29-مايو-2019

هناك تحالف بين مؤسسات إعلامية وبعض السياسيين الذين يمثلون صورة المحاصصة في العراق (فيسبوك)

ألترا عراق ـ فريق التحرير 

يرتبط انتعاش شاشة التلفزيون في العراق، خاصة البرامج السياسية، بموسمي الانتخابات وشهر رمضان، وخلالهما تتغيّر سياقات البرامج والملفّات التي يتم النقاش فيها، فضلًا عن آليات البرامج من حيث اختيار الضيوف وأعدادهم، وترتبط استضافة السياسيين بما "يدفعون" خلال هذه المواسم، خاصة في برامج الـ"تريند" التي تحصد مشاهدات عالية.

يتصدر البرامج السياسية في العراق نحو خمسة من المقدمين.. تتوفر لهم كل الإمكانيات ويكونوا محل جذب للساسة للظهور وتمرير الرسائل وإعادة الإنتاج

فيما يتصدر مقدمي البرامج نحو خمسة أشخاص، توفر لهم القنوات التلفزيونية كل الإمكانيات التي يطلبونها بفعل نسب المشاهدة التي يحققونها ما يجعلهم محل جذب للساسة، وبالوقت الذي يتفق فيه كثيرون على أن جميع القنوات التلفزيونية يمولها سياسيين، فضلًا عن التابعة بشكل رسمي لكتل ومجاميع مسلحة، يجهلون آليات عمل تلك القنوات في تعاطيها مع الأحداث وكيف تسخّر جميع مفاصل القناة لحدث معيّن أو لشخصية ما، بينما يتم التغاضي عن ملفات حسّاسة ومهمة، وكثيرًا ما شهدت بعض البرامج خلافات بين مقدميها وقيادات حزبية وصلت إلى التهديد والتشهير، لكنهم يعودون برفقة بعض في حوار تلفزيوني متحدثين عن استقلال الإعلام.

"سمسرة الاستضافة"

هناك تساؤل دائم في مواقع التواصل الاجتماعي والأوساط الصحفية عن أسباب الظهور الدائمي للنائب "فلان" في الشاشة "س"، ولماذا يظهر عضو الحزب "ص" بهذه القناة فقط؟ وبحسب إعلامي عمل في التلفاز منذ سنوات وهو مطلع على إيقاع العمل في البرامج، أن "البرامج السياسية تنقسم إلى قسمين لا يخلوان مما اسماها "السمسرة"، مضيفًا في حديثه لـ"ألترا عراق"، "خاصة وإن الكوادر الإعلامية تكون مطلعة على ما يدور خلف الكواليس من صفقات وابتزاز وصداقات وعداوات، ما يوفر لهم معرفة في تحديد فتح الملفات ومن يمكن أن تُناقش معه".

اقرأ/ي أيضًا: القصة الكاملة للإعلام الإيراني في العراق من مصادر حصرية

وبشأن تفاصيل البرامج السياسية وعملها، أوضح معد برامج في إحدى القنوات الفضائية، أن "القسم الأول، البرنامج الروتيني الذي يكون ضمن الخطة البرامجية للقناة الفضائية، والذي يُناقش ملفات آنية في السياسة وعمل المؤسسات، ومشاكل تمثل الـ"تريند" في الساحة، وتعتمد دعوة الضيوف هنا على التنسيق بين معد البرنامج ومدير العلاقات، مبينًا "غالبًا ما يكون الضيوف من سياسي الصف الثاني والثالث، أو من نواب وممثلي كتل وأحزاب سياسية، وبمرور الوقت يصبح اختيار أشخاص محددين عرفًا كممثلين للجهات التي يتطلب استضافتها في البرنامج".

قال المعد الذي رفض الكشف عن اسمه تجنبًا للإحراجات مع الزملاء في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "العمل في هذه البرامج الروتينية تكون فيه "السمسرة والابتزاز" على نحو ضيق، من حيث المبالغ وعدد المرات التي يدفع بها الضيف"، عازيًا ذلك إلى "حاجة القناة إلى ضيوف بشكل دائم لاستمرار دورتها البرامجية".

أضاف المعد أن "الساسة يحاولون توطيد علاقتهم بمقدمي البرامج من خلال الهدايا النقدية والعينية، فضلًا عن تسهيل حاجاتهم في مؤسسات الدولة، والتي وصل الكثير منها إلى تعيينهم أو توظيف أقربائهم، ما يضمن للسياسي السهولة في الحوار وعدم المناورة أو الإحراج من قبل المقدم"، لافتًا إلى أن "ممولي القنوات يفتحون ملفات بناءً على اتفاقات مع أطراف أخرى بشكل متواصل من خلال نشرات الأخبار وبرامج القناة ما يسلّط الضوء على الموضوع أكثر ويصنعون طرقًا للابتزاز وجني الأموال".

تابع المعد أن "بعض القنوات تعمد إلى صناعة برنامج رئيسي توفر له كل الإمكانيات ويكون هو رأس مالها في تناول ملفات الخصوم والأصدقاء، ليمكن القناة من دخولها إلى القنوات المؤثرة ويصنف البرنامج من القسم الثاني"، مشيرًا إلى أن "بعض القنوات فشلت في صناعة مقدم يحقق ذلك فعمدت إلى اختيار مقدمات برامج وبكادر متعدّد لضمان تحقيق نسب مشاهدة كبيرة".

نجوم الشاشة

ويتصدر الشاشة عددًا من البرامج السياسية المرتبطة بأسماء مقدميها، والتي تتجه بوصلة المشاهدة نحوها دائمًا، خاصة في وقت الأزمات والملفات الساخنة، وكثير ما ساعدت هذه البرامج لعب دور في ثنائية الـ"التحشيد، والتمويع" كما يرى مختصون في الشأن الإعلامي.

