15-يناير-2021

كلما كان يُراد لهذا الوطن أن يُباع في سوق النخاسة كُنا نزداد حُبًا وعشقًا له (Getty)

في تلك الأيام وعندما كان الخطر يُحيط بوطننا، كُنا نحتمي بالأناشيد ونلوذ بها للصلاة عليه. ارتسمتْ في مُخيلتنا منذ الطفولة أناشيد الوطن وحب الصلاة على أرضنا، وتعلمنا لغة الأناشيد وترنيمة الغناء للوطن ونحن ذاهبون إلى المدارس، فصارت في قلوبنا مهما تقادم الزمن، وكأن الأيام تعاود دورتها وأسمع أصوات الطلبة وهي تُنشد في الصباح وقبل بدأ الدوام ترنيمة النشيد الوطني، فكانت أصواتنا تختلط مع أصوات الطالبات في المدرسة المجاورة، لتكون خلطة عجيبة من هتافات الطلاب العالية، تُراقبها هامات المعلمين وهي توزع أنظارها ما بين الذين يصدحون، وأخرى ترنو إلى العلم، فكان عندنا يقين أن وطننا محمي بسواد العيون.

وبالرغم من طفولتنا البريئة، كُنا دائمًا نشم رائحة العدو وغمامة الموت حين تقترب من بلدنا، كُنا نشمهُ من خلال أصوات أمهاتنا ورائحة الهواء الذي يدخل من شبابيك بيوتنا العتيقة. وفي ساعات الذروة من الوهج وخفايا القدر، كانت أصواتنا تعلو بالأناشيد لتُجدد انتمائنا لهذه الأرض، وتخرج من حناجرنا أناشيد جديدة تملأ ساحات المدرسة، وتطوف على الجوار كلمات نشيدنا الوطني، ولِلحق، فإن ذلك النشيد الوطني كان يُغرقنا إيمانًا بالله والوطن، ويرسم على ملامحنا قسماتْ الإيمان ببلدنا، ويتجدد فينا الولاء للوطن وندعو إلى الله أن يُديم صلاتنا ودعائنا على أرض هذا الوطن، مُنتظرين صباحات أخرى وأيام قادمة يؤاتينا فيه الحب والغزل لهذا المعشوق.

نعم، فلقد كُنا عندما نصدح بهذه الكلمات نقرّ ونعترف بأن أصوات وحناجر طالبات المدرسة المجاورة لنا، كانت تُنشد أجمل وأبهى مما نُنشد حين يتسرب ذلك الصوت إلى مسامعنا، فكان كل ذلك الإحساس ونشوة الحياة يجعلنا نتمنى عند ذاك لو اكتفينا بمجرد الإصغاء ومتعة الاستماع، لكن سطوة المعلم قد استفزت في روحه وكيانه غيرته وأنانيته، فيصرخ فينا ويرمقنا بنظرات والغضب لتصدح حناجرنا على الفور، ويرتفع في ساحات مدرستنا الجواب بأننا نُحب هذا الوطن.

آه، أيُها الوطن كم قتيل وجريح وشهيد جندّنا الحب لديك، وكم من (صعلوك) هتك هوائك ومائك، إلى متى يبقى العشق يجذبُنا إليك؟ ويحرّضُنا أن نحفر اسمك في قلوبنا وكأننا فهمنا رسالتك أيُها الوطن في أننا اكتشفنا أن هذه الأرض كانت تزداد رونقًا وجمالًا وعزًا كلما كان ناقوس الخطر يدّق أبواب الحدود، وكلما غدر به الغادرون واستباحهُ القتلة، حيثُ كان هذا الوطن يزداد قوة ويقف شامخًا بعد كُل كبوة، وكلما كان يُراد لهذا الوطن أن يُباع في سوق النخاسة كُنا نزداد حُبًا وعشقًا لهذا الوطن مهما حاول اللصوص والسُرّاق والقتلة بيعهُ بثمنٍ بخسٍ وفي مزاد رخيص. 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تعويذة السياسي المقدَسّة

العبث في أمن بغداد.. دليل على فقدان الصواب أيضًا