30-سبتمبر-2021

إمكانيات إسقاط شرعية النظام حتى الآن ضعيفة (فيسبوك)

تحدثنا في المقالة السابقة عن عدم جدوى خيار المقاطعة في نزع شرعية النظام السياسي لناحية تعاطي دول العالم معه، وذكرنا أن استهداف الشرعية الداخلية تمظهر في انتفاضة تشرين وما حصل بعدها وسنخوض هنا أكثر في إمكانات "سقوطها أو إسقاطها"، ونعني الشرعية.

ينبغي الاستنتاج من المعطيات الموجودة أن إمكانية "إسقاط" شرعية النظام بالطريقة المطروحة ضعيفة

يأخذ الحديث عن الشرعية مسارات عدّة وأبوابًا كثيرة مرةً من زاوية سياسية وفي حداثة أكثر الديمقراطية، ومرةً من زاوية دينية تتعلق بنظرة الفقه والمؤسسة الدينية، ومرةً من زاوية النظريات العلمية وأخرى من زاوية اقتصادية واجتماعية .. إلخ؛ لكننا نتحدث هنا عن الشرعية بشكلها الأبسط والأعم: اعتراف الأمم المتحدة بالنظام، عدم محاصرته أو فرض عقوبات عليه من الدول التي تقود العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية + موقف الشرعية الدستوري.

اقرأ/ي أيضًا: جدل المقاطعين والمشاركين.. الثقة العمياء

إن التجربة الماثلة أمامنا – وبالقفز إلى نتائجها مباشرةً لغرض حصر النقاش – تشير إلى زيادة الحراك الدولي سواء من العرب والجوار أو الغرب وبالأخص الدول الأوروبية في الملف العراقي بعد الاحتجاجات وما شهدته من قمع دموي واغتيالات لناشطين ومتظاهرين وصحفيين. وفي القفز إلى النتائج تجاوزنا الأسباب التي دعت هذه الدول للانفتاح الأخير لنبقى في النقطة الأهم التي يفترض ألّا يطالها الجدل: لم تدفع انتفاضة تشرين دول العالم لمقاطعة النظام. وذكرنا في السابق أن مقاطعة انتخابات 2018 لم تنجح في هدفها، وقلنا قبل ذلك إن التوقعات كانت أحد أسباب اندلاع الاحتجاجات. ذلك يطرح سؤالًا على سؤال يتعلق بجدوى تكرار العمليتين (المقاطعة والاحتجاجات) لكن النقاش هنا والآن عن الإمكانات مرة أخرى.

لم أقرأ عن تجربة قريبة من العراق جرى فيها انتزاع شرعية النظام عبر مقاطعة الانتخابات سواء الحقيقية أو الصورية. لم تنجح الاحتجاجات على حكم الأخوان المسلمين في مصر التي استهدفت شرعيتهم لو لا الانقلاب العسكري وباعتراف دولي. ومن النقطة الأخيرة يمكن المقارنة مع العراق الذي صار ملعبًا للأجندات الخارجية المتمثلة بقطبي الصراع: الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. والقطبان هنا يدعمان الانتخابات. أُضيف لهما الاندفاع الأوروبي غير المسبوق منذ 2003 كما يرى السياسيون أنفسهم، إضافة للدول العربية التي باتت أكثر نشاطًا في العراق. هذه الدول مجتمعة لن تناقش مسألة الشرعية في ظل المقاطعة.

محليًا، حتى وقت كتابة هذه السطور لم تكن المرجعية الدينية في النجف ممثلةً بالمرجع الأعلى علي السيستاني قد أعلنت بهذه اللهجة القاطعة دعوتها للمشاركة "الفاعلة" في الانتخابات. والآن فعلت. ونود لفت النظر إلى تمييز في خطابها الأخير الذي لم يترك خيارًا للمقاطعة بعكس انتخابات 2018.

