18-مايو-2019

لم تطبق أوامر اعتقال المجاهرين بالإفطار بشكل واسع هذا العام (Getty)

بدت شوارع العاصمة بغداد وبعض المحافظات مختلفة خلال شهر رمضان هذا العام، إذ لا حملات واسعة لاعتقال المجاهرين بالإفطار، كما حصل في السنوات القليلة الماضية، حينما كان حزب الدعوة الإسلامية يُدير حكم البلاد، حيث أسفرت نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، والتحالفات التي أعقبتها، عن خسارته لمنصب رئاسة الوزراء الذي ظل محتفظًا به على مدى أكثر من 13 عامًا.

لم تشهد شوارع العاصمة بغداد وبعض المدن هذا العام حملات واسعة لاعتقال "المجاهرين بالإفطار" ولم تتلق الأجهزة الأمنية أوامر باعتقالهم

مع بداية الشهر، لاحظ سلام الشمري النائب عن تحالف سائرون المدعوم من التيار الصدري غياب "إجراءات وبيانات حكومية بشأن الحد من الإفطار العلني تعود عليها المواطن خلال الفترة الماضية"، قبل أن تصبح "المجاهرة بالإفطار أمرًا طبيعيًا في المحافظات والمدن"، كما ذكر في بيان، منتقدًا "الغياب الواضح للأجهزة المعنية في الحد منه".

اقرأ/ي أيضًا: الطقس والعدس وشوارع الخضراء.. ماذا يميز رمضان هذا العام؟

"لا أوامر باعتقالهم"

يقول علي ابراهيم المفوض في شرطة نجدة بغداد لـ "الترا عراق"، إن "جهاز النجدة، وهو وثيق الصلة بالواجبات الميدانية، لم يتلق هذا العام أي أمر بملاحقة المجاهرين بالإفطار أو اعتقالهم، ولذلك فأن تناول المواطنين للطعام أو الشراب علنًا خلال النهار لايعنينا". لكن ذلك مقتصر، وإن كان بشكل نسبي، على المناطق التي لاتضم مراقد دينية.

 ففي إحدى الشوارع المؤدية لمرقد الإمام الكاظم شمالي العاصمة، علّقت قيادة الشرطة الاتحادية لافتة تحذر من الإفطار العلني وتتوعد بمحاسبة المخالفين، كما أعلنت القيادة في 3 آيار/ مايو الجاري، اعتقال شخص بمنطقة الكرادة وسط بغداد وفق المادة 240 من قانون العقوبات العراقي، المتعلقة بمخالفة القرارات الحكومية.

خلال السنوات الثلاث الأخيرة، كان الوضع مختلفًا تمامًا، ففي نهار أحد أيام رمضان 2016 وصادف 14 حزيران/ يونيو من ذلك العام، اعتقلت القوات الأمنية في بغداد أكثر من 40 شخصًا "متهم" بالإفطار العلني، لكن وسائل إعلام قالت إن عددهم الحقيقي 250 شخصًا، أغلبهم باعة مياه في التقاطعات، بضمنهم أطفال، وعمال بناء وأصحاب أكشاك بسيطة.

التغيير الملحوظ يأتي بعد أن خسر حزب الدعوة منصب رئيس الوزراء وفقدت الكثير من "رموز" الأحزاب الدينية مقاعدهم البرلمانية بعد احتجاجات "باسم الدين باكونا الحرامية"

قادة الأجهزة الأمنية أو المتحدثين باسمها، عزوا تلك الإجراءات حينها إلى المادة 240 من قانون العقوبات التي تنص، كما يوضح الخبير القانوني طارق حرب، على "حبس المجاهر بالإفطار مدة لاتزيد عن 6 أشهر أو تغريمهم مبلغ يترواح بين 250 ألف دينار إلى مليونين"، لكن ذلك لم يقنع مدونين كُثر على مواقع التواصل الاجتماعي، عدوا ذلك "رسالة من الأحزاب الإسلامية الحاكمة إلى شريحة المتدينين مفادها أن الدولة صالحة وتطبق الدين لإستجداء دعمهم، ضاربة الدستور الذي يضمن الحريات الشخصية عرض الحائط"، فيما لفت بعضهم إلى أن "مجلس قيادة الثورة المنحل برئاسة صدام حسين طبق هذه المادة خلال فترة الحملة الإيمانية في التسعينيات".

