03-فبراير-2021

تخفف السلطات العراقية الإجراءات على الأسواق والمطاعم (فيسبوك)

لم تكن تأثيرات فيروس كورونا مقتصرة على الأنظمة الصحية والاقتصادية وحسب، إنما كان تأثيره يمتد إلى الحياة، وتشكيل نمطًا جديدًا وغير مسبوق لها، وظهرت مصطلحات جديدة مثل "العزل" و "الحياة غير الاجتماعية"، بالإضافة إلى أنه فرض شكلًا آخر للتعليم، حيث صار الطالب، وبدل أن يستيقظ من نومه صباحًا ويقف بين زحمة الطرق المعتادة، ويقطع شوطًا من العوائق التي يواجهها في الشارع، صار اليوم يجلس أمام شاشة الحاسوب، ويتلقى المحاضرات عن بعد، لكنه وفي العراق، ما زال يواجه عرقلة تلقي المعلومات بسبب حداثة التجربة، فضلًا عن ضعف شبكات الاتصال، بحسب عديدين من الطلبة.

بعد تخفيف القيود في العراق، تواجه السلطات انتقادات بشأن تشديد الإجراءات الوقائية على الجامعات والمدارس، بينما تخففها على الأسواق والمطاعم والتجمعات الأخرى

الجامعات، بوصفها مكانًا لتبادل الخبرات العلمية والنقاشات من خلال التواصل المباشر بين الأساتذة والطلبة، تحولت في الفترة السابقة إلى فارغة، أو شبه فارغة بعد تخفيف القيود، وهو ما أضعف التعليم، بحسب الأستاذ في جامعة الموصل هجران الصالحي.

اقرأ/ي أيضًا: قاتل جديد قد يتسلل إلى العراق قبل وصول الترياق

يقول الصالحي لـ"ألترا عراق"، إن "شكل الجامعة مع إجراءات الوقاية والبعد عن الجو الأكاديمي المعتاد كان مؤثرًا بشكل كبير، مبينًا أن "الجامعة تمنح الطلبة الفرص الكثيرة للتعاون والتبادل المعرفي، وتناول الخبرات العلمية والاجتماعية، مستدركًا "لكن إجراءات العزل، ومنع الطلبة من التواجد داخل أروقة الجامعة، أضعف من مفاصل التعليم وأضعف التواصل الاجتماعي بين الطلبة".

وبعد تخفيف القيود في العراق، تواجه السلطات انتقادات بشأن تشديد الإجراءات الوقائية على الجامعات والمدارس، وتخفيفها على الأسواق والمطاعم وتجمعات أخرى، وهو الأمر الذي يعلّق عليه الصالحي بالقول، إن "إجراءات العزل وإغلاق الجامعات ليس حلًا مناسبًا للجامعة، فالاختلاط في الأسواق والكافيهات والمطاعم والدوائر الحكومية مستمر، لذا من الأفضل أن يكون هناك دور إعلامي أكبر بضرورة التكيّف مع أزمة فيروس كورونا وعودة الطلاب للجامعة بنسبة دوام 50%، مع إجراءات احترازية وتوعوية جيدة أفضل من إغلاق الجامعات".

وحددت وزارة التعليم أيام الدوام الرسمي ليومين فقط في الجامعات، وهو ما يطرح سؤالًا عن جهوزية الطلبة للتعليم الالكتروني مع الحضور القليل الذي يشتت الطالب ويعيق آلية التواصل التعليمي المباشر، وهو ما أجاب عنه الصالحي، أن "الطلبة في غير قليلة، منهم غير جاهزين للتعليم الالكتروني، مضيفًا أن "الفئة المتضررة من التعليم هم الطلبة المتميزون، كونهم جادين ومنضبطين دراسةً وحضورًا".

واستدرك الصالحي أن "التعليم الالكتروني ألغى الفوارق بين الطلبة، كون التعليم يعتمد على نقل المعلومة مباشرة، والكل يعلم هذا، ويمكن طلب إحصاء بنتائج الطلاب للسنة الماضية، سنلاحظ أن أغلب الطلاب لهم درجات عالية ومتقاربة إلى حد كبير".

الحياة الجديدة والطائفية!

