01-أكتوبر-2020

استخدمت السلطات العنف ضد المتظاهرين منذ الساعات الأولى من احتجاجات تشرين

الترا عراق - فريق التحرير

لم يكن أحد يتخيل ربما أن تتحول حركة احتجاج بدأت بعدد محدود من شبان احتشدوا في ساحة التحرير، ظهيرة الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2019، إلى "انتفاضة" كبرى تقود إلى تحولات غير مسبوقة، وتمتد لتصبح لحظة فارقة في تاريخ العراق الحديث، تغذيها دماء آلاف العراقيين الذين سقطوا ضحايا الرصاص وقنابل الغاز وهجمات الجماعات المسلحة، فضلاً عن عمليات الترهيب والاختطاف والاعتقال.

بعد عام من تلك اللحظة، رفع المتظاهرون في ساحة التحرير هذا اليوم (الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2020)، ذات المطالب التي دشنوا بها حراكهم، إلى جانب صور الضحايا الذين تحولوا إلى رموز لـ"الانتفاضة"، مطالبين بحكم رشيد وقصاص من "القتلة"، في وقت تشهد فيه البلاد أجواء متوترة وأزمات خانقة على مستويات عدة.

ويعيد "الترا عراق" نشر أول تقرير أعده عن تظاهرات تشرين، مساء مثل هذا اليوم من العام الماضي، حيث واكب الاحتجاجات الجماهيرية منذ لحظة انطلاقها ضمن عدد محدود جدًا من وسائل الإعلام المحلية، والتي تعرض صحافيوها إلى الملاحقة والتهديد والتهجير ثمنًا لذلك.


لم تكن الاحتجاجات هذه المرة تقليدية، لا جهة سياسية أو دينية أو حتى ناشطين يقفون خلفها، وعلى الرغم من كونها واجهت اتهامات مبكرة من أطراف عدة، إلا أن الآلاف استجابوا لدعوات الخروج التي رفعت هذه المرة سقفًا عاليًا من المطالب تمثل بشعار "الشعب يريد إسقاط النظام".

أعلنت "تظاهرات أكتوبر" عن جيل جديد من الاحتجاجات العراقية بعيد عن محركات التظاهر السياسية والمدنية وأعادت إلى الأذهان تظاهرة 2015 الأولى

أعادت احتجاجات "أكتوبر" إلى الأذهان تظاهرة 2015 الأولى، والتي خرج فيها عشرات آلاف العراقيين مدفوعين بالغضب من الفساد وسوء الإدارة والظلم، قبل أن تبدأ محاولات "ركوب موجتها" من قبل أطراف سياسية ودينية.

بيان رقم واحد.. من هؤلاء!

منذ مساء الإثنين 30 أيلول/سبتمبر 2019، بدأت القوات الأمنية إجراءات مشددة وسط بغداد، بعد دعوات تداولتها صفحات التواصل الاجتماعي والمواطنون، عن تحرك لتغيير النظام في الأول من تشرين الأول/أكتوبر، قبل أن يظهر شخص ويتلو بيانًا يعلن فيه تشكيل حكومة جديدة بقيادة الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي.

في الشارع كانت الحركة في بغداد وبعض المحافظات "خفيفة جدًا" الكثير من الموظفين لم يذهبوا إلى دوائرهم، حيث انتشرت دعوات "حراك أكتوبر" منذ أشهر وكان أول من "شيطنها" زعيم حركة عصائب أهل الحق في تصريح أدلى به قبل أسابيع.

لكن عدم وجود جهة معروفة خلف الدعوات إلى التظاهر، لم يمنع العشرات من المواطنين من بدء الاحتجاجات منذ ساعات الصباح الأولى في ساحة التحرير، وتوجيه نداء إلى كافة المواطنين بالمشاركة، مع رفع شعارات تطالب برحيل حكومة عبد المهدي إلى جانب صور الفريق الركن الساعدي، والذي تتفاعل قضية إبعاده عن قيادة قوات جهاز مكافحة الإرهاب منذ أيام.

وكعادتها كانت البصرة في طليعة الاحتجاج، لكن القوات الأمنية منعت تجمع البصريين وسط المدينة، قبل أن تعتقل العشرات منهم وتطلق سراحهم لاحقًا.

احتجاجات ساحنة.. و"تخبط" أمني!  

مع انقضاء ظهيرة الثلاثاء، كانت أعداد المتظاهرين ترتفع بشكل ملحوظ في بغداد، على الرغم من إعلان التيار الصدري والأطراف السياسية وحتى ناشطين ممن عرف بالدعوات إلى الاحتجاجات عدم المشاركة فيها، مع تحرك في محافظات أخرى، هي الديوانية، ذي قار، كربلاء، النجف، والبصرة.

طاب آلاف المتظاهرين في بغداد وعدة محافظات أخرى بـ"إسقاط النظام والأحزاب" ودعوا رئيس الحكومة عادل عبد المهدي إلى الرحيل

بالمقابل كانت القوات الأمنية تزيد من تشديد إجراءاتها، مع تخبط واضح، حيث بدأت بقطع الطرق والجسور وسط العاصمة ثم إعادة فتحها، قبل أن تبدأ "حفلة العنف ضد المتظاهرين" في بغداد والمحافظات الأخرى، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، في حصيلة لا تزال غير نهائية.

اقرأ/ي أيضًا: دعوات مجهولة للتظاهر و"الانقلاب" في العراق.. ماذا تعرف عن نداء (89)؟

أظهرت صور ومقاطع مصورة، آلاف المتظاهرين في ساحة التحرير وهم يهتفون بمطالب "الإطاحة بالنظام السياسي القائم وعزل حكومة عبد المهدي"، ثم بدأوا يزحفون باتجاه جسر الجمهورية نحو المنطقة الخضراء الحكومية.

وعلى الرغم من أن المنطقة لم تعد محصنة بالحواجز الكونكريتية، إلا أن القوات الأمنية واجهتهم بالغاز المسيل للدموع والماء الساخن، ثم شنت حملة من "الاعتداءات" ضدهم، انتهت باستخدام الرصاص الحي، وفق مصادر أمنية وطبية تحدثت لـ "الترا عراق"، فضلًا عن صور وفيديوات وثقت حركة الاحتجاجات.

في المحافظات الأخرى لم تكن الصورة تختلف كثيرًا، حيث "استخدمت القوات الأمنية العنف المفرط" ضد المتظاهرين، وفرقتهم في كربلاء والنجف والديوانية وذي قار باستخدام الذخيرة الحية، ما أسفر عن سقوط ضحايا.

استمرت الاحتجاجات لساعات على وقع أصوات الرصاص الحي ودخان الغاز المسيل للدموع، مع استمرار في محاولات "تجاهلها" من طرف القوى السياسية والحكومية، حيث كان رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، يعقد اجتماعًا مع حكومته في العلاوي وسط العاصمة، تمخض عن بيان أعلن فيه اتخاذ حزمة قرارات بشأن الخريجين وحملة الشهادات العليا، الذين كانوا أحد محركات "احتجاجات أكتوبر".

اجتماع طارئ.. وحملات "قمع" ليلية!

لكن وقع الاحتجاجات والتفاعل الشعبي الكبير غير المتوقع معها، خاصة بعد الإجراءات الأمنية التي أثارت قلق منظمة العفو الدولية، أجبر عبد المهدي على عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الوطني، لـ "مناقشة تداعيات الاحتجاجات في البلاد"، وفق بيان صدر عن مكتبه.

بالأثناء، كانت قوات أمنية تلاحق متظاهرين تفرقوا من ساحة التحرير في شوارع البتاوين والسعدون مع إطلاق رصاص نحوهم، بحسب مصدر أمني أبلغ "الترا عراق"، فيما تشير المعلومات المتوفرة حتى الآن إلى سقوط أربعة قتلى في الاحتجاجات التي تشهدها البلاد، على أقل تقدير مقابل عشرات الجرحى.

واجهت السلطات تظاهرات بغداد والمحافظات بالعنف والرصاص الحي ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، وسط قلق دولي 

في المحافظات الأخرى، تقول مصادر محلية وأمنية إن القوات الأمنية شنت حملة اعتقلات ضد المشاركين في التظاهرات وأجبرت العشرات منهم على توقيع تعهدات بعدم المشاركة مرة أخرى.

من جانبها نشرت خلية الإعلام الحكومي بيانًا مشتركًا لوزارتي الداخلية والصحة، قال إن "العاصمة بغداد مع عدد من المحافظات، شهدت انطلاق تظاهرات احتجاجية تطالب بتوفير الخدمات العامة وفرص العمل، ونعرب عن أسفنا لما رافق هذه الإحتجاجات من أعمال عنف، صدرت من  مجموعة من مثيري الشغب لإسقاط المحتوى الحقيقي لتلك المطالب وتجريدها من السلمية التي خرجت لأجلها".

وأضاف البيان، "إننا في الوقت الذي نتضامن مع حرية التعبير التي كفلها الدستور، وانطلاقًا من مبدأ المسؤولية الوطنية، ندعو المواطنين كافة إلى التهدئة وضبط النفس، ونؤكد استمرار الأجهزة الأمنية في تأدية مهماتها حرصًا منها على أمن وسلامة المتظاهرين".

وأشار البيان أيضًا، إلى أن "وزارة الصحة تؤكد استمرار ملاكاتها الطبية في تقديم العلاج إلى الجرحى الذين استقبلتهم المؤسسات الصحية، حيث سجلت حالة وفاة واحدة، فيما بلغ عدد الجرحى 200، بينهم 40 مصابًا من منتسبي الأجهزة الأمنية، خرج عدد منهم بعد تلقيهم الإسعافات الأولية، مع استمرار الملاكات الطبية في تقديم الرعاية الصحية للمتبقي من للراقدين وعددهم 50".

من جانبها أبلغت مصادر أمنية "الترا عراق"، أن "قائد عمليات بغداد الفريق الركن جليل الربيعي، أصدر إلى ضباطه أوامر باستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين، بهدف إجبار المحتجين على الانسحاب في أسرع وقت، وفق أوامر حكومية عليا"، مشيرة إلى أن "الربيعي نفسه قد تعرض إلى إصابة خلال أحداث ساحة التحرير".

على مواقع التواصل الاجتماعي، تفاعل الناشطون والمواطنون بشكل كبير مع تظاهرات "أكتوبر"، مع سخط كبير من لجوء رئيس الحكومة إلى العنف ضد المتظاهرين، حيث طالب عشرات الأشخاص بمواصلة الاحتجاجات حتى إجباره على التنحي، فيما قارنه آخرون بأسلافه الذين استخدموا ذات الوسائل ضد المتظاهرين.

اكتفى مقتدى الصدر بالمطالبة بتحقيق في أحداث ساحة التحرير فيما قالت واشنطن إنها تتابع تطورات الأمور في العراق

كما دعا ناشطون، إلى التحرك بشكل جاد في ملاحقة الضباط المسؤولين عن استخدام العنف ضد المتظاهرين في احتجاجات الثلاثاء، وتقديمهم إلى القضاء لينالوا عقوبات رادعة، عادين أن ذلك هو السبيل الوحيد لـ"ضمان عدم تكرار العنف ضد المتظاهرين مستقبلًا".

الصدر يغرد.. وواشنطن تعلق

بدوره اكتفى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بمطالبة الرئاسات الثلاث بـ "فتح تحقيق عادل بما حدث اليوم في ساحة التحرير"، عبر تغريدة في تويتر. وكان الصدر قد وجه أنصاره بعدم الوقوف في وجه التظاهر عبر الحساب المقرب منه على فيسبوك باسم "صالح محمد العراقي".

بدورها دعت وزارة الخارجية الأمريكية، الأطراف السياسية في العراق الى تخفيف حدة التوتر. ونقلت محطات تلفزيونية أمريكية عن مسؤول في الخارجية قوله، إن" واشنطن تتابع عن قرب الأوضاع التي تجري في العراق".

 

اقرأ/ي أيضًا:

 "البوارح" تذيب "ذرائع" عبد المهدي وتشعل احتجاجات الصيف: البصرة تغلي مجددًا!

"فشل" وتشبث بالسلطة.. هل يطيح الجنوب الغاضب بعبد المهدي؟