01-مايو-2017

مدنيون نازحون من مساكنهم في الموصل الغربية (أحمد الروباي/ أ.ف.ب)

لا يُنزع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من سوريا والعراق بسهولة، فالإسفين الذي دُقّ في هاتين الدولتين، عبر دخول التنظيم المتشدّد على خط الثورات العربية لتشويهها وحرفها عن مسارها ومساندة الأنظمة الحاكمة، في تبرير ممارساتها القمعية لمعارضة من هنا أو تظاهرة هناك؛ فعل فعله خلال السنوات الماضية في إظهار "وحشية" قلّ مثيلها إلا في سجلات الأنظمة نفسها، فاستدعت تدخلًا أجنبيًا للقضاء عليها، ورغم التقدّم الميداني على الأرض، فإن المعركة ما تزال مستمرة بفاتورة مدنية وميدانية باهظة جدًا.

في العراق وبعد أن سيطر داعش على الموصل شمال العراق، في تموز/يونيو 2014، تمكّن من تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية مهمّة، وتحوّل مع سيطرته على فروع البنك المركزي في الموصل، إلى التنظيم الأكثر ثراءً في العالم، هذا بالإضافة إلى وضع يده على غنائم عسكرية عدّة أضافها إلى متراسه الحربي كالمنصات القتالية والمدافع والدبابات والطائرات والصواريخ.

تحقق القوات العراقية تقدمًا على الأرض، بوضعها داعش في عدد من المعضلات التي لا يتمكن من التعامل معها

وكحال كل المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، فإن سكانها يضيقون ذرعًا بممارساته وأحكامه، ومن دخوله على منظومة القيم والعادات السائدة، لنسفها بتضييق الخناق على العامّة، بما كان الناس اعتادوا عليه في ثقافتهم وعلومهم وحياتهم اليومية، غير أن تحرير هؤلاء من المرّ لن يكون إلا بتجرّع كأس لن تقلّ مرارة.

اقرأ/ي أيضًا: فضيحة في العراق.. المصارف "دكاكين" لتمويل "داعش"

وعملية "العزم الصلب" أو قوّة المهام المشتركة التي تواجه التنظيم للقضاء عليه، كانت قد أنشئت في كانون الأول/ديسمبر من العام 2014، وهي تواظب على ضربه حيث هو.  كما تحقّق القوات العراقية الرسمية وغير الرسمية، تقدّمًا مهمًا على الأرض، بخاصة مع تحريرها الشق الأيسر من الموصل، حيث اتبعت في ذلك ما أشار إليه الجنرال روبيرت جونز، نائب قائد عملية "العزم الصلب" في مقابلة مع شبكة "سي إن إن"، إذ لفت إلى أن ما تقوم به القوات العراقية "وبصورة في غاية الفعالية، هو وضع العدو في عدد من المعضلات، فلا يتمكن داعش من التعامل معها جميعًا". 

وأوضح أن هذه المعضلات تتمثل في ما تقوم به هذه القوات من "إخلاء منطقة على الأرض وتأمينها، ومن ثم القيام بما يسمى المسح التراجعي لعناصر العدو، أي تقوم من هذه النقطة المؤمنة بإخلاء وتأمين المناطق تراجعًا إلى خطوطها الأولى، والتأكد من عدم وجود أي عناصر للعدو في المباني أو الانفاق، وهذا ما قامت به في استعادة مطار الموصل".

من آثار معركة تحرير الموصل (آريس ميسينيس/ أ.ف.ب)

كارثة الخسائر البشرية

وإذا كانت القوات العراقية قد تمكّنت بدعم من التحالف الدولي، من تحرير الجانب الشرقي للموصل، فإن عملية تحرير الجانب الغربي ليست بالأمر السهل، بخاصة مع جانب مراعاة المدنيين المحاصرين، فضلًا عن "استشراس" داعش في المواجهة، إذ تحدثت مصادر ميدانية مؤخرًا عن مقتل عناصر من القوات العراقية في تفجيرات انتحارية نفذها التنظيم غرب الموصل.

هذا وقد بدأت معركة تحرير غرب الموصل، في شباط/فبراير الماضي، وتعمل حاليًا على استعادة ما تبقى من أحياء الجانب الغربي من المدينة وأحيائها القديمة.

وأعلن ضابط في الشرطة الاتحادية لوكالة أنباء الأناضول، أن 14 من عناصر الشرطة لقوا حتفهم، فيما أصيب 20 آخرون، وذلك في هجوم لداعش بحي باب الطوب في محيط المدينة القديمة الواقعة على الضفة الغربية لنهر دجلة الذي يشق الموصل.

وعلى الصعيد الإنساني، سقط مدنيون جراء المعارك الدائرة بين الطرفين، عندما أطلقت عناصر التنظيم النار عليهم أثناء محاولتهم الفرار من منازلهم في منطقة المشيرفة. وتشهد الأحياء السكنية في المدينة القديمة وضعًا مأسويًا، مع تمدد رقعة الدمار في المباني والمنشآت، ومع سقوط مزيد من المدنيين جراء القصف الصاروخي والمدفعي العشوائي.

اقرأ/ي أيضًا: هل النصر في الموصل عسكريًا فقط؟

ورغم مناشدات سكان الأحياء بتوقف القصف من قبل التحالف الدولي والقوات العراقية، إلا أن رئيس أركان الجيش العراقي عثمان الغانمي، أعلن أن "استعادة الجانب الأيمن من الموصل بالكامل، ستكون قبل حلول شهر رمضان نهاية الشهر الجاري".

تشهد الأحياء السكنية في المدينة القديمة بالموصل، وضعًا مأسوايًا مستمرًا بسقوط مزيد من الضحايا كل يوم

وفي هذا الصدد، تتواصل المعارك في حيي الصحة والزنجيلي غربي الموصل، حيث تقوم مروحيات الجيش العراقي وطيران التحالف الدولي بشن غارات مكثفة على مواقع داعش في شارع الكورنيش القريب من الجسر الحديدي، المطل على جامع النوري الكبير ومنارته الحدباء في منطقة الموصل القديمة، ما يعني مزيدًا من الضحايا المدنيين وسط تعنّت داعش وإبدائه مقاومة عنيفة، واستخدامه القناصين والسيارات المفخخة.

هذا وكان وزير الدفاع العراقي عرفان الحيالي، قد أكد أن "قوات بلاده ستستعيد ما تبقى من أحياء في الجانب الغربي لمدينة الموصل من سيطرة داعش في أسرع وقت ممكن، بينما تواجه هذه القوات صعوبة في التقدم داخل المدينة القديمة"، موضحًا أن "خطة استعادة ما تبقى من مناطق المدينة من التنظيم ستراعي موضوعي الاشتباك القريب وحماية المدنيين"، وهو ما ستؤكده أو تنفيه الأيام المقبلة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"تحرير" الموصل وصناعة الإرهاب

داعش يطيل معركة الموصل.. إستراتيجية نقل العمليات