23-أكتوبر-2020

تلك الفرصة لالتقاط صورة عمودية لوطن بلا ظل (Getty)

"العميقة والعقيمة"، هكذا يرى مراقبون التأرجح غير المتوازن للعراق كدولة اقتربت من أن تُصنف كدولة فاشلة حسب المفهوم السائد عالميًا، والذي انطلق عربيًا منذ أول ولادة عسيرة للربيع العربي. والدولة الفاشلة (تصبح فاشلة إذا ظهر عليها عددٌ من الأعراض أولها؛ أن تفقد السلطة القائمة قدرتها على السيطرة الفعلية على أراضيها، أو أن تفقد احتكارها لحق استخدام العنف المشروع في الأراضي التي تحكمها، وثانيها هو فقدانها لشرعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها، وثالثها عجزها عن توفير الحد المعقول من الخدمات العامة، ورابعها عجزها عن التفاعل مع الدول الأخرى كعضو فاعل في الأسرة الدولية). إن انتزاع الدولة جماهيريًا من سلطة ما، اختلف باختلاف الأزمنة، فيما تكون الحكومات المعاصرة أكبر من أن تطاح بوسائل الشارع المنتفض التقليدية، إعلاميًا تنفض الحكومات الدماء عن ردائها لتوهم الجماهير بذئب خفي.

تتدخل الفلسفة السياسية مصطحبةً معها التاريخ السياسي، بحقائب من ملفات سابقة، تطرحها للشارع، فتستعير حلولًا من "الماضي المستمر"، قد يعتبرها الجمهور مغالطة منطقية، إذ تقول الرؤية المعدة حسب هيكل السياسة العراقي: أنه لا بد من حركة انتفاض سياسي من أحد أعمدة الحكومة - كونها أدرى بشعاب الساسة - يقلب الطاولة مخمليًا على الطبقة الحاكمة دون إسقاط الدولة (بمفهومها السيادي)، والحؤول دون خلق الفوضى، وفتح المجال أمام انتهازية الصدام والعبث المجتمعي. فظهور مؤسس لدولة عراقية من داخل الأروقة بنتائج أقرب للضمان خير من تجربة هدم الهيكل السياسي ذي الجذور المجتمعية، وبالتالي الذهاب إلى ضبابية قد لا تنقشع إلا بعد آثار جسيمة.

ظلال كثيرة بين الجماهير لا يبصروها، فالتحشيد والاكتضاض يغيّب الظل وفق الفيزياء والسياسة، وقد يكون الحماس الزائد وإفراط الحس الثوري هما السبب، فضلًا عن ماكنات إعلامية نووية. إن ترسبات حياة العراقيين، شكلت ظلًا عكسيًا للأفراد، يظهر ساعة الغضب أحيانًا، يمشي أمامهم، يخفي تجاعيد الأرض المخيفة، يخفي أيضًا تقعرات الطريق وتحدياته والحفر، الظلال تلك تقود المواطنة نحو اختيار غير صائب يعزز دولة الظل المعاصرة وقد يمهد مستقبلًا لدولة ظل بديلة. ففي كردوس تظاهري عفوي تقريبًا، انطلقت شعارات خارج سياق التوجه، وجدت نفسي أردد له رغم عدم القناعة به، لم أستطع الانسحاب واقنعت نفسي أن الأخطاء واردة في تنظيم عفوي، لكن هذه الأخطاء التي تغاضيت عنها أثارت ردودًا لم نسلم منها، وأنا أتساءل؛ هل ظهر ظل تلقائي "غير مستشعر"، حيث أننا نسير للحرية تحت ظلال مصطنعة لا نشعر بها؟! هكذا يتساءل المتظاهر (ح ل ج).

من هزيع الليل الأخير ينسلخ الفجر، من ظلّ ما ينبلج الضوء، حَملُ المصابيح ينير الطريق المقابل لك فقط، لكنه لا يضيء منحدرًا على حافة ممر معبد، المسار ضيق والحافات واسعة، ومن أيها يرتمي الخطر المحدق! هذا هو السؤال والجواب معًا. تختفي الظلال منتصف الظهيرة حيث الشمس تتسابق عموديًا، انتظر تلك الفرصة لالتقاط صورة عمودية لوطن بلا ظل.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تحديات جسيمة ورهانات غائبة

الأجيال الجديدة: لحظة في وجه الذاكرة!