على من يُفكر بانتزاع الشرعية أن يرى الصورة من أعلى في يوم الانتخابات: دعم دولي ومراقبة .. دعم من أهم مؤسسة دينية .. تغطية كبيرة كالعادة من وسائل الإعلام المحلية وغيرها. ستخبرنا الكتل السياسية وسيخاطب النظامُ العالم بالقول: لقد طالب المتظاهرون بإقالة الحكومة وانتخابات مبكرة ومفوضية مستقلة وقانون جديد واستجبنا.

الآن، ينبغي الاستنتاج من المعطيات الموجودة أن إمكانية "إسقاط" شرعية النظام بالطريقة المطروحة ضعيفة. يؤدي هذا الاستنتاج إلى حصر "الإسقاط" منطقيًا بطريق واحد: الثورة الشاملة. والتي قد تكون دموية حين تستهدف مؤسسات النظام وحماته.

أما لناحية إمكانات "سقوط" النظام، فابتداءً لا أعتقد أن أحزابًا وفصائل مسلحة تُفكر في التنازل عن السلطة طوعًا، وستدافع عن وجودها حتى آخر طلقة في بنادقها. وهذا يستدعي احتلالًا جديدًا، لتصبح الكارثة كارثتين.

يبقى النضال السلمي الديمقراطي خيارًا مطروحًا لن نقلل من شأنه؛ لكن هذا النوع من النضالات يحتاج إما إلى إثبات القوة وإقناع الآخرين بانتهاء صلاحية النظام، أو إلى تأييد المحيط والعالم ليتم "التقاء الداخل بالخارج" نحو هدف واحد. والسؤال المطروح: ما هي الكيفية الممكنة "سياسيًا" لتحقيق ذلك؟

الخيارُ الأول وفق المعطيات الحالية من تشتت قوى الاحتجاجات وعدم اتفاقهم على رأي واحد بخصوص الانتخابات وغيرها، إضافة إلى موقف المؤسسة الدينية، ووجود قوى مسلحة تحيل السلمية إلى دموية،  خيارٌ صعبُ التحقيق في الوقت الراهن.

الخيار الثاني، وهو محور القصة، يبدأ من تتبع العلاقات الغربية - الإيرانية والدخول الجماعي للساحة العراقية، ونحن نعتقد أن التمدد الإيراني في العراق أحد أهم الأسباب التي تجعل الدول الغربية وتحديدًا الأوروبية (بديلًا للأميركيين) تعطي المزيد من الدعم للنظام هو الحد من هذا التمدد، وربما يظهر ذلك بعد الانتخابات. وهذه نقطة تحمل نقيضها، إذ أن التمدد الإيراني الذي يستدعي دعم الغرب للنظام قد يكون سببًا في مقاطعته أو فرض عقوبات عليه إذا ما اندفعت إيران أكثر من الآن أو ارتكب حلفاؤها حماقةً كبيرة، خصوصًا في ظل فريق حكومي في طهران ينتمي لعقلية الحرس الثوري.

التمدد الإيراني الذي يستدعي دعم الغرب للنظام قد يكون سببًا في مقاطعته أو فرض عقوبات عليه إذا ما اندفعت إيران أكثر من الآن أو ارتكب حلفاؤها حماقةً كبيرة

ربما تنقلب الجماعات المسلحة على نتائج الانتخابات أو على مآلاتها لناحية خارطة التحالفات، أو أنها تحكم قبضتها على الحكومة وتقصي فريقًا خارجها.

هنا ستظهر إمكانات "سقوط" النظام بتزعزع شرعيته على الصعيدين الداخلي والخارجي. وسيتطلب وجود قوى فاعلة ومنظمة في الشارع أولًا وفي الخارج ثانيًا تُحسن استغلال الفرص وتثبت جدارتها في ملء الفراغ. وحتى السيناريو المطروح قد يؤدي إلى عملية إصلاح للنظام وليس سقوطًا.

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الانتخابات والتوقعات.. هل تكتمل خيبة الأمل؟

الحرب الأهلية في العراق.. شروط الاحتمال قائمة