17-مارس-2019

يستمر الاحتفال في عيد "البرونايا" لمدة خمسة أيام (ألترا عراق)

على ضفاف نهر دجلة في بغداد، يحتفل الصابئة المندائيون، بأحد أشهر أعيادهم السنوية والمعروف بالعيد الكبير أو عيد الخليقة، ويعرف أيضًا بعيد "البرونايا"، باللغة الآرامية المندائية، وفيما يقيم المندائيون طقوس الاحتفال والتعميد في الماء الجاري وذبح الأضاحي، أستقبلوا في الوقت ذاته أصدقائهم من ذوي الخلفيات الدينية المختلفة من مسلمين ومسيحيين وإيزيديين، لمشاركتهم المناسبة وتبادل التهاني.

يعتبر عيد "البرونايا" أحد أشهر أعياد الصابئة المندائيون ويسمى عندهم بـ"عيد الخليقة" وتكون طقوس احتفاله في الماء الجاري وتذبح الأضاحي فيه

وعند المكان المخصص للطقوس في أرض التعميد المحاذية لنهر دجلة، أنتظر "ألترا عراق"، الريشمة ستار جبار الحلو، الزعيم الديني للصابئة المندائيون في العراق والعالم، ليسأله عن رمزية هذا العيد في المعتقد المندائي، فأجاب أن "المندائيين يحتفلون بأربع أعياد دينية هي البرونايا والثاني هو دهوا ربا والثالث دهوا حنينة وآخرها عيد التعميد الذهبي أو دهوا آد ديمانه"، مستدركًا "لكن يبقي البرونايا الذي يستمر خمسة أيام عيدًا يستقبله المندائيون استقبالًا جميلًا ويفرحون بقدومه لأن أبواب النور تفتح في هذه الأيام، وتنزل الملائكة والأرواح الطاهرة من السماء على الأرض، لتصبح الأرض جزءًا من عالم النور".

أثناء طقوس الاحتفال بـ"البرونايا" (ألترا عراق)

أوضح، أن "الأيام الخمسة هذه تسمى الأيام البيضاء يتساوى فيها الليل والنهار ويتمكن الإنسان المندائي من أداء طقوسه الدينية متى يشاء، ليلًا ونهارًا، خلافًا لبقية أيام السنة التي يقتصر أداء الطقوس فيها على النهار حصرًا، كما أن الكون والبشرية خُلقت بهذه الأيام الخمسة".

ولادة جديدة في مياه يوحنا المعمدان

ويحيي الصابئة طقوس العيد بالملابس البيضاء في نهر دجلة، والتي تحدث عنها رجل الدين المندائي، الأشكندة سالم الخميسي في حديثه لـ"ألترا عراق"، بالقول، إننا "نرتدي الزي الأبيض أثناء إحياء مراسيم التعميد، وهي الملاب التي كان يرتديها نبينا يحيى بن زكريا، ونقوم بإدخال المعتمد إلى النهر وإخراجه لكي يغتسل من ذنوبه وخطاياه مهما كانت كبيرة، وأثناء ذلك نرتل نصوص الكتاب المقدس للمندائيين "الكنزا ربا"؛ البركة لجميع المؤمنين ولجميع المندائيين المصبوغين في الماء الحي الذين للحي الله، يشهدون والأعمال الصالحة يعملون، مبينًا "وعندها يخرج المعتمد كأنه ورقة بيضاء قد أغتسل من كل الخطايا والذنوب".

طقوس الاحتفال بـ"البرونايا" (ألترا عراق)

فيما ترمز عملية الغطس تحت المياه إلى الموت، ويرمز الخروج بعدها لسطح الماء بعدها إلى ولادة جديدة.

ويرى الناشط المندائي ساري الصابري، أنه "من هذا التعميد تأتي تسمية الديانة، إذ أن كلمة الصابئة مشتقة من الجذر صبا والذي يعني باللغة الآرامية اصطبغ، غط أو غطس في الماء الجاري".

اقرأ/ي أيضًا: ماذا تعرف عن الصابئة المندائيين؟

أضاف في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "هناك طقسًا دينيًا آخر لدينا في العيد ويتمثل بالثواب، ويسمى بالفاتورة أو المائدة، والتي تعني مشاركة أرواح الموتى ومساعدة المخطئين منهم في العالم الآخر وتكون عن طريق قراءة إحدى الصلوات المندائية على الطعام، لنرسلها ثوابًا إلى النسمة أو الروح الموجودة هناك حتى تنفك من خطاياها".

طقوس الاحتفال في عيد الخليقة (ألترا عراق)

ويستخدم الصابئة المندائيون التعميد في أيام الأعياد وفي الزواج والوفاة، كما يتم تعميد الأواني في ماء النهر الجاري، ويرتدون ملابس خاصة بيضاء في التعميد، بحسب الصابري.

عراقيون من أديان أخرى يحتفلون أيضًا

ويبدو أن المشتركات التي تجمع المندائيين مع شركائهم في البلد عميقة، والتي تعود لجذورها الضاربة في تاريخ بلاد ما بين النهرين، وإنطلاقًا من هذه المشتركات بادر مجموعة من الشباب والشابات، مسملون سنة وشيعة، مسيحيون وإيزيديون بتقديم التهاني لأصدقائهم المندائيين.

ويقول سركَيس يوخنا، وهو ناشط مسيحي، أن "جذورنا واحدة في العراق ومصيرنا واحد في العراق، لا مناص من تكاتفنا وتآخينا، صحيح أن الماضي مؤلم، تعرضنا لسنوات مستمرة لظلم سياسي واجتماعي نتج عنها لاحقًا هجرة كبيرة تضاعفت مع دخول "داعش"، مستدركًا في حديثه لـ"ألترا عراق"، "لكن التفكير بالماضي سوف يجعلنا سجناء كراهيات إلى ما لا نهاية، لا بد أن نتحرر من الكراهيات ونسير بما يمكن إصلاحه في العراق، مبينًا أن "مبادرتنا هذه بمشاركة اخوتنا المندائيين وبرفقة أصدقاء آخرين مسلمين وإيزيديين، ما هي إلا دليل على طموح الشباب والشابات اليوم بتعزيز آفاق التعايش في مرحلة ما بعد داعش".

طقوس عيد البرونايا (ألترا عراق)

في ذات السياق، يرى نور الدين الحمداني، وهو ناشط شاب عربي من محافظة الأنبار، أن "الظروف التي نجمت عن اجتياح داعش وتهديده لتعددية العراق، سهلت هجرة الأقليات الدينية من جهة، وتقوقع المتبقون منهم على أنفسهم من جهة أخرى، لذا من المهم أن تبادر المجتمعات العربية أو المسلمة، لزيارة الأقليات الدينية، والتعرف على مجتمعاتهم المحلية، مناسباتهم وطقوسهم، لكسر حاجز الجهل بالآخر المختلف، الذي يولد حزازيات مجتمعية من قبيل؛ المسلم لا يتقبل الإيزيدي، والمسيحي يكره المسلم، والصابئة سحرة وإلى آخره من  الأفكار المغلوطة التي ولدها الجهل بالآخر المختلف"، مؤكدًا في حديثه لـ"ألترا عراق" أن "مشاركة أهل الأديان والقوميات الأخرى في العراق بمناسباتهم ومباركتهم توطد أوصر المحبة بين جميع المكونات العراقية".

بينما تقول الشابة الإيزيدية، رانيا سالم لـ"ألترا عراق"، إنها "فرصة لشابة مثلي أن تدخل مكانًا مندائيًا دينيًا وتختلط ببقية الشبان من المكونات الأخرى، لقد كنا اليوم إيزيديين ومسلمين ومسيحيين ومندائيين معًا على مائدة طعام واحدة".

مناسبة "عيد الخليقة" جاءت لتكمل صورة حراك مجتمعي شبابي للوحدة في مقابل "الانقسام السياسي" وعلى عكس صورة العراق الذي يقدم في نظام "المحاصصة" 

ويرى الشباب في الاحتفال، أن مناسبة عيد الخليقة جاءت لتكمل صورة حراك مجتمعي شبابي للوحدة في مقابل الانقسام السياسي، ففي بلاد ما بين النهرين التي تنقسم فيها خطوط دينية وقومية وعرقية وفقًا لنظام المحاصصة، تظهر للعيان بين الحين والآخر، مبادرات غير رسمية، مثل مبادرة هؤلاء الشبان، تعبر عن الرغبة في تعزيز التعايش وبناء السلام في عراق ما بعد داعش، والاحتفال بمناسبات المكوّنات الأخرى بوصفها فرصة لتأكيد التضامن والتعايش بين العراقيين، مقدمة صورة عن عراق آخر غير الذي يقدم في نظام "الديمقراطية التوافقية".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

لا صابئة في محلة الصابئة

"حمّام اليهودي" لعلاء مشذوب.. التاريخ الموازي للتنوع في كربلاء