30-مارس-2020

مشاهد أصحاب القمصان البيض لم تألفها العين من قبل (Getty)

مشاهد أصحاب القمصان البيض لم تألفها العين من قبل حيث جموع الطلبة والطالبات تغص بهم سوح الاحتجاج التي نبضت في أرجاء البلاد منذ تشرين الأول/أكتوبر، هذا الكنز الدفين الذي كان الحديث عنه يشبه الحلم في حياة مثالية، وحتى لا نغط في وصف هذا المشهد شعريًا إليكم بعض من مواصفاته التي رصدتها أثناء تواجدي معهم في ساحة التحرير.

ما يميز أصحاب القمصان البيض أنها جماعة غير مستلبة من أي جهة ولم يصنع قدرها أحد بمعزل عن وعيها وإرادتها 

كانت الجماهير تتظاهر بشكل منظم، وبأساليب غاية في التحضر مؤطرة بالوعي والمسؤولية، رافعين الأعلام العراقية والشعارات المطلبية، وأصواتهم تصدح بالنشيد الوطني الجامع. كان مشهدًا مدويًا يصرح بتضامنهم مع الأحرار في سوح التضحية لإيمانهم أن المتظاهرين يطالبون بالنيابة عنهم باسترداد حقوقهم المسلوبة وبناء وطن مزدهر يعيشون فيه بسلام وأمان ومستقبل زاهر لا يجد فيه الطالب نفسه عاطلًا عن العمل. 

اقرأ/ي أيضًا: "القمصان البيض".. محرك الانتفاضة ونبض الاحتجاجات

 ما يميز أصحاب القمصان البيض أنها غير مستلبة من أي جهة ولم يصنع قدرها أحد بمعزل عن وعيها وإرادتها الأمضى، فهم على قدر عال من المسؤولية تجاه أمهات القضايا الوطنية من هوية وثقافة وتعايش ومواطنة وإصلاح جذري للخراب الذي ترك الأثر البالغ في جسد هذه الأمة، لاعنين الانتماء لغير الوطن، تاركين وراء ظهورهم هوياتهم الفرعية لتختار بنفسها مصيرها تحت راية وخيمة واحدة اسمها العراق، وهذا ما تؤكده الشعارات المرفوعة البعيدة عن هيمنة الأحزاب الإسلاموية وقيود تسلطها، جماهير لا يهمها إرضاء أي متبع، ولا تسمح لأحد أن يهيمن عليها، وترفض وصايا أي أحد يصادر بها دورهم العقلاني والتنويري، مع تأكيدهم على عدم إقصاء الآخر المختلف بقدر ما تستدعيه لإعادة النظر بسياسته لوضعها في المسار الصحيح. 

هذا التنوع في جمهور المنتفضين هو سر قوتهم وتميزهم وصمودهم وصبرهم، حيث أدركوا أن سياسة التهميش وكذلك لعبة التلفيق والتخوين، وزج الحراك في قضايا ثانوية وأمور فرعية يراد منها إشغالها عن المصلحة الوطنية العليا لأنها تدرك إرهاصات الماضي، وأزمات الحاضر، وضرورة استشراف آفاق المستقبل من خلال الوقوف في الموقع الأكثر تقدمًا وتعبيرًا لمشكلاتها لتعجل في شفاء جسد حياتنا العراقية المنقوشة عليه ملاحم لا تنتهي من الهول العابس ومداد الشظايا والدم والأنين بفعل الفقدانات المتكررة بلا طائل.

ورغم كل هذه المصائب والمخاطر التي تحيق بهم، تصر هذه القلوب الناعمة في التصدي لخشونة ضيم السراق والقتلة، غير آبهة لمخاطر التصفية الجسدية لأنهم يدركون أن الموتى لا يهابون الموت ما يؤكد القول إن الجماهير أقوى من الطغاة، فلم يبطل مفعولهم الموت ولم ينخرهم اليأس أو يخيم عليه التشاؤم والسوداوية، بل ما زالوا المعادل الباسل للمنتفضين والمعتصمين في سوح الاحتجاج لا يرضون بغير مطارح الشموس مكانة ومجدًا ووفاءً للشهداء الذين سقطوا على مذبح حرية هذا الوطن من أجل تحريره، وتنفيذ المطالب العادلة في اختيار رئيس وزراء وفق المواصفات التي طرحها المنتفضون، وبما يضمن محاسبة المسؤولين عن الفساد وقتل المتظاهرين والكشف عن مصير المغيبين والمعتقلين واسترداد الأموال التي نهبت منذ 16 عامًا والكف عن الأساليب الملتوية تجاه التظاهرات وإزاحة الوجوه الفاسدة، وتحديد موعد للانتخابات المبكرة، مع التأكيد على اختيار قضاة مستقلين قادرين على استرجاع هيبة القانون حتى نتخلص من لعنة اسمها المجاميع الخارجة عن القانون والتي بيدها السلاح والمال والوجاهة.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

إضعاف "ثورة القمصان البيض".. حملات لإطلاق رصاصة الرحمة على الاحتجاج

طلبة العراق: خط الدفاع الأخير