06-أبريل-2022
تشرين

لا زال عامل الخبرة يلعب دورًا بارزًا في سلوك النوّاب الجدد (فيسبوك)

بدايةً ينبغي أن نؤكد حقيقة تكاد تكون "بديهية"، وهي أن الكيانات السياسية الجديدة لا يمكنها الدخول في حلبة الصراع السياسي دفعةً واحدةً. وسيكون عليها مراكمة المزيد من الخبرة لتفهم الأسس الجوهرية للصراع السياسي. ومن جانب آخر، ليس عليها بالطبع أن تتخذ من هذه البداهات تبريرًا لعثراتها وتسويقًا لإخفاقاتها التي يمكن تجاوزها بكلفةٍ أقلّ. إن الأحزاب الحاكمة منذ 2003 واجهت الكثير من المطبّات، وكان خطابها السياسيّ ينطوي على مثالية عالية لا مكان لها في الواقع العملي، فتجردت من شعاراتها الرنانة ذات الصبغة الإسلامية، ولم يبقَ منها سوى الشعارات التي تغذي بها جماهيرها ذات النزوع الطائفيّ. وَلَجَتْ هذه الأحزاب ميدان المصالح من أوسع أبوابه، لكنّها مصالح فئوية لم تتسع دائرة خيراتها لتشمل الجميع.

هل سنشهد جيلًا ديمقراطيًا يهتم بالديمقراطية تفكيرًا وسلوكًا بدلًا من اشتغاله بخصومات شخصية لا قيمة لها وتسهم بشرذمة أي حراك سياسي وليد؟

كانت تشرين نقطة الضوء التي التمعت في نفق العملية السياسية المُظلم، التي كلّفتنا ثمنًا باهضًا راح ضحيته مئات الشباب المغدورين. وعلى الرغم من المزاج الشعبوي الحاد، وتقلّب الرأي العام بخصوص فكرة التنظيم، وتخوين الكثير من الكتّاب والناشطين على خلفيات يرجع الكثير منها لعوامل ذاتية محضة، والجزء الآخر لأسباب موضوعية للوقوف بالضد من الانتفاضة والتشكيك بجداوها، مضافًا إلى شيوع الخطابات الثورية التي تنادي بحلول راديكالية، إلّا أن كوكبة من الشباب التي انبثقت من رحم تشرين، قررت الدخول في المعترك السياسي؛ بعض التنظيمات اتخذت موقفًا سلبيًا إزاء المشاركة في العملية السياسية، في حين قرر فريق آخر الدخول إلى المعترك السياسي محاولةً منهم للظفر بالحد الأدنى من المطالب.

اقرأ/ي أيضًا: 

ولكي نكون واقعيين، وعلى سبيل الترجيح، لن يظفر النواب المستقلون في هذه الدورة الانتخابية، إن مرّت على خير، شيئًا يستحق الإشادة، باستثناء ممارستهم العملية التي ستنعكس لاحقًا على عملهم النيابي. مختصر القول: إنها خطوة لتثبيت الأقدام، وكسر الهالة الارتيابية التي كانت تهمين على أذهان الكثير من "الفشل المُحَقَّق" لانتفاضة تشرين، وإفلاسها السياسي وافتقارها بالأخير إلى التمثيل النيابي المنشود. ومن منظور شخصي، وبعيدًا عن التورّط بالتزكيات المجانية، لا ضمانات حقيقية لاستمرارية هؤلاء النوّاب على نفس الوتيرة، ولا ضمان كذلك على محافظة حراكهم التشريني بنفس الإيقاع. إذ لا زالت المغريات تلوّح في الأفق، ولا زال عامل الخبرة يلعب دورًا بارزًا في سلوك النوّاب الجدد.

يمكن أن نسجّل نقطة مهمة قد تنفعنا في المستقبل، وهي غياب الأسس الجوهرية للصراع الحقيقي؛ إذ لا زال البعض يتخذ من العوامل الذاتية منطلقًا أساسيًا لسلوكه السياسي، وأعني به ظاهرة العداء أو على الأقل عدم الارتياح والثقة من فئات تتبنّى الخطاب التشريني لسلوك الصدريين، متناسيًا أن السياسية بالعمق ليست نادٍ للأصدقاء، ولا تربطها علاقات حميمية بقدر ما هي شبكة من المصالح المتبادلة، وإلا ما كان للأعداء أن يجلسوا على طاولة حوار واحدة للتفاوض وحل النزاع. هذا ولا ننسى أن هذه النبرة يمكنها أن تطيح بجهود النواب الذين يمثلون تشرين، وتشكّل لهم عبئًا وعاملَ إرباك في علاقاتهم السياسية.

لا أريد أن أضخّم كثيرًا من هذا الأمر،  لأنها أولًا ليست ظاهرة واسعة مثلما كانت في السابق، ولأنّي متيقن، ثانيًا، من زوال هذه الظاهرة في المستقبل القريب، وأعني بالضبط زوالها عند نوّاب تشرين، لا سيما مواقفهم الأخيرة التي توحي بذلك، بعد أن تمكنوا من الفصل بين العوامل الذاتية والموضوعية، فهذه الأخيرة تمنحنا فسحة من التحرك للبحث عن مصالح مشتركة وتعلّمنا فن التفاوض لنيل المزيد من المكاسب، وتخرجنا من دائرة الثقافة القبلية التي تهمين على مجمل تفكيرنا وسلوكنا، ولكي نعرف في النهاية أن البرلمان وُجِدَ للتشريعات التي تصب في صالح المواطن، وليس بصفته "مضيفًا" عشائريًا يجري فيه فض النزاعات الشخصية. إن موقفنا من أي كتلة سياسية ينبغي ألّا يخرج من إطار العمل السياسي وألّا يتعدى دائرة المصالح العامة. وما عدا ذلك يمكن للفاعل السياسي أن يحتفظ بمواقفه الشخصية.وبخلاف ذلك سينتهي أمرنا إلى شقاق.

المهم في هذا كله، علينا طرح السؤال التالي: هل تبخّر الخطاب التشريني ومات في أيامه الأولى، أم لا زال يعمل من خلال التنظيمات الفتية؟ هل سنشهد تنظيمًا موحدًا يجمع كل هذا الشتات، ويحد من منسوب التذمر وعدم الرضا الذي يلاصق الجماهير العراقية الصعبة المراس ومنها جمهور تشرين إن وجد؟ هل ثمّة بوادر أمل أن يقتنع الجيل الجديد بضرورة الديمقراطية بوصفها حدًا للطغيان، أم نبقى تحت رحمة شيخ القبيلة المشتبك بذاكرتنا الاجتماعية والسياسية؟ هل سنشهد جيلًا ديمقراطيًا يهتم بالديمقراطية تفكيرًا وسلوكًا بدلًا من اشتغاله بخصومات شخصية لا قيمة لها وتسهم بشرذمة أي حراك سياسي وليد؟ ينبغي أن يأتي كتّاب غيرنا للكتابة بهذا الشأن، فلربما من كان يتابعنا، هنا في هذا الموقع بالذات، شعر الآن بالسأم بخصوص "النصائح" التي كنّا نسديها ونكررها بين الحين والآخر لجيل الديمقراطية الجديد.

اقرأ/ي أيضًا: