15-مايو-2020

مصطفى الكاظمي (Getty)

لم تُفارق الأخبار الكاذبة والقرارات الوهمية، حكومة مصطفى الكاظمي منذ نيل حكومته الثقة داخل قبة البرلمان، حيث تُطلق بشكلٍ مكثّف ومدروس وعبر استراتيجية جديدة تستهدف القرارات التي يتعطش لها الشارع، وفي نفس الوقت، تحافظ على واقعيتها وعدم اللجوء إلى "الأهداف الخيالية". 

مزورو أوامر الكاظمي يعمدون إلى صناعة قرارات إيجابية وقوية ينتظرها الشارع العراقي، ما يدفعهم إلى الاستبشار بالحكومة بدلًا من الغضب مِنها

وعلى عكس الأخبار والقرارات المزورة التي كانت تُطلَق في الحكومات السابقة بالمصادفة، وبفترات متباعدة، تطغى على الإشاعات التي تلاحق الكاظمي، سمة الحملات الجادة، لما يخرج من "المزورين" من قرارات بالجملة، وبصياغة قريبة للحكومية.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: تشكيل حكومة الكاظمي.. تحول فعلي أم تسوية عابرة؟

فضلًا عن ذلك، تتمتع عمليات تزوير الأخبار التي تستهدف حكومة الكاظمي، بخطة جديدة، ففي الوقت الذي كانت الأخبار والإشاعات التي تُبّث معظمها "سلبية" وتشعل غضب الشارع على الحكومات، يعمدُ مزورو أوامر الكاظمي إلى صناعة قرارات إيجابية وقوية ينتظرها الشارع العراقي، ما يدفعهم إلى الاستبشار بالحكومة بدلًا من الغضب مِنها.

استهداف "خذلان" الشعب لا إغضابه

هذه الاستراتيجية، تظهر قيمتها وجدواها، في مرحلة "النفي الرسمي"، حيث أن الغضب الوقتي الذي يشعله تزوير خبرٍ سلبي سيبرد وتنال الحكومة "رضا الشارع" عند نفي وتكذيب "مسببات غضبه"، إلا أن تزوير خبر إيجابي ينتظره الشارع، ويدفعه للاستبشار، سيكون نفيه رسميًا مُدعاة للخذلان، لتأخذ الحكومة بنفي وتكذيب هذه القرارات المزورة دور الـ"مخيّب لآمال الشارع".

يقول الإعلامي مشرق عباس، المقرب من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إن "لعبة تزوير الكتب الرسمية والقرارات لم تتوقف منذ تسكيل الحكومة"، مشيرًا في تغريدة رصدها "ألترا عراق"، إلى أن "بعض الكتب المزورة تبدو منطقية وحتى إيجابية، لكنها خطيرة، لأنها تحاول استدراج الدولة إلى لعبة خلط الأوراق".

جدوى مضادة

آراء أخرى ترى أن لا جدوى نافعة للمزورين من هذه الاستراتيجية، حيث أن الإشاعة تمكث في بال العامة وتصلهم أسرع من نفيها وتكذيبها، فهي بذلك خطة غير محسوبة، وأن عقول العامة ستتلاقف الخبر القوي الكاذب ولا تلتفت لتكذيبه، وبذلك فإن ماكينة التزوير قدمت خدمة للحكومة بدلًا من إلحاق الضرر فيها.

استهداف جمهور "الفصائل"

من السيناريوهات الأخرى، فإن لعبة التزوير تستهدف تحديدًا جمهور الفصائل بتزوير قرارات قوية وحازمة قد تستهدف شخصيات وجهات مقربة من إيران، كما الخبر الكاذب الذي انتشر بشكل واسع حول تعيين الفريق عبد الغني الأسدي رئيسًا لهيئة الحشد الشعبي بدلًا من فالح الفياض، لتكون محاولة من المحور المقرب لإيران، لتأليب جماهير الفصائل ضد الكاظمي.

الحكومة تستهدف نفسها!

مؤشرات لا يمكن التغاضي عنها، تعزز الاعتقاد بأن من يزور القرارات وينشرها هي الحكومة ذاتها، في محاولةٍ لجس نبض الشارع قبل إصدارها.

