17-سبتمبر-2021

العراق يعتمد على الاستيراد من الهند في سوق الأحجار (Getty)

يتطلب الأمر جهدًا من  البحث في المدن الشعبية والمقدسة العراقية، لأن معرفة الشغف بـ"الأحجار الكريمة"، وشراؤها يجبر الراصد على  الدخول عبر مسار ضيق جدًا، ينتهي في آخره إلى عالم خفي، لا حدود له، يشتبك فيه الدين بعلم النفس والميثيولوجيا بالتجربة في مزيج معقّد للغاية، وتتقاطع  فيه التفسيرات والتأويلات، ولكنها إن دلّت، فلا  تدل إلاّ على الواقع الاجتماعي الذي يعيشه العراق اليوم.

تنتشر في "فيسبوك" الأعداد الهائلة من الصفحات المموّلة التي تعرض الأحجار الكريمة بشكل دائم ولها جمهور واسع

المتمعن بدقة، سيجد  حمى وسعار بيع وشراء الأحجار الكريمة، وانتشار محلاتها بشكل لافت، أما ارتفاع أسعارها، فقد غدا شيئًا مألوفًا لا يدعو للتعجب والاستغراب في مدن العراق، ويمكن قراءة ظاهرة الاهتمام ورواج سوق الأحجار الكريمة أنثروبولوجيًا ضمن ثلاثة منطلقات، بحسب سعيد الجعفر، وهو أكاديمي متخصّص في علم اللغة ومهتم بالأنثروبولوجيا، الأول هو "الإيمان بطاقة خفية فيها، وهو بقايا الطوطمية وعبادة الأشياء والأحياء"، أما الثاني بحسب الجعفر "كونها تشبه الذهب، تمثل مصرفًا للأيام الصعبة، فهي مما خف حمله وغلا ثمنه، أما الثالث بقيمتها الجمالية واستخدامها للزينة".

اقرأ/ي أيضًا: "منيو" الفيسبوك العراقي

ومن الأنثروبولوجيا إلى العلوم الطبيعية، التي ترى أن "بلّورات الكريستال والأحجار الكريمة الأخرى، قد استخدمت في الشفاء السحري، واستمر هذا الاعتقاد اليوم بين السحرة ومعالجي العصر الحديث، على الرغم من أنه لا يقوم سوى على الشهادات، وتأثير العلاج الوهمي (البلاسيبو)، والتفكير الانتقائي، والتمني، والتصديق غير الموضوعي، والسحر العاطفي، وتأييد العامة، وأنه لا يوجد أي دليل علمي على أن البلورات والأحجار الكريمة تشكل قنوات من طاقات سحرية مفيدة لتضميد الجراح أو العلاج أو الحماية، أو الإخبار عن المستقبل"، كما تقول دراسة نشرها موقع The Skeptic الشهير.

غموض وتجنّب الأسئلة

وعبر آليات البحث البسيط في شبكات التواصل الاجتماعي، وخصوصًا منصة "فيسبوك" يكشف الستار عن تلك الأعداد  الهائلة من الصفحات المموّلة التي تعرض بضاعتها بشكل دائم على مدار الوقت، وتجيب على أسئلة الزبائن، وترد على تعليقاتهم فيما يخص جودة بضاعتها وأسعارها في بيئة تفاعلية مثيرة، وحاول "ألترا عراق"، التواصل مرارًا مع العديد من الصفحات والقنوات الخاصة لبيع الأحجار الكريمة، لكن ردودهم لم تتناول أسئلتنا الجوهرية واكتفوا بالرد على أسئلة مكرّرة تخص الأسعار وخدمات التوصيل.

لكن حيدر حنون (48 سنة) صاحب الخبرة التي تمتد إلى أكثر من 15 عامًا في مجال الاهتمام بالأحجار، يقول إن "الأحجار تقسّم إلى أحجار كريمة  مثل حجر الالماس والياقوت والزمرد واللؤلؤ، والمرجان والأوبال والزبرجد، والجمشت أو الامتيست"، مضيفًا لـ"ألترا عراق"، "ومن هذه الأنواع  تتفرع الأنواع الأخرى مثل أحجار السترين والاكومارين والفلورايت و الزركون، أما مجموعة الأحجار فهي نصف الكريمة كالعقيق بكل أنواعه وبعض الأحجار المشابهة للعقيق بالتكوين الكيميائي مثل حجر  اليشم واليشب والتايكر". 

ويضيف حنون أن "جودة الأحجار بواسطة مقياس موس للصلابة Mohs scale، حيث يأتي الالماس في أعلى درجات الصلابة ومن ثم حجر الزمرد، فحجر الياقوت، كما أن الأحجار المزوّدة بشهادات فحص مختبري من GIA في أمريكا أو CGA  في كندا تكون غالية  جدًا، مبينًا "تختلف الدول التي تنتج الأحجار الكريمة إلا أن العراق يعتمد على الاستيراد من دولة الهند في سوق الأحجار الكريمة". 

وعن ارتفاع أسعار الأحجار بشكل مبالغ فيه يرجع حنون ذلك إلى ثلاثة أسباب، حيث يقول إن "الأسعار تعتمد على عاملي الندرة والنقاء في الحجر الكريم من جانب، والطلب من جانب آخر، وقد تشكّل الدعاية التجارية والترويج المستند على المرويات الدينية والحكايات والأساطير مثل  جلب المحبة والحظ السعيد والجاه والرزق الوفير". 