وبالعودة لشكل الحياة التي فرضتها إجراءات الوقاية من فيروس كورونا، وكيف يتعايش الطلبة مع ما يمكن أن يطلق عليه بـ"الحياة غير الاجتماعية" في الجامعة، يقول الصالحي إن "أغلب الطلبة يؤكدون لنا أن الحياة غير الاجتماعية أصابتهم بالملل، وأضعفت التواصل الاجتماعي بينهم، خاصة وأن الجامعة هي حاضنة لكل القوميات والأعراق والطوائف، وتشمل عددًا كبيرًا من محافظات أخرى، مبينًا أن "كل ذلك يساهم في خلق الانسجام الاجتماعي الذي تفتقر له البرامج الحكومية، لا بل العكس، فكثير من السياسات الحزبية والمناطقية مزقت النسيج الاجتماعي في العراق، وكانت الجامعة واحدة من المجالات التي ساهمت بلم وترميم هذا التمزق الاجتماعي".

 قال الأكاديمي هجران الصالحي إن الجامعة مهمة جدًا في تنمية السلوك الاجتماعي لدى كلا الجنسين، وتساهم في خلق الأواصر العائلية الجديدة البعيدة عن نطاق العائلة والعشيرة

وأشار الصالحي إلى أن "الجامعة هي المحطة الأولى للتعارف بين الجنسين، لذا هي مهمة جدًا في تنمية السلوك الاجتماعي لدى كلا الجنسين، وتساهم في خلق الأواصر العائلية الجديدة البعيدة عن نطاق العائلة والعشيرة"، لافتًا إلى أن "الحياة الجامعية قبل كورونا أفضل بكثير للأسباب التي ذكرت آنفًا، إضافة لضعف التعليم وتدني مستوى التعلم لدى الطالب وحتى لدى الأستاذ الجامعي".

اقرأ/ي أيضًا: تحذير شديد من الصحة العراقية: 5 أسباب.. وموجة الوباء القادمة أقسى

وتجربة خوض "الحياة غير الاجتماعية"، هي جديدة على الطالب أيضًا، وربما تشكل لديه أزمة في التعامل معها وفي تكوين شخصيته، فالجامعة هي مكان لتطور المعارف الأكاديمية بشتى أنماطها، كما تقول المينا البغدادي، وهي طالبة صيدلة في المرحلة الثالثة.

وتعتبر البغدادي أن التعليم الالكتروني "لا يكفي أبدًا"، مستدركةً "لكن أعتقد أن الموضوع نسبي، لا أستطيع أن أجزم، لكن الدراسة تحتاج إلى تطبيق عملي كدراسة الطب وفروعه والهندسة وفروعها".

تؤكد البغدادي على حاجة "التطبيق العملي"، والتي تحتاج برأيها إلى "تفاعل حي بين الأستاذ والطلبة"، بحسب رأيها.

لم يكن هذا ما نطمح له، دخلنا الجامعة بعد صراع كبير مع الحياة ومعوقات كثيرة، تقول ملاك عدنان وهي طالبة مرحلة أولى في الجامعة التقنية الوسطى، وتضيف لـ"ألترا عراق": "نريد أن نعيش الحياة الجامعية كما سمعنا عنها، أو نتلقى التعليم الرصين الذي يجعلنا مؤهلين للجلوس على كرسي الوظيفة مستقبلًا، مبينةً "نريد أن نجرّب تبادل الخبرات والتفاعل اليومي المباشر في الاختصاص الذي نريد أن نتقدم فيه، لا أعرف متى ينتهي هذا الشكل الجامد من التعليم".

فيما تقول زميلتها منار حسن طالبة المرحلة الرابعة، إنّ "الكثير من الطالبات يجدن متنفسهن في الجامعات في ظل مجتمع ينتشر فيه العنف وتسود فيه الكثير من العادات المجحفة، لكن الجائحة حوّلت هذه الأوقات الذهبية إلى أزمة بحد ذاتها".

وقبل أيام، لوحت وزارة الصحة العراقية، بإمكانية العودة لحظر التجوال الشامل وغلق المؤسسات والحدود في حال زيادة الإصابات بفيروس كورونا، وفيما ألقت باللائمة على المواطنين لعدم التزامهم بإجراءات الوقاية، أكدت أن العراق ضيّع فرصة السيطرة التامة على الوباء.  

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

جدل حول تسجيل أول إصابة بـ"السلالة الجديدة".. لماذا وزارة الصحة "مطمئنة"؟

الصحة العالمية تنفي معلومات حول حصة كردستان من اللقاحات الخاصة بالعراق