجرى المياه بعيدًا وقطع صادرات الطاقة عنه.

وقالت السفارة عبر صفحتها على فيسبوك في 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، إن"الولايات المتحدة تقوم بتمويل توصيل المياه الصالحة للشرب إلى 750 ألف نسمة في البصرة، بمن فيهم 50 ألف طفل. كما تساعد الولايات المتحدة الحكومة العراقية في بناء مشاريع جديدة للطاقة الكهربائية لتحسين إنتاج الطاقة المحلية في العراق".

نشرت السفارة عبر صفحتها أيضًا، منشورًا يهاجم المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي ويتهمه بالفساد، بالتزامن مع تشديد العقوبات الاقتصادية ضد طهران، وهو ما أثار ضجة كبيرة حينها، بالإضافة إلى منشور سبقه يتحدث عن "ضرورة أن تحترم إيران السيادة العراقية"، لكنها حذفته بعد رفض من وزارة الخارجية للمنشور الذي عدته "تدخلًا في الشأن العراقي".

مقابل كل تحرك أمريكي في العراق، كان الرد سرعان ما يأتي من خلال أصدقاء طهران الذي باتوا رؤساء وزعماء كتل سياسية لها أذرع مسلحة فاعلة ضمن الحشد الشعبي بعضها يقاتل في سوريا بدعم مباشر من إيران، كقيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق كجناح مسلح وكتلة صادقون البرلمانية الحليف الرئيسي لتحالف الفتح بزعامة هادي العامري، القيادي المقرب الآخر من طهران، ضمن تحالف البناء أحد أكبر تحالفين سياسيين في البلاد.

قلق ووساطة!

وضعت تلك المعطيات ساسة العراق، في موقفٍ صعب، بين ضرورة النأي بالبلاد عن الحرب وبين صداقاتهم بالطرفين، لكن الواقع قلص خياراتهم، ودفعهم للسعيّ لآخد دور الوسيط، ليستثمر كل طرف مكانته عند أحد طرفي النزاع، مع محاولة إشراك أطراف إقليمية أخرى تستوجب مصالحها نزع فتيل الأزمة، مقابل أطراف إقليمية أخرى تدفع نحو التصعيد ضد إيران، على رأسها السعودية والإمارات.

لكن مراقبين قللوا من جدوى الوساطة، كون الإدارة الأمريكية فتحت باب المفاوضات، من خلال إعلان دونالد ترامب وضعه رقم هاتف خاص للتفاوض عند الحكومة السويسرية، ولكن الإيرانيين رفضوا، بالإضافة إلى أن الجلوس على طاولة واحدة يحتاج حزمة من التنازلات من الطرفين من حيث مطالب واشنطن وتنفيذ إيران، وهذا ما لا يخضع لـ"الترضية" حيث يعتمد على محددات تضعها الحكومات وفقًا لمصالحها.

الوساطة العراقية تتضمن الكويت وقطر وسلطنة عُمان كفريق رافض للحرب مقابل ثلاثي السعودية والإمارات والبحرين الدافعين باتجاهها

كان زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، من أول الدعاة إلى لعب العراق دور وساطة الوسيط بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، للوقوف ضد أي حرب ستحدث في المنطقة، مطالبًا بالوقت ذاته الحكومة بـ "إعادة العراق إلى مصاف الدول المتقدمة سياسيًا واقتصاديًا".

في السياق، يقول مصدر مطلع، إن رئيس الجمهورية برهم صالح قام بحراك خلال الفترة الماضية، لتحشيد جبهة من القيادات السياسية لدراسة آلية الوساطة وتفاصيلها، وكانت الخطوة الأولى، ثم تلاها إعلان رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، في مؤتمره الأسبوعي، عن إرسال وفد عراقي إلى كل من طهران وواشنطن للتباحث.

