29-أكتوبر-2020

نجحت انتفاضة تشرين على مدى عام بالاستمرار (Getty)

فرضت الشرعية المجتمعية  التي عبر عنها الحراك الاجتماعي الذي بدأ في شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 2019، على القوى السياسية المؤسسة للنظام السياسي العراقي باختلاف توجهاتها، واقعًا سياسيًا جديدًا على مستوى الطرح، إذ جعلت من هذه القوى تتبنى مطالبها، بل تعامل  بعضها مع بعض مكوناتها ودخل في تحالفات لم تستمر طويلًا؛ بسبب طبيعة المصالح التي تبحث عنها هذه القوى التي لم تخلُ من المصلحة الآنية، بينما تذهب الشرعية المجتمعية بعيدًا في تحقيق المصالح المرجوة، التي تتمثل بالإصلاح الجذري للنظام السياسي، وإن تطلب الأمر تنحية القوى التي أسسته، أو تصدرته على مدى السنوات التي تلت الاحتلال الأمريكي للعراق.

نجحت انتفاضة تشرين على مدى عام بالاستمرار بعد أن تمكنت من تفكيك احتكار الشارع من بعض القوى السياسية 

نجحت شرعية تشرين بدفع القوى السياسية التي جاءت بحكومة عادل عبد المهدي، عبر التوافق السياسي المُعطل للنص الدستوري والمعنون في المادة (78) من الدستور، المتعلقة بتشكيل الكتل الأكبر المسؤولة عن ترشيح رئيس مجلس الوزراء، عن تخليها وإجباره على تقديم استقالته، أما لإرضاء الشرعية الناقمة على سياسات هذه القوى، وكسب المزيد من الوقت للتعامل مع الحراك، من خلال العمل على تشتيته وإذابة مطالبهِ، أو لشعورها أن الحكومة التي تدعمها قد تتخذ خطواتٍ إجرائيةٍ ترجح كفة الشرعية لصالح القوى السياسية، وتتمثل هذه الخطوات حسب رأيي الشخصي بالإعلان عن الجهات التي أطلقت النار وتعاملت بقسوة مع المتظاهرين، أو تقديم مشروعات قوانين وإرسالها إلى مجلس النواب، وهذا عمليًا يحرج القوى البرلمانية، ويجعلها في مواجهة مباشرة مع الشارع. 

اقرأ/ي أيضًا: كلمة لأحرار تشرين

مع ذلك، استطاعت القوى السياسية بأذرعها المختلفة تخفيف حدة الحراك، إلا أن نجاح الحراك في رفض الشخصيات التي رشحت لخلافة حكومة عبد المهدي، حتى وصل الأمر إلى تشكيل حكومة الكاظمي، التي اختلفت التوصيفات بشأنها ما بين فعل تشرين أو خيارها، وفي الواقع، إن هذه الحكومة تشكلت بفعل تشرين وخيار القوى السياسية، وهذا ما بدا واضحًا من خلال التغييرات في المواقع العسكرية كتعيين بعض الشخصيات التي دعمتها تشرين، فضلًا عن تعيين بعض المستشارين في مجلس الوزراء من يصفهم البعض بأنهم ممثلون أو داعمون للحراك، وخيار القوى السياسية، على اعتبار أن الكاظمي حائز على ثقة هذه القوى، وتعيينه للشخصيات المنتمية لها في المواقع الإدارية، إذ يرى أن هذه التعيينات هي جزء من استحقاقاتها الانتخابية، وفي ذلك يحاول الابتعاد على توصيفهِ بخيار القوى السياسية.

 أما التأثير، فيتعلق بمدى استمرارية الشرعية المجتمعية في ثبات مطالبها ووحدة أهدافها، وفي الواقع فأنها نجحت على مدى عام بالاستمرار بعد أن تمكنت من تفكيك احتكار الشارع من بعض القوى السياسية التي تمتلك قواعد اجتماعية مؤثرة من ناحية القدرة على التنظيم والسلوك، فبعد الذكرى السنوية الأولى لإعلان الشرعية المجتمعية، ولكي تكون ذات تأثير على المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي تحتاج إلى استمراريتها في التأثير وهذا التأثير غير ممكن إلا في طريقتين:

  • الطريقة الأولى: تأسيس حزب سياسي من هذه الشرعية ودخوله الانتخابات وصولًا إلى العمل البرلماني ومن ثم التنفيذي لتحقيق مطالبها، وينبغي في هذا الإطار عدم مشاركة قيادات ومكونات هذه الشرعية في العمل السياسي؛ وإنما تأسيسها من الشخصيات المثقفة الموجودة من طبقات الشعب العراقي على اختلاف مسمياتها.
  • الطريقة الثانية: العمل على دعم بعض الأحزاب السياسية القريبة من توجهاتها حتى لو كانت فاعلة في المشهد السياسي بصورةٍ علنيةٍ، بعد التفاهم معها وفي حالة عدم تحقيق مطالبها تعمل على سحب هذا الدعم الذي منحتهُ.

وفي الواقع، ومن وجهة نظر شخصية، هذا ضمان لعدم تفكيك مكونات الشرعية المجتمعية، إذ يتيح لها إدامة الضغط على القوى السياسية الفاعلة، وهذا يكون من خلال قدرتها على رفد الشرعية المجتمعية بالكثير من الجمعيات والمنظمات الداعمة لها، كونها تعد نواة للرقابة الشعبية على سلوكيات النظام السياسي انطلاقًا من مبدأ الشعب مصدر السلطات.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

25 تشرين.. فاصل تاريخي بطله التحدي

انتفاضة تشرين: الموت من أجل الحياة