08-مارس-2023

عن التطورات التي عاشتها المرأة العراقية في سنوات ما بعد 2003 (فيسبوك)

بعض الكتابات الإنسانية التي تتناول المرأة في مواقع التواصل الاجتماعي تعوزها بعض الإضافات، وهي تبذل الكثير من الجهد "النظري" للبرهنة على صدق مدّعاها، لكنّها تسهو عن رأس المال المادي والرمزي الذي اكتسبته المرأة في حقبة ما بعد 2003. ومن يدري، ربما تفضّل المرأة العراقية أن تبقى هذه الحقيقة طي الكتمان خوفًا من الحسد! ومن جانب آخر، بعض الكتابات الجادة تسلّط الضوء، بدوافع صادقة، عن انحسار دور المرأة مقارنة بمثيلاتها في البلدان المتقدمة، وهي كتابات سابقة لأوانها على كل حال، نظرًا لتحديات البيئة الاجتماعية المحافظة، التي لا ترحب بالوافد الجديد إلا بعد تنشئة طويلة الأمد.

تعتبر المرأة العراقية شريكًا أساسيًا بإدارة شؤون الحياة في حقبة ما بعد 2003 

وعادة ما يُسَلَّط الضوء على معاناة المرأة في المجتمع العراقي، ومكابداتها المستمرة بسبب الأعراف الاجتماعية،  فكلما اتجهنا صوب البيئات العشائرية كان وضع المرأة مختلفًا للغاية منها في البيئة الحضرية. كل هذا صحيح تمامًا، ذلك أن وضع المرأة في مجتمع تشكّل الأعراف العشائرية مجمل هويته الثقافية ليس وضعًا يثير الإعجاب. لكن، ومن جهة أخرى، ليس الأمر بهذا السوء؛ فالمرأة العراقية اليوم تتواجد كعنصر فاعل في السلطة القضائية، والتشريعية، والتنفيذية، وتناط بها بعض الأدوار القيادية في الحركات الاحتجاجية. لقد تنامى دورها الريادي، عمومًا، بعد سقوط نظام البعث.

إن المراكز الحضرية، ولا سيّما العاصمة بغداد، تتمتع فيها المرأة بمزايا اجتماعية مهمة، وتمارس دورها الوظيفي، في القطاع العام والخاص، بشكل أوسع من ذي قبل، وتتمتع بتمكين اقتصادي ملحوظ، ففي القطاع الخاص: المولات، والشركات، والمعاهد الخاصة، والمطاعم، والمقاهي الحديثة، والمحال التجارية، والمراكز السياحية والترفيهية، وعيادات التجميل، تبرز كثافة العنصر النسائي بوضوح. أمّا في القطاع العام، مثلما ذكرنا، فكثافة الأعداد الكبيرة للنساء - باستثناء الوزارات الأمنية التي يقل فيها العنصر النسائي مقارنة بغيره - لا تحتاج إلى إحصائيات، يكفي أن ترى هذه الأعداد بالخبرة المباشرة والتعايش اليومي، سواء أكنتَ موظفًا في القطاع العام أو الخاص. يمكنك أن تطّلعَ، بالخبرة المباشرة أيضًا، عن نسبة العنصر النسوي في قطاع التعليم، ذلك أن أعداد الطالبات في هذا القطاع الحيوي، مقارنة بالحقبة السابقة، يسجل نسبة عالية من حيث الكم (إذ لا زالت جودة التعليم لا تلبي الطموح)، وربما تجد نسبة الاهتمام بالتعليم، في محافظات الوسط والجنوب، لا تقل أهمية عن العاصمة.

ما من شارع من شوارع بغداد، الذي ترتصف فيه المركبات الحديثة بشكل جنوني، إلا وتجد نسبة لا يستهان بها من النساء يقدن المركبات الأنيقة، بينما كانت قيادة العجلات، في السابق، حكرًا على مجتمع الرجال. وللنساء حصة لا يستهان بها من استهلاك السلع والخدمات من مداخيلهنَّ الخاصة، كاقتناء العجلات الحديثة، والسلع المعمّرة، والأجهزة الذكية باهظة الثمن، وقروض الرهن العقاري، والدخل المزدوج، للكثير منهن، لقاء الدروس الخصوصية والحكومية، والتمتع بالسفر خارج البلاد، وسداد أقساط التدريس الأهلي. كل هذه المؤشرات تدل على زيادة في رأس المال المادي والرمزي للمرأة بشكل عام. وبعيدًا عن الخطابات النظرية، تعتبر المرأة العراقية شريكًا أساسيًا في إدارة شؤون الحياة في الحقبة الجديدة، كل ما في الأمر، هناك " عقد اجتماعي" بين الرجل والمرأة، يجري بموجبه "منح" بعض الأدوار الإضافية للرجل بوصفه "سي السيد" لا يفسد من الود قضية! بالطبع ليست الحياة وردية، لكن في المجتمع العراقي ذو الطبيعة العشائرية، فهذه المكاسب التي حصلت عليها المرأة ليست بالهينة مقارنة بالسابق.