 كان تعيين عبد الوهاب الساعدي رئيسًا لجهاز مكافحة الإرهاب، قد تم تسريبه ضمن حزمة قرارات مزورة قبل إصدار الكاظمي قراره بشأن الساعدي

فمن العواجل الأولى التي خرجت بها القناة الرسمية بعد التصويت على حكومة الكاظمي، والتي احتوت قرارات مهمة مثل إطلاق منحة ثانية بـ70 ألف دينارًا، وتعيين وزير عدل بالوكالة قبل أن ينفي إعلام مجلس الوزراء هذه القرارات مؤكدًا ان المجلس لم يعقد جلسة وما جرى هو فقط تسليم واستلام مع الحكومة السابقة، فضلًا عن ما حدث مؤخرًا يوم أمس، عندما نشر المتحدث باسم رئاسة الوزراء العميد يحيى رسول كتابًا حول تكليف الكاظمي وزارة الداخلية بقيادة الفريق عثمان الغانمي بالبحث عن أي سجون سرية تحتجز المتظاهرين، قبل أن ينفي المكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء ذلك، وعلى رأسهم يحيى رسول، الذي قال إن "الكاظمي لم يوقع أي أمر ديواني يوم أمس 14 آيار/مايو".

اقرأ/ي أيضًا: مواجهات حاسمة تنتظر الكاظمي.. أزمتان في المقدمة

هذه المؤشرات بصدور القرارات من الجهات الرسمية ثم العودة لنفيها، تعزز فكرة عدم وجود تزوير يستهدف الحكومة بل هي قرارات حقيقية يتم تسريبها للشارع قبل القيام بإقرارها، حيث كان تعيين عبد الوهاب الساعدي رئيسًا لجهاز مكافحة الإرهاب، قد تم تسريبه ضمن حزمة قرارات مزورة قبل إصدار الكاظمي قراره بشأن الساعدي.

تفسير آخر لوصول الإشاعات للمصادر الرسمية

إلا أن الخبير الأمني والمطلع على دوائر صناعة القرار، هشام الهاشمي، يرى أن "هذه الكتب المزيفة تعمل عليها منظومة معروفة لمعارضتها للتيار المدني الليبرالي في العراق، وهي تعتقد أنها من حرس المكاسب السياسية لجماعات الإسلام السياسي".

ويضيف الهاشمي في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "هذه المنظومة فشلت في تشويه التيار المدني بكل وسائل التسقيط وانفقت الكثير على لوبيات الصحافة الصفراء في تلفيق التهم والأباطيل لكنها لم تنجح، فاختارت إنتاج الصدمة وفق ما يقال عنه أمنيات (ديمقراطية المهمشين)، وهو إعلام الجميع بأن حكومة الكاظمي مع المهمشين وتقوم بإشاعة القرارات المرضية لهم"، وهو ما يتطابق مع سيناريو "استهداف جمهور الفصائل".

واستدرك الهاشمي: "لكنها في الحقيقة تورط الحكومة أمام تنفيذها لعدم القدرة على ذلك لأسباب إدارية واقتصادية وسياسية وربما حتى مجتمعية"، معتبرًا أن "تكرار هكذا شائعات يصنع لدى المواطن المهمش اليأس والغضب على حكومة الكاظمي، قد ينفجر دون حدود أو سقف معلوم، ويضع العراق أمام حقبة خطيرة في تطور الغضب الجماهيري".

ويؤكد الهاشمي أن "الجهات المنتجة للمحتوى معروفة والجهات المروجة والناشرة للمحتوى معروفة أيضًا، وهي تلك التي تخشى من فرض القانون عليها"، ومن كلام الهاشمي هنا، يمكن التوصل إلى تفسيرٍ حول سبب انطلاق هذه الإشاعات من مؤسسات إعلامية رسمية.

هشام الهاشمي: الجهات المنتجة للمحتوى معروفة والجهات المروجة والناشرة للمحتوى معروفة أيضًا، وهي تلك التي تخشى من فرض القانون عليها

ولفت الهاشمي إلى أنه "لا يمكن لأحد السيطرة على حركة نشر الشائعات والمعلومات في التواصل الأجتماعي وتوجيهها حسب ما يراه سواء سلطة سياسية أو جهات إعلامية أو شخصيات عامة"، مؤكدًا إنه من "الأفضل تلقي الأخبار من مصادرها الرسمية الموثوقة".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الكاظمي وتصفير العدّاد.. مقاربات وملفات واحتمالات

حكومة الكاظمي "تضعضع" البيت السني.. الإصرار الكردي يغير خارطة الوزارات