يبين المصدر لـ "الترا عراق"، أن "التحضيرات لوفد الوساطة ودراسة مهامه جرت بجو مشحون ومتوتر، بشأن طبيعته وشخصياته، فضلًا عن نقطة الشروع بالمباحثات والأطراف التي من شأنها أن تدعمه أو تعرقله"، موضحًا أن "الوساطة العراقية تتضمن الكويت وقطر وسلطنة عُمان، حيث يشكل هذا الرباعي فريقًا رافضًا للحرب، مقابل ثلاثي السعودية والإمارات والبحرين الدافعين باتجاهها، ووضع حلول نهائية وقاسية للحد من تدخلات إيران بالمنطقة".

لكن خيار الحرب يبدو مرفوضًا  حتى من قبل الأطراف الشيعية التي تعول عليها السعودية لتعزيز علاقاتها مع العراق، كزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي أعلن صراحةً رفض الحرب ونظم تظاهرة كبيرة وسط بغداد للتنديد بها، ودعا إلى النأي بالنفس عن الأزمة بين طهران وواشنطن إن لم تكن هناك إمكانية للتهدئة.

أما الزعيم الديني والمرجع الأعلى علي السيستاني، فهو يعارض تحويل العراق لخط مواجهة في الصراع ضد إيران، ويؤمن بأن العراق يمكن أن يكون وسيطًا بين طهران وواشنطن وحتى بينها وبين السعودية"، وفق ما ترى صحيفة "هآرتس" العبرية في مقال للكاتب تسفي برئيل.

رفض الوساطة

وعلى رغم من أن ملامح تلك الوساطة لم تتضح، ولم تتخذ خطوات فعلية تصل لدرجة الحوار وتحديد العقبات، لكن واشنطن سارعت إلى رفضها، بالإضافة إلى طهران التي حددت شروطًا قبل بدء حوار.

اقرأ/ي أيضًا: "منفذو" هجوم السفارة الأمريكية لـ "الترا عراق": هذا هدفنا وسنضرب مجددًا!

حيث نفى القائم بأعمال السفارة الأمريكية في بغداد جوّي هود، علم بلاده بوجود وساطة يقوم بها العراق لإنهاء التوتر بين طهران وواشنطن. وقال هود في تصريح صحافي، في 22 آيار/مايو 2019، إن "واشنطن لم تتلق إخبارًا من الحكومة العراقية بشأن الوساطة التي أعلنت عنها بغداد"، مضيفًا أن بلاده "لا تحتاج إلى وساطة، وأن التواصل مع الجانب الإيراني يجب أن يتم بشكل مباشر".

وأشار هود، إلى أن "الولايات المتحدة تسعى إلى استدامة الاستقرار في العراق، وحمايته من أي توتر"، فيما جدد التزام الإدارة الأمريكية بالاتفاقية الستراتيجية التي تحظر استخدام العراق وأرضه لأعمال عسكرية خارجية، معربًا عن أمله "بأن تلتزم كل الأطراف بحظر استخدام الأراضي العراقية لأي أعمال عسكرية مسلحة".

من جانبه، أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الإيراني كيوان خسروي، رفض إيران المفاوضات مع واشنطن، "طالما لم تغير سلوكها وتحفظ حقوق إيران" حسب وصفه،

رفضت كل من واشنطن وطهران الوساطة، حيث تريد الأولى حوارًا مباشرًا ترفضه الأخيرة حتى الآن

وقال خسروي في تصريح له، إن "زيارات المسؤولين من دول مختلفة إلى إيران ازدادت، وهم ممثلون عن الولايات المتحدة بشكل رئيسي"، مؤكدًا أن "بعض هذه الزيارات علنية وبعضها سرية، بناء على مبادئ إيران ومن دون أي استثناء، وقد أبلغنا جميع المسؤولين الذين زاروا إيران سرًا أو علانية، رسالة قوة ومنطق ومقاومة وصمود الشعب الإيراني".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"الحرب" تبدأ من قلب بغداد.. كواليس زيارة بومبيو من مصادر حصرية!

العراق ساحة صراع مجددًا.. هل سنشهد مواجهة أمريكية -إيرانية؟