08-سبتمبر-2021

اعتبر خبراء أنه ضجة إعلامية (فيسبوك)

بوجود أكثر من 100 صندوق سيادي حول العالم، يسعى العراق لتأسيس صندوق الأجيال وسط استشراء الفساد والأزمة الاقتصادية، فضلًا عن الكم الهائل من الديون المتراكمة التي يلتزم بتسديدها وفق اتفاقيات دولية، بينها تعويضات عن حروب خاضها النظام السابق، ما يثير التساؤل حول ماهية الصندوق الجديد وكيفية الترتيب له مع وجود العديد من المعرقلات أمامه. 

يشك مقرّر اللجنة المالية النيابية في جدية الحكومة بتأسيس صندوق الأجيال لوجود الكثير من الأمور المتعلّقة بالأموال ولم تتخذ الحكومات المتعاقبة قرارات جدية بشأنها

وأعلنت الحكومة العراقية خلال جلسة مجلس الوزراء مؤخرًا، تبنيها مشروع قانون صندوق الأجيال، حيث قال المتحدث حسن ناظم، في المؤتمر الأسبوعي، إن رئيس الحكومة طالب الوزارات برؤيتها للصندوق لمناقشته في الجلسات المقبلة.

                                                             قناتنا على تلغرام.. تغطيات مُحايدة بأقلام حرّة

يأتي ذلك، في وقت تسجل فيه الصناديق السيادية العربية بقيادة الكويت والإمارات والسعودية بعد سنوات طويلة على تأسيسها بصمات كبيرة، أسوة بالصناديق العالمية في 2021، إذ يقول معهد صناديق الثروة السيادية، إن "إجمالي أصول 95 صندوقًا سياديًا في العالم بلغ 8.224 تريليون دولار في كانون الأول/ديسمبر من العام الجاري".

تشكيك بالقرار.. وتوقع بمليار دولار سنويًا

وتعليقًا على إعلان مجلس الوزراء لقراره حول الصندوق، اعتبر مقرّر اللجنة المالية النيابية، أحمد الصفار، قدوم الفكرة متأخرة أفضل من عدم قدومها، مبينًا في تصريح لـ"ألترا عراق"، أنه "يشك في جدية الحكومة بتأسيس صندوق الأجيال لوجود الكثير من الأمور المتعلقة بالأموال، ولم تتخذ الحكومات المتعاقبة قرارات جدية بشأنها".

ولفت الصفار، إلى أن "الحكومات تستمر بإهمال مواضيع كثيرة، مثل الأموال العراقية المنهوبة، والفساد المستشري، وفخ الاقتراض الخارجي المستمر، وانعدام التنمية الحقيقية، وعدم وجود تنفيذ للموازنة الاستثمارية، مستدركًا "لكن فكرة إنشاء الصندوق تبقى ممتازة لاستخدامه في  حالة الأزمات، وانخفاض أسعار النفط، أو التعرّض لضائقة مالية، وكذلك استثمار أمواله بمختلف الأسواق".

اقرأ/ي أيضًا: الكاظمي يتحدث عن "صندوق الأجيال" وموعد الانتخابات ومؤتمر بغداد

وعن كيفيّة تخصيص الأموال للصندوق، بيّن الصفار، أن "نسبة معيّنة من إيرادات صادرات النفط ستذهب له، مشيرًا إلى أنه "ربما إذا تم وضع دولار واحد من كل برميل نفط فسيكون هناك في السنة الواحدة  أكثر من مليار دولار، ومع تراكمه سيحقّق الفائدة للعراق ومستقبل أجياله المقبلة من أي ركود اقتصادي".

وتعد الكويت صاحبة أول صندوق سيادي في العالم عام 1953، وفي العام 2013 فاقت قيمة أصول الصناديق السيادية أربعة تريليونات دولار، ووصلت عام 2014 لنحو 82 صندوقًا حول العالم.

