20-فبراير-2020

يستطيع شباب التحرير مواجهة الضغوطات من خلال لجنة مصغرة (Getty)

توافق المعتصمون فيما بينهم يدل على وحدة الخطاب في ساحة التحرير، وبخلافة ستكثر الاتهامات والمنافسات المحمومة. لذا أتمنى أن تتشكّل مجموعة من شباب الخيام تطلق على نفسها "برلمان التحرير"، تمارس الحوار الديمقراطي فيما بينها، وتصوت على أهم القرارات، وتنبثق منها لجنة مصغرة للتفاوض وتبادل وجهات النظر وفض النزاعات، قبل أن يضعف التأييد الشعبي لهذه الانتفاضة.

تبعثر الشباب في ساحات الاحتجاج وتحويل هذه الكتل البشرية إلى "انفجارات مشتّتة"، سيساهم هذا الحال بتشتيت الجهود

 يستطيع شباب التحرير مواجهة الضغوطات من خلال لجنة مصغرة، يتم ترشيحها من قبل جميع الخيام. يكون على عاتق هذه اللجنة هو الحوار مع أي طرف يستشعر خطورة "المندسين". وأن تعلن هذه اللجنة خطابها الواضح والصريح من أن الانتفاضة ليست انتفاضة مندسين، ولا مجموعة "ملحدين"، وليست كرنفالًا للشتم والتعدي، بل أنها حركة اجتماعية تشارك فيها مختلف الفئات الاجتماعية. من وجهة نظري، لو تم تشكيل هذه اللجنة ستوقف كل المحاولات الرامية لشيطنة الانتفاضة وتصحيح بعض المسارات والعثرات التي تحدث في مثل هذا الحدث الاحتجاجي الكبير.

اقرأ/ي أيضًا: شجعان التحرير.. بين شبح الاستبداد وقلق التنظيم

تبعثر الشباب في ساحات الاحتجاج وتحويل هذه الكتل البشرية إلى "انفجارات مشتّتة"، سيساهم هذا الحال بتشتيت الجهود. إن الاحتجاج ليس تكتيكًا وإنما إستراتيجية، وإنه لا يتموضع في مكان، بل طريقة تفكير وسلوك وثقافة. والبقاء على هذه الآليات التقليدية، أي التركيز على الاعتصام فقط، لا يصب في صالح الاحتجاجات، بل يصب في صالح السلطة، لأنها ستستثمر النقمة الشعبية من خلال إطالة أمد الأزمة والتعمّد في ترك الأمور على حالها. فمن وجهة نظري: إن اللاعب الرئيسي الآن، كمنافس سياسي، هم الصدريون، لذلك ينبغي منافستهم باعتبارهم لاعبين سياسيين، أي نفكر بمنطق السياسي الحاذق. التفكير بمنطق آخر يلحق الضرر بنا وليس بغيرنا، التنكّر للسياسة سيغرقنا في دوامة من الصراعات الهامشية. فلنتذكّر جيدًا: إن الصراعات هي مقدمة لكل أفق تفكير وتنظيم وتطوّر، فمن الضروري استثمار هذه الصراعات بدلًا من رثاء الذات، فلا حلول جاهزة سوى البدء بهذه الخطوة المباركة، وهي أن نبدأ الحوار فيما بيننا، ومن ثم نحاور الآخرين باعتبارنا سياسيين.

إذا صعد الانتهازيون باسم انتفاضة تشرين، فحينئذٍ لا تنفع المراثي والتخوين والاتهامات. لا تنفع معها أي قوة شعبية لإسقاط هؤلاء الوصوليين، لأنهم سيكونون محميّين من قبل السلطة، باعتبارهم أحد استجابات السلطة لمطالب المنتفضين! معلوم أن الشباب المرابطين في ساحات الاحتجاج يقظين لهذا التحدّي من حيث المبدأ، ويضعون كثرة المتسلّقين على رقابهم من ضمن أولوياتهم، وإلّا ستكون مخرجات الانتفاضة كالتالي: جيش من الشهداء والجرحى، وحفنة من الوصوليين والانتهازيين يختزلون هذه المأساة بتكالبهم على المتاع الرخيص.

أكثر ما يؤلم هو هذه المفارقة المضحكة: في الوقت الذي يناضل المخلصون بدعم انتفاضة الشباب ليل نهار، ينبري لهم فيالق الحمقى والأغبياء بالتسقيط والتخوين وتشويه سمعتهم، بينما يتقافز الانتهازيون بأريحية كبيرة وهم بمأمن من كل تخوين واتهام. هؤلاء قنّاص آخر! قنّاص يعشش في الفيسبوك وتعشش فيالق المطبّلين، أليست هذه مفارقة غريبة؟

المهم في الأمر أتمنى أن ينتبه الشباب لهذه المعضلة مستقبلًا، لكي تصان -على الأقل- دماء الشباب الأبرياء. الانشغال بمشاكل جانبية هو أحد الجروح النازفة في جسد الشباب، والحذر كل الحذر من مواقفنا النفسية، وسلام على المرسلين.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

التنظيم السياسي.. وقاية من الدكتاتورية المضادة

كوكب "الثوريين" الأزرق