السياسيون يحاولون توطيد علاقتهم بمقدمي البرامج من خلال الهدايا النقدية والمعنوية، فضلًا عن تسهيل حاجاتهم في مؤسسات الدولة، والتي تصل إلى تعيينهم أو توظيف أقربائهم

حسين خضير، وهو أحد مسؤولي التحرير في إحدى القنوات، قال متحدثُا عن برامج رمضان السياسية، إن "البرامج انتقلت من الجلسات متعددة الضيوف إلى برامج حوارية، بعضها يستهل البرنامج بتقرير كمقدمة للدخول، فيما شهدت هذه البرامج الرمضانية السياسية محاولة لإعادة تسويق سياسيين من جيل الصقور الذين فقدوا تأثيرهم على مصدر القرار من خلال استضافتهم منفردين، ليتغنى المقدم بمجدهم السياسي من خلال مقدمته، لافتًا إلى أن "استضافة بعض السياسيين وصلت إلى أربع مرات خلال 15 يومًا من رمضان في وجود عشرات القنوات السياسية".

أضاف خضير أن "الاستضافة هنا في برامج الـ"التريند"، تتضمن ذات الأسئلة والأجوبة والانفعالات وردود المقدم، مبينًا أن "هذه البرامج حصلت على مشاهديها لأن معظمها ترتكز على صناعة الـ "أكشن"، حيث يأتون بضيف ويواجهه آخر مخالف في التوجه، ليبدأ صراع الـ "الديكة"، والذي يقوم على الحوارات الطائفية والعرقية والعمل على استنهاض الغبن الطائفي والتحشيد، فيما ينتهي أحيانًا بالعراك وترك الاستوديو".

اقرأ/ي أيضًا: مساعٍ غربية للهيمنة على فيسبوك العراق.. حديث صناعة الوهم

وبشأن القسم الثاني من البرامج السياسية قال المُعد، إن "القسم الثاني فيه نحو خمسة برامج يعتبر مقدميها من نجوم الشاشة محققين أعلى نسب مشاهدة، حيث يمتلك المقدمين مساحة واسعة لتمرير ما يرغبون فيه من ضيوف وملفات، وتدار هذه العملية في التنسيق بين إدارة القنوات أو التجاوز عن الصغيرة منها للمحافظة على بقاءهم"، مبينًا "وحدث إن استخدم أحد مقدمي البرامج علاقاته الشخصية للدفاع عن شخصية سياسية من خلال وثائق ما دفع إدارة القناة إلى  إنهاء خدماته وتبعتها مواجهات إعلامية كبيرة"، مشيرًا إلى أن "بعض البرامج وصل سعر الاستضافة فيها إلى أكثر من عشرة آلاف دولار".

أضاف المعد أن "الحوار الخاص ذات الضيف الواحد هو الأكثر تسعيرة في بورصة البرامج السياسية، خاصة وأن الكثير من السياسيين لا يوافقون على الاستضافات مع ضيوف آخرين"، عازيًا ذلك إلى أن "الضيف الواحد يكون التركيز عليه أكبر ويمنحه مساحة للدفاع عن نفسه والرد على الاتهامات التي تطاله، هي فرصة لتلميع صورته، ومحاولة لإعادة تسويقه للشارع من جديد، خاصة وإن الكثير من البسطاء يتعاملون مع تلك البرامج كمصادر ثقة وإن مقدميها ثقاة ولديهم قدرة على حمل الأمانة".

وفي السياق قال الكاتب والإعلامي هادي العصامي، إن "محتوى البرامج السياسية في شهر رمضان من حيث المهنية والإعداد روتيني، حيث يقوم المقدم بدور المعد وبالتالي لا يعتمد على المتابعة الدقيقة ولا المعلومات المرتبطة بالأسئلة المطروحة على الضيف، مبينًا أن "البرامج تعكس لون واحد اعتمد فيها المقدم على إمكانياته الذاتية دون أن يكون هناك نقاش معدين متخصصين يثري فقرات البرنامج ويحيط بمجمل الملفات التي من المفترض أن تطرح على الضيف".

 لفت العصامي إلى أن "الساحة الصحفية تفتقر لشريحة معدي البرامج السياسية وذلك مرتبط بعدم إيمان إدارة القنوات بضرورة وجودهم".

شهدت البرامج "الرمضانية السياسية" محاولات لإعادة تسويق سياسيين من جيل الصقور الذين فقدوا تأثيرهم على مصدر القرار من خلال استضافتهم منفردين في برامج تحصد مشاهدات عالية

أضاف العصامي في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "استضافة ضيف من جيل الصقور محاولة للإثارة على اعتبار أن أغلبهم غائب عن الساحة، ويعتقدون أن الجمهور لديه الرغبة بالاستماع لآرائهم، خاصة وأن انتشار السوشيال ميديا أسهم بشكل كبير في تحقيق نسب مشاهدة عالية وأتاح للمواطن متابعة مجمل الأخبار والملفات السياسية والاقتصادية والأمنية"، مشيرًا إلى أن "المواطن بات يهرب من مشاهدة البرامج السياسية، خاصة مناقشة الفساد واستكمال الحكومة وتوزيع المناصب، فيما نشاهد ارتفاع نسبة مشاهدي القنوات التي تبث برامج ترفيهية". 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الإعلام الحكومي العراقي.. جيش موظفين في جثّة تحنطها مليارات السلطة

ما الذي ينقص الإعلام العراقي: الحياد أم الموضوعية؟