05-ديسمبر-2022
الكتب

نقد تمركز الذات يؤشر لأفول الكلمة (فيسبوك)

هل على المثقف المشاركة في المناقشة من أجل تحويل الخطاب المنغلق على ذاته إلى دعوى للحوار عن طريق الجماعة التواصلية، كما يقال، لا أن ننطلق من أن التبرير استنادًا لمقولات سابقة نعتقد بصحتها، أو أن نزعم بامتلاكنا (الحقيقة) فعند ذلك نخسر بعدًا مهمًا، يتمثل بأن الحقيقة التي نطالب بتحقيقها في الحين، في المكان والزمان ذاته نخسرها، ووفق السياق الذي توجد فيه (بكونها مطالبة) وعبر لغتنا ذاتها.

فلحظة النقد، هي لحظة مفارقة لما هو مألوف. يتحقق فيها قبول الآحر المخالف والمفارق بوصفه مكونًا أساسيًا للوجود الإنساني. لحظة ينكشف فيها لنا عن التورط التاريخي لتمركز الذات في إنجاز كل هذه الهشاشة المعرفية والتشوهات الثقافية، التي تخللت مفردات حياة الفرد والجماعة، الواقع والنص. فنقد تمركز الذات يؤشر لأفول الكلمة، وتقويض الكتابة لذاتها، ويكشف التقنين الاستيهامي للهيمنة والسيطرة والانتهاك. فهذه اللحظة النقدية التي نطالب بها، موجهة في الواقع لكشف تورط بعض سياقات التبرير للمثقف الاستيهامي عبر تمركزه حول ذاته، فمنذ تحول المثقف بكل تصنيفاته بشكل عام  والعقل الشعري بشكل خاص (والذي يكثر حوله الجدل) من مركزية الواقع إلى مركزية الذات، امتنع لديه أن يكون الواقع مركز البحث أو أن يكون أفقه الذي يراه، وتمت الاستعاضة عنه بقائمة طويلة من المتطلبات التي تعمل على تمجيد ذاته ونسيان الواقع، من أجل تسكين "قلق المكانة لديه" لذا علينا أن نفتش في ذاته وليس عن ذاته.

 فأن يرى (المثقف) شاعر، كاتب، أو مفكر.. الخ، نفسه يمثل النوع الإنساني، هي رؤية مغتربة للذات تختزل الكل الموضوعي في الفردنة الذاتية عندما يرى من حقه قول أي شيء، وكل شيء، دون أن يشعر أنه مسؤول عن إفهام الآخرين وتقبلهم، ويضع نفسع موضع عدم المسائلة، ويعطي لنفسه الحق في مساءلة الجميع. هي نرجسية (العقل الشعري) كما يقولون. إنه شعور بالحق بقول أي شيء دون أن يكون مسؤولًا عنه يستمد بكونه ادعاءً بتمثيل النوع الإنساني، وهو تمثيل زائف، بل هو  تعالى على الواقع بكونه موضوعًا للانشغال الفكري، أو هو العجز التواصلي من أن يعطي من ذاته للآخرين عبر تيسير الفهم لما يدور حوله النص.

ولا يتأكد هذا الشعور إلا بتحوله إلى دائرة الشمولية، فتجتاز هذه الدعوة الزائفة "للحرية" لدى الكاتب أو الشاعر النرجسي، كل عقباتها الفردية لكي تمتلك صفاتها الشمولية. إنها عتمة الذات التي لا ترى غير نفسها جديرة بالقول والخوض في كل شيء بهذا الكون. إنه "الجهل العقلاني"

، فهل من العقلانية أن نتقبل مقولة (ما يحق له لا يحق لغيره) أي أننا نجد تكلفة توعيتنا لأنفسنا والمشاركة في الجدل العام أكثر تكلفة لنا كأفراد من بذل الجهود في تقليص الانحراف، فمصالحنا الضيقة التي تجلب لنا المنفعة الخاصة ستبقى دائمًا الحافز الأقوى في تشكيل مواقفنا، متجاهلين الأضرار التي تقع على المجتمع والوطن، فمتى ما تضررت مصالحنا الضيقة وتعرضت منافعنا للخطر، عند ذاك نتحرك. لذا ما أن ينبري أي أحد لتوجيه سهام النقد لما نقول أو نفعل، ترانا نشحذ سيف الكلمة للدفاع عن ذاتنا (الفردية) المهدورة بفعل النقد، ولكن أن يهجو شاعر، كاتب، مثقف شعبًا بأكمله، أو نسقًا ثقافيًا أو معتقدات ورموزًا، فلا نجد غضاضة في ذلك (فالعقل الشعري) يقول للمثقف لست المعني بشتم الشعب برمته او احتقار طائفة ما أو إهانة رمز يحترمه هذا الجمع أو ذاك ويحبونه ويحترمونه، أو حتى يقدسوه، بل نحث العقل في أن نجد له التبرير (عبر مقولة ما يحق له) تلك هي مركزية الذات المغتربة (التي يحق لها) أن تنتهك الموضوع (الجماعة، الشعب، الوطن، الرمز،  الدين) فهي (الفردنة التي تنتهك الكل).