مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، تبدو شوارع المدن العراقية ولا سيما العاصمة بغداد، ليست كما الدورات السابقة من ناحية الدعاية الانتخابية، إذ أن مناطق كبيرة شبه خالية من الدعاية على غير عادتها، حيث لوحظ اختفاء البوسترات الدعائية العملاقة والملصقات من المشهد العام للمدن، والذي يشهد عادةً منافسة محمومة بين الكتل الكبيرة التي تحرص ماكيناتها الانتخابية على استعراض قدراتها الدعائية عبر ملء الشوارع الرئيسية بالملصقات واللافتات وصور المرشحين.
يؤشر أصحاب المطابع على انخفاض شديد في الانفاق على الدعاية التقليدية وقد يصل الفرق إلى 75% مقارنةً بالمواسم الانتخابية السابقة
وبالرغم من إبقاء مفوضية الانتخابات سقف الانفاق المالي غير محدد، ما يعطي مجالًا أوسع للماكينات الانتخابية للتحكم بحرية في آليات الترويج ومدياته، إلا أن موسم الانتخابات الحالي هو الأضعف مقارنةً بمعدلات الانفاق المرتفعة في المواسم الانتخابية السابقة، حيث شهدت انتخابات العام 2018 أعلى معدل انفاق على الحملات الانتخابية على الإطلاق، إذ قدر مجمل الانفاق على الدعاية الانتخابية بـ7 مليار دولار، بحسب الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم.
اقرأ/ي أيضًا: حلم المالكي بولاية ثالثة يعود أمام 3 عقبات.. هل يستطيع تجاوز "المستحيل"؟
وفي وثيقة مسربة من العقد المبرم بين كتلة دولة القانون و شركة "زاموا للنشر والإعلان" في العام 2018 تم الكشف عن تكفل الشركة بكافة جوانب الحملة الانتخابية لدولة القانون، ولمدة شهر واحد فقط، لقاء أكثر من 153 مليون دولار أمريكي، بينما أنفقت ماكينة تحالف الفتح أكثر من نصف مليار دينار عراقي على عملية تصميم "لوغو" التحالف، وإفراغ صور مرشحيه من غير تكلفة الطباعة التي جرى معظمها في لبنان، بحسب مصدر يعمل في مجال الدعايات لم يكشف عن اسمه لأسباب أمنية وأخرى متعلقة بعمله، بحسب طلبه.
انخفاض الإقبال على الدعاية التقليدية
ومقارنةً مع الدورات السابقة، أشّر أصحاب المطابع على انخفاض شديد في الانفاق على الدعاية التقليدية، حيث يؤكدون أن الانخفاض قد يصل إلى 75% عن المواسم الانتخابية السابقة، ويقول علي البطاط، وهو صاحب مطبعة في شارع المتنبي، إن "حجم الطلب على طباعة المواد الدعائية كان في السابق أعلى بأضعاف مما هو عليه الآن، مضيفًا لـ"ألترا عراق"، "في السنين الماضية كانت أغلب المطابع تعمل على مدار الـ24 ساعة ومع ذلك لا تستطيع سد الطلب".
وللوهلة الأولى، قد يبدو انخفاض الإقبال على الطباعة فرصة لتقليل مشاكل التمويل بالنسبة للكيانات الناشئة والمرشحين المستقلين، حيث يفترض أن ينخفض سعر الطباعة مع انخفاض الطلب، ولكن العكس قد حدث بارتفاع أسعار الطباعة إلى مستويات أعلى من السابق، حيث اتفق معظم أصحاب المطابع على رفع وتوحيد أسعار الطباعة رغبة منهم في الحفاظ على الجدوى الاقتصادية للطباعة.
ويوضح البطّاط أن "أصحاب المطابع رفعوا سعر الطباعة للمتر الواحد من 2.5 دولار إلى 4 دولارات لتعويض نقص الطلب، مما أدى إلى انتعاش سوق طباعة الكارتات التعريفية الصغيرة الأقل تكلفة والأكثر فائدة بالنسة للمرشحين، بسبب صغر حجم الدائرة الانتخابية حيث يمكن التواصل مع الجمهور بشكل مباشر".
سقف مفتوح للانفاق.. ماذا عن تكافؤ الفرص؟
وكانت المفوضية العليا للانتخابات قد أعلنت في الثاني من تموز/يوليو الماضي عن عزمها دراسة مشروع قانون يحدد السقف المالي للانفاق الدعائي للمرشحين أسوة بقرارها في الانتخابات قبل الماضية في العام 2014، حيث حدّدت الانفاق حينها بـ250 دينار لكل مرشح مضروبة بعدد ناخبي الدائرة الانتخابية، ولكن المفوضية عادت في 27 تموز/يوليو الماضي لتؤكد صرف النظر عن مشروع القرار وإبقاء سقف الانفاق مفتوحًا.
مدير دائرة الإعلام والاتصال الجماهيري في المفوضية، حسن سلمان، أكد في تصريح لـ"ألترا عراق"، أن "بإمكان المرشحين أن يقوموا بكل الفعاليات الخاصة لحملاتهم الانتخابية مع عدم وجود أي قيود مفروضة على المرشحين بشأن حملاتهم الانتخابية" معتبرًا أن "مسألة الانفاق الانتخابي يحدده المرشح أو الحزب ولا سقف محدد للانفاق على الدعاية الانتخابية"، فيما علّل سلمان تراجع المفوضية عن مشروع تحديد سقف مالي للانفاق بـ" صعوبة مراقبة آليات عمل المرشحين".
ويرى ناشطون سياسيون ومرشحون مستقلون أن المفوضية انحازت إلى جانب الكتل الكبيرة بالتفافها قانونيًا على ميزة تحييد المال السياسي في قانون الانتخابات الجديد عبر إطلاق يد الكتل الكبيرة في مجال الانفاق.
ويقول سجاد سالم، وهو مرشح مستقل، إن "عدم تحديد سقف مالي للدعاية الانتخابية من قبل المفوضية، وتصريح المفوضية بذلك علنًا نعتبره امتناعًا عن أداء عمل من صميم واجباتها، وهذا يخل بمبدأ العدالة الانتخابية وإخفاق من قبل المفوضية التي يشوب عملها ضعف كبير وعدم كفاءة".
أما عن طبيعة انعكاسات قرار المفوضية على البيئة الانتخابية، يقول سالم لـ"ألترا عراق"، إن "القرار يؤثر سلبًا على الكيانات الناشئة والمستقلين، لأن الأحزاب المتنفذة الفاسدة توظف اقتصادياتها المعتاشة على موارد الدولة لتنفيذ دعاية انتخابية ضخمة عبر رصد أموال هائلة واستقطاب الخبرات الأجنبية"، فيما يقف المستقلون والكيانات الناشئة اعتمادًا على العمل التطوعي قبالة "الإمكانيات الجبارة" للقوى السياسية الحاكمة، على حدّ تعبير سالم.
ما علاقة تشرين والتيار الصدري بالدعاية البديلة؟
وبالعودة الى حالة انحسار الزخم الدعائي للماكينات الانتخابية للكتل الكبيرة، يُرجع محللون نشوء هذه حالة إلى جملة من الأسباب والعوامل، أبرزها عدم اليقين الذي شاع أزاء موعد إجراء الانتخابات، إذ يقول المحلل السياسي باسل حسين إن "إعلان التيار الصدري الانسحاب من الانتخابات عزّز الشكوك لدى جميع الأطراف حول إمكانية إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها المحدد في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر المقبل".
ولكن هذا العامل، وإن كان بارزًا، لكن ثمة عوامل أخرى دفعت الماكينات الانتخابية للكتل الكبيرة لتقليل الانفاق على الدعاية التقليدية، حيث يذكر حسين لـ"ألترا عراق"، أن "هناك عدة أسباب أخرى بينها طول فترة الحملة الانتخابية التي قاربت على 3 أشهر، لا سيما أن القانون الانتخابي ربط بين بدء الحملة الانتخابية وتاريخ المصادقة على الأسماء من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات".
وانطلقت الحملات الدعائية للمرشحين والتحالفات السياسية المتنافسة في الانتخابات في 8 تموز/يوليو، وتعد الحملة الدعائية الحالية هي الأطول من حيث المدة في تاريخ الانتخابات منذ سنة 2005، إذ تستمر 3 أشهر وتنتهي في يوم الصمت الانتخابي في يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر قبل 24 ساعة من التصويت الخاص.
وعن علاقة طول الفترة الانتخابية بانتشار استخدام الدعاية البديلة للدعاية التقليدية، يقول حسين إن "مرشحين لجأوا إلى الإعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو استخدام المعونات أو تقديم الخدمات كإكساء الشوارع أو المولدات الكهربائية عوضًا عن استخدام اللوحات الإعلانية"، مرجحًا "تصاعد الزخم الدعائي مع اقتراب موعد الانتخابات، لا سيما بعد عدول التيار الصدري عن قرار الانسحاب".
ولكن مراقبين للمشهد السياسي يربطون بين تلكؤ الكتل السياسية الكبيرة في إطلاق حملاتها الدعائية التقليدية وبين احتجاجات تشرين، فوفقًا لكثير من التحليلات، فإن الماكينات الانتخابية تتردد في توسعة دعاياتها التقليدية خوفًا من حملات واسعة لتمزيق وإتلاف البوسترات والملصقات الدعائية في مناطق الجنوب، لا سيما بعد تصاعد خطاب مقاطعة الانتخابات.
يعترف نائب عن الفتح بأن تحالفه لا يستطيع تعليق صورة واحدة لهادي العامري أو قيس الخزعلي في الجنوب وتحديدًا بعد حراك تشرين
وفي حديث تلفزيوني تابعه "ألترا عراق"، ذكر النائب عن تحالف الفتح، أبو ميثاق المساري، أن "التحالف لا يستطيع تعليق صورة واحدة لهادي العامري أو قيس الخزعلي في محافظات الوسط والجنوب"، وفي معرض إجابته لمقدم البرنامج حول مدى واقعية حديثه، رد المساري قائلًا "نحن نصارح جمهورنا بلا خجل، أن تشرين أحرقت الشارع تحت أقدامنا".
اقرأ/ي أيضًا:
واشنطن تعلن دعم فريق مراقبة الانتخابات العراقية: المهمة لم تنته