في ذلك العام والذي سبقه، عّبرت القوى المدنية الشعبية عن رفضها لـ "فساد" الأحزاب الإسلامية الحاكمة بشعار "باسم الدين باكونه الحرامية"، وهم يتظاهرون في ساحة التحرير وسط بغداد وبقية المدن احتجاجًا على تفشي البطالة وانعدام الخدمات فضلًا عن فقدان أو سرقة أكثر من 361 مليار دولار من خزينة الدولة بين عامي 2004 - 2014، وفق إحصائيات متعددة، وهو ما جعل العراق يتصدر قوائم منظمة الشفافية العالمية كأكثر البلدان فسادًا، وصنفت العاصمة بغداد كأسوأ مدينة للعيش في العالم، وفق مؤشر "ميرسر".

كان زعيم حزب الدعوة الإسلامية نوري المالكي عد ذلك الشعار، وقتها، "ضربًا للمشروع الإسلامي في العراق"، في حين عزا رئيس المجلس الأعلى الإسلامي همام حمودي خسارة الأحزاب الإسلامية في الانتخابات الأخيرة وفقدان شخصياتها البارزة مناصبها، وهو منهم، إلى "نجاح المتظاهرين المطالبين بتغيير الوجوه السياسية وإبعاد الإسلاميين عن الحكم من خلال التظاهرات وشعارهم (باسم الدين باكونه الحرامية)"، واصفًا اياهم بـ"الفاسدين، الحرامية، وأسوأ الناس"، قبل أن يحرق متظاهرون غاضبون مقار أغلب تلك الأحزاب في محافظات الوسط والجنوب في أيلول/ سبتمبر 2018.

"الحكومة تسلك سلوك داعش!"

في كركوك، أصدرت قيادة الشرطة قرارات، قبيل بداية شهر رمضان، بمنع ارتداء البناطيل القصيرة أو "البرمودة" في الأماكن العامة، ووجهت عناصرها بـ"مراقبة وملاحظة حالات التخنث لبعض الشباب للمحافظة على أصالة وقيم المجتمع العراقي". وبعد بضعة أيام، تداولت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا توثق اعتقال شباب "مخالفين" لهذه القرارات، وهو ما شبهه بعض المعلقين عليها بـ"حكم تنظيم داعش" في المناطق التي سيطر عليها في حزيران/يونيو 2014 قبل أن يخسرها لاحقًا.

خلال معارك التحرير، كان بعض أهالي المناطق التي تدخلها القوات العراقية يُعبرون عن فرحهم بخروج مناطقهم عن سيطرة داعش  عبر النزول للشوارع وممارسة كل ما منعهم منه التنظيم، رغم أن بعضها يتطلب أماكن خاصة عادةً، كحلق اللحى والتخلي عن الملابس الفضفاضة إضافة إلى تدخين الأرجيلة والسجائر بلهفة.

اقرأ/ي أيضًا: من "الحصار" إلى التكنولوجيا.. ما هي التغييرات التي طرأت على رمضان في العراق؟

ومع تحول هذه الصور إلى أيقونات على مواقع التواصل، اقترح مثقفون ضمان الحريات الشخصية هناك وحمايتها كعلاج لما قد يكون التنظيم قد زرعه من أفكار متشددة بأذهان بعض الذين كانوا تحت حكمه، وخاصة الأطفال الذين أدخلهم "داعش" في دورات "عقائدية" بدلًا عن المدارس الحكومية التي تعطل دوامها.

منذ ذلك الحين، كلما اقتربت الأجهزة الأمنية من أمور تتعلق بالحريات الشخصية بضمنها عدم الالتزام بالتعاليم الدينية أو "فرض" تعاليم دين محدد على جميع المكونات، فإنها سُرعان ما تتهم بسلوك "داعشي"، وهو ما ورد في بيان للنائب السابق عن المكون المسيحي جوزيف صليوا في 11 آيار/ مايو الجاري، متهمًا القوات الأمنية الاتحادية وقوات الأمن الكردية "الأسايش" بـ "الاعتداء على بعض المواطنين من أتباع الديانات غير المسلمة حينما أفطروا جهارًا، رغم أن الدستور العراقي ينص على المساواة في الحقوق".

تتهم أجهزة الدولة بـ "السلوك الداعشي" لفرضها تعاليم دين محدد على جميع المواطنين و"مصادرة حرياتهم" في المناسبات الإسلامية

ودعا صليوا، حكومتي بغداد وأربيل إلى "الاقلاع عن تلك السلوكيات الداعشية"، محذرًا بالقول: "وإلا فأن الفكر الداعشي، الذي طالما حذرنا منه، سيبقى"، واصفًا إياه بـ"أساس البلاء".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تكدره مخاوف أمنية وأزمات.. رمضان يطرب أسواق الموصل وسراديبها القديمة

الكهرباء تعلن ساعات التجهيز في رمضان وتصدر توجيهًا بشأن المولدات الأهلية