(ياقوت برومي) بيع في بغداد بـ6000 دولار
خاتم عقيق يماني قديم بسعر 700 دولار

من بسطات على الأرصفة  إلى صفحات مموّلة وخدمات توصيل ومزادات "أونلاين" 

(علي الشطري - 50 عامًا) يعمل صائغًا في مدينة الشطرة جنوب العراق، يقول لـ"ألترا عراق"، إنه "في السنين السابقة، لم يكن الاهتمام بالأحجار الكريمة بهذه الصورة ولم تكن أسواقها ومحلاتها بهذا الشكل  المثير للاستغراب، فأغلبها كانت تعرض في محلات وبسطات بسيطة، وتتركز في المدن المقدسة وقرب المراقد الدينية، لكن الواقع تغير كثيرًا في جميع مدن العراق". 

 ومثل أي تجارة، وجد تجّار الأحجار الكريمة في مواقع التواصل الاجتماعي طريق وصول سهل إلى المشتري، حتى أن الأمر لا يحتاج إلى أدوات التحليل الرقمي لمعرفة العدد  الهائل من الصفحات المروجة لهذه التجارة، بل أن أقل ما يقال عن أصغر صفحة ممولة إنها تحظى  بعشرات الألوف من المتابعين وتعدى بعضها المليون، مثل صفحة "مركز الأحجار الكريمة"، بالإضافة إلى قنوات في "يوتيوب"، والتي تصل مقاطعها المرئية إلى عشرات الآلاف من المشاهدات، فضلًا عن صفحات "فيسبوك" مرتبطة بيوتيوب

وخلال رصد "ألترا عراق"، تبيّن وجود مزادات علنية عبر "البث المباشر" تعرض فيه الأحجار الكريمة، ويوضح البائع خصائصها في "جلب الرزق أو الحظ السعيد والمحبة"، وتتصاعد حمى المنافسة في التعليقات حتى يختم البائع، وفي مشهد آخر مثير للاستغراب، تتساءل بعض التعليقات عن هذه البضاعة، وعن وجود خدمات توصيل إلى بلدان عربية مجاورة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل عزّزت هذه الصفحات دعايتها التجارية برجل الدين ليكون جزءًا مهمًا من الترويج التجاري لبضاعتها. 

أحجار العراق: در النجف والحجر السلطاني 

يشتهر العراق بنوعين من الأحجار التي تواجه إقبالًا منقطع النظير في محال بيع الأحجار الكريمة، خاصة في المدن المقدسة مثل النجف وكربلاء عبر صفحات "فيسبوك"، وهما حجر (در النجف) و(الحجر السلطاني)، والأول، بحسب أستاذ المعادن والصخور في كلية العلوم جامعة البصرة، باسم حميد أنه "بالأساس صخر ناري حامضي وصل إلى مناطق الصحراء الغربية وبحر النجف، بسبب الانجراف الجبلي من المناطق المجاورة للعراق الذي حصل عبر الألف من  السنين، ويقسّم حميد  الحجر المعروف بـ"در النجف" إلى أربعة أنواع بحسب نظام التبلور الذي شكّلها، "النوع  النفطي و الشعري والحسيني والدر الصافي وهو كريستال نقي، وتركيبة هذه الأنواع من مادة السليكا".

در النجف

أما الحجر السلطاني، فهو نوع من صخور جيرت Chert ضمن صخور limestone، وتكوّنت بفعل عملية تسمى الإذابة، وهي إذابة العناصر الموجودة في طبقات الأرض بسبب الأمطار تمنحها الأشكال والألوان الجذابة"، بحسب حميد.  

حجر السلطاني

ولم تتوقف الصفحات الخاصة بالأحجار الكريمة على تلك الأحجار ذات الألوان والأشكال الجذابة، بل تعدّى الأمر إلى بيع عظام طائر الهدهد، ذات القوة السحرية، كما تؤكد هذه الصفحات في إعلاناتها، فهي  تجد رواجًا واسعًا أيضًا عبر هذه  الصفحات، وقام "ألترا عراق"، بمراسلة أحد الصفحات عن سعر عظم الهدهد، و كان الجواب أنه "عظم الهدهد مع حافظة  فضة وقلادة بسعر 380 ألف دينار مع الختم والتوصيل"، وعن تجنب الغش بثت صفحة مقطعًا مرئيًا تكومت فيه جثث طائر الهدهد في مشهد رآه معلّقون أنه "مقزّز"، فيما يشرح البائع طريقة استخراجه واستخلاصه. 

ولا يختلف الأمر في بيع (ناب الذئب) الذي يعتبر أن له قوة سحرية خاصة بالتخلّص من الألم والمحبة وغيرها، إذ يجد رواجًا كبيرًا، إلا أن  "سعره يبدو معقولًا" بحسب معلّقين، ويصل سعره إلى 120 ألف دينار عراقي، مع التوصيل. 

ناب الذئب

وتواصل "ألترا عراق"، مع صفحة خاصة ببيع حجر المعروف بـ"الهبهاب" هو تركيبة كيميائية من الصخور النارية والمتحوّلة، تكثر مناجمها في أفريقيا وتحظى بسوء سمعة وكره في الأوساط الشعبية العراقية، وكان جوابها أن "سعره 300 ألف دينار عراقي ملحق به ختم يحفظ الحجر وعمليات الروحنة التي تشبه عقد الزواج وخدمات توصيل مجانية"، وعن سبب عدم تقبل العراقيين هذا الحجر يقول أحد المهتمين بسوق  الأحجار، إن "هذا الحجر فيه قدرات سامة تؤذي الخصوم ويدخل في طقوس السحر الشعبي".  

حجر الهبهاب

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"فيسبوك".. مرحبًا بك في أحلام اليقظة

فيسبوك في العراق.. على قياس العشيرة وأزلام الحكم