وانتقل عدد الصناديق السيادية من ثلاثة فقط عام 1969، إلى 22 في 1999، ثم إلى 44 في عام 2008، كما أن من أبرز المجالات التي تستثمر فيها، هي العقار وصناديق التحوط وصناديق الاستثمار في الأسواق المالية والسندات والأسهم والعقود الآجلة والمواد الأولية.

تحذير من الفساد وسوابقه

ويرى المحلّل الاقتصادي مصطفى أكرم، أن صندوق العراق الجديد سيضمن للأجيال المقبلة عدم التأثر بأزمة حقيقية تأتي بقلّة فرص العمل والاستثمارات الداخلية نتيجة انخفاض أسعار النفط، لافتًا إلى أن "أمواله يمكن استخدامها بالاستثمارات المربحة لتعويض اختلالات الموازنات المالية العامة، فيما شدّد على "ضرورة تسليمه لإدارة نزيهة لا تهدر محتوياته".

وذكر أكرم، في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "هناك تجارب سابقة للفساد موجودة بصندوق التقاعد، والضمان الاجتماعي، فضلًا عن صندوق العراق للتنمية الخارجية، مؤكدًا أنها "صناديق شبه ميتة تشوبها الكثير من عمليات الاختلاس وتديرها إدارات فاشلة تعاقبت عليها، مضيفًا أن "صندوق الأجيال بحاجة لإدارة حقيقية بعقلية استثمارية وتجارية تقوم بخدمته وجعله بمصافي الصناديق المتقدمة عالميًا".

وأوضح أكرم، أن "العراق يمكنه الاستفادة من صندوقه الجديد خصوصًا بعد قرب التخلّص من ديون نادي باريس والتعويضات الكويتية، ما سيجعل الحكومة العراقية أمام وفرة مالية كبيرة سنويًا تقدر بـ4 إلى 5 مليارات دولار بالإمكان توجيهها نحو الصندوق بوجود إدارة حكيمة له".

لكن الخبيرة الاقتصادية، سلام سميسم، ورغم أنها عدّت تأسيس الصندوق، فكرة "تنموية"، لكنها وصفته بـ"الخطوة المبهمة والغامضة" لعدم وجود قانون يوضح تفاصيله.  

وقالت سميسم، في حديث لـ"ألترا عراق"، إن "إطلاق الصندوق بهذا الشكل من قبل الحكومة، وكأنه يراد منه إحداث قضية إعلامية دون آلية تبين كيفية استحصال الأموال ونسبها وطريقة إدارتها وإرباحها، لحمايتها من التضخم الذي يعتبر نتيجة اعتيادية تحصل في أي اقتصاد، معتبرةً أن "الضبابية التي تحيط بالصندوق تشجع وتعتبر مناخًا ملائمًا لدخول الفساد والسيطرة عليه، كما ستتيح الفرصة لحصول المحاصصة السياسية على الصندوق للاستحواذ على الفوائد".

وما يعزّز المخاوف الموجودة من فكرة الصندوق في العراق وإمكانية تعرضه لسطوة الفساد، فقد كان تقرير صادر عن منصة "غلوبال إس دبليو أف" المتخصّصة بتحليل صناديق الثروات بتاريخ تموز/يوليو 2021، قد شكّك بشفافية الصناديق السيادية في بعض بلدان الشرق الأوسط مع تأشيره انخفاض معدل الثقة بها، مبينًا أن "العديد من أكبر الكيانات السيادية في منطقة الشرق الأوسط تفتقر للشفافية وعدم كفاية الإفصاح".

وأوضح التقرير، أن "صناديق ثروة دول مثل النرويج ونيوزيلندا وأستراليا يتمتعون بمستويات أعلى من الحوكمة والاستدامة والمرونة".

نقاط إضافية للاستفادة

من جانب آخر، يعتقد الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن الشيخلي، أن هناك طرقًا أخرى يمكن الاستفادة منها بدعم صندوق الأجيال العراقي، مبينًا في حديث لـ"ألترا عراق"، أنها تتمثل بنقطتين، أولها: الأموال العراقية الموجودة في وزارة الخزانة الأمريكية وهي بحدود 46 مليار دولار يتقاضى العراق منها نسبة 1% كفوائد، بالإمكان الاستفادة منها في حالة حدوث أي ظرف اقتصادي رغم كونها تعتبر احتياطي عراقي من العملة في الخزانة.

أما النقطة الثانية، قال إنها "تكمن بوجود محاولة سابقة كانت أشبه بفكرة الصندوق السيادي حين قامت الحكومة باستقطاع نسبة معينة من رواتب الموظفين والاحتفاظ بها بصندوق معيّن لأغراض التقاعد، لكنه تعرض للفساد المالي والإداري خاصة بعد إضافة غير المتقاعدين الذين ليست لهم خدمة في دوائر الدولة ما استنزف الأموال، وهو ما يجب الحذر منه في الصندوق الجديد بعدم إضافة جهات تستنزفه مستقبلًا".

اعتبرت الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم إطلاق صندوق الأجيال بهذا الشكل يراد منه إحداث قضية إعلامية 

ويشير الشيخلي إلى أن "هناك إمكانية أيضًا للاستفادة من الأموال المهربة واستعادتها لتدخل بصندوق الأجيال السيادي حيث ستشكل قوة  كبيرة له، كما لا يجب نسيان الأموال التي خرجت من العراق خلال النظام السابق قبل 2003 ومصيرها مجهول لغاية اليوم".

مقارنة العراق بتجارب ناجحة

في السياق، يقارن المختص في شؤون الأزمات، علي الفريجي، بيّن الفارق الكبير بما يحصل في العراق من خلال تفكير الطبقة الحاكمة، وبين عدة دول عالمية نجحت في إدارة الاقتصاد ومشاريع الصناديق السيادية وتطويرها، مؤكدًا أن "هناك صعوبة في تطبيق هذا النجاح بالعقلية العراقية الحالية بناءً معطيات السنوات الماضية".

اقرأ/ي أيضًا: ما هي آثار "صندوق النقد الدولي" على العراق؟

وقال الفريجي في حديثه لـ"ألتر عراق"، إن "النرويج يبلغ صندوقها السيادي 1.3 تريليون دولار بالمرتبة الأولى عالميًا، والصيني بـ 1.2 تريليون دولار بالمرتبة الثانية، والكويتي بـ691 مليار دولار، ثم الإمارات رابعًا بـ 642 مليار دولار، وهي بضمن أكثر من 100 صندوق أجيال حول العالم، موضحًا أن "صناديق الأجيال لا تعد للأموال فقط، بل للسندات والأصول والعقارات، فضلًا عما يضاف لها من الموازنات المالية للبلدان".

وبينما يعتبر المختص، أن هذا النوع من الفكر الاقتصادي لا يوجد في العراق بكل حكوماته السابقة والحالية وحتى في المستقبل، أكّد أنه "يشترط وجود عقليات تخطط لذلك مثل دولة الكويت كأقرب مثال، والتي لديها حصص إستراتيجية في شركات مثل دايملر، وهي الشركة المالكة لمرسيدس، فضلًا عن حصص كويتية في شركة بي بي النفطية البريطانية وغيرها، فيما أشار إلى أن "هناك تخوف من عدم نجاح هذا النوع من الصناديق بالعراق في ظل التخبط والفوضى والفساد، عكس ما تتطلبه التجربة باستخدام الصناديق بذكاء يخطط له واحترافية عالية من أجل النجاح".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المستشار المالي للحكومة يكشف عن مقترح لتأسيس "صندوق الثروة السيادية"

تعليق جديد من الحكومة حول سعر الصرف: لا تغيير في